يبحث السوريون عن طريق آمن وغير مكلف للهجرة، عقب اشتداد الأزمة الاقتصادية في البلاد، وضيق الحال على السوريين في تركيا. وتتركز معظم محاولات السفر في الوقت الحالي إلى ثلاث جهات رئيسية، مصر وأربيل في كردستان العراق ودبي في الإمارات العريبة المتحدة، في حين لم تعد تركيا خياراً مرجحاً للسوريين، بسبب الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهونها هناك، مع تصاعد الحملات العنصرية مؤخرا.
هذه الحملات دفعت آلاف السوريين للتفكير بالانتقال من تركيا إلى مكان آخر، وتتركز جهودهم بالانتقال إلى مصر أيضاً، إلى جانب محاولات الوصول إلى أوروبا.
مصر خيار السوريين المفضل
"أسعى للحصول على فيزا إلى مصر والمغادرة إليها، أصبحت الحياة في تركيا صعبة حالياً ولا يمكن التنبؤ بما سيحصل مستقبلاً، على الأقل حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية".
يوضح محمد وهو لاجئ سوري في تركيا لموقع تلفزيون سوريا أسباب رغبته في الهجرة إلى مصر وأهمها الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
وقال محمد "لديّ عملي هنا وأولادي في المدارس، لكن تصاعد الحملات العنصرية والصعوبات الاقتصادية الحالية، بالإضافة إلى عدم القدرة على التكهن بمستقبلنا كسوريين في هذه البلاد دفعتني لمحاولة الحصول على فيزا إلى مصر".
وحول أسباب اختياره مصر بالتحديد قال محمد إن ما يسمعه عن حسن معاملة السوريين وفرص الاستثمار هناك، بالإضافة إلى تشابه المجتمعين السوري والمصري جعل خيار مصر أفضل بالنسبة إليه.
اقرأ أيضا: لرفع سعرها.. إيقاف إصدار الفيزا "البطيئة" للسوريين إلى مصر
وإن كانت الظروف الحالية في تركيا دفعت محمد للتفكير بالهجرة إلى مصر، إلى جانب المئات الذين أعلنوا وصولهم إلى القارة الأوروبية خلال الأسابيع الماضية، فهناك ظروف مختلفة لدى السوريين القاطنين في مناطق النظام السوري، والذين يعانون بدورهم من تدني مستوى المعيشة والصعوبات الاقتصادية عدا عن الظروف الأمنية بالغة السوء في البلاد.
وتقدّر الأمم المتحدة أن 90% من السوريين تحت خط الفقر، فيما وصل سعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة السورية إلى أربعة آلاف و 440 ليرة وفق موقع "الليرة اليوم" المتخصص بأسعار صرف العملات، يُضاف إلى ذلك التقنين الكهربائي لساعات طويلة وطوابير الغاز والخبز وغيرها، عدا عن الشباب الهارب من أداء الخدمة العسكرية الإجبارية في قوات النظام السوري.
وقال رامز (20 عاماً) من مدينة حمص وسط سوريا، والذي وصل إلى مصر مؤخراً لموقع تلفزيون سوريا إنه "خرج من سوريا هرباً من أداء الخدمة العسكرية".
وأضاف "بلغت كلفة الرحلة إلى مصر أكثر من ألف و 500 دولار أميركي، منها ألف و 200 دولار للحصول على الفيزا، بعد اللجوء إلى أحد المكاتب المتخصصة، يضاف إلى ذلك سعر تذاكر الطيران وغيرها من المصاريف".
وتابع رامز "لا أستطيع القول إنني سعيد للغاية في مصر، لكنني على الأقل أجد كهرباء وأبحث عن عمل وأحاول التأقلم، لديّ صدمة من حجم مصر المهول والقاهرة كمدينة ضخمة".
من جهته قال حسام (32 عاماً) لموقع تلفزيون سوريا إنه تسرّح من جيش النظام السوري في بداية عام 2012 وبدأت الأمور تزداد سوءاً في مدينته حلب ليرحل إلى اللاذقية في ظروف صعبة للغاية ومنها إلى مصر".
ويصف حسام تجربته بأنها "كأمر واقع أتعامل معه يومياً من دون أي حنين أو فكرة للعودة إلى سوريا في الوقت الحالي على الأقل، خاصةً أنه حتى قبل عامين كان مدخولي المادي جيداً والأسعار أقل".
وأضاف "أشعر بالاستقرار الكبير رغم بعض الصعوبات المتعلقة بالأوراق الحكومية ومدارس الأولاد ذات الأسعار المرتفعة".
أمور مشتركة بين السوريين والمصريين
يجمع بين السوريين والمصريين الكثير من العادات والتقاليد المشتركة، إلى جانب تاريخ سياسي طويل، ما قبل عدوان 1956 على مصر من قبل فرنسا وبريطانيا وإسرائيل، وليس انتهاء بنكسة 1967، مروراً بسنوات ثلاث كانوا في جمهورية واحدة حملت اسم الجمهورية العربية المتحدة.
لكن هذه العوامل وحدها ليست كافية اليوم لبناء علاقة بين شعبين يعيش أحدهما أزمة حادة وجذرية تتعلق باللجوء والنزوح والحرب والأزمة الاقتصادية الحادة، ويرى الباحث الأول في مركز السياسات وبحوث العمليات سلطان شلبي أن "الصورة العامة المرسومة عن السوريين في مصر تختلف بشكل كبير عن تلك الموجودة عنهم في تركيا، وهو ما يساهم بعلاقات أفضل بين الطرفين".
وأوضح شلبي "الشريحة الكبيرة التي وصلت إلى تركيا وصلت ضمن ظروف مختلفة عن تلك التي وصلت إلى مصر، الكثير من السوريين ممن وصلوا إلى تركيا خرجوا من سوريا بظروف سيئة للغاية وهربوا من القصف والمعارك".
وأضاف "كما أن هناك الكثير من الفعاليات التجارية السورية التي فضلت مصر واتجهت إليها منذ سنوات ونجحت ببناء جسور مع شرائح مختلفة من الشعب المصري، وهو ما ساهم أيضاً في صورة جميلة عن الشعب السوري هناك".
وأشار شلبي إلى أن عامل اللغة، الذي يشكل عائقاً بين السوريين والأتراك، غير موجود في مصر، كما أن الحملات العنصرية الأخيرة التي يواجهها السوريون في تركيا والمشكلات الاقتصادية تجعل مصر خياراً أفضل للسوريين".
اقتصادياً.. كيف تستفيد مصر من السوريين؟
وبعيداً عن الشق الاجتماعي واستقبال المجتمع المصري للسوريين، فهناك أيضاً مزايا اقتصادية تحصل عليها مصر في المقابل مع هجرة السوريين إليها، ويمكن تلخيص هذه المزايا برأسي المال الاقتصادي والاجتماعي.
ورأس المال الاقتصادي هي الأموال التي نقلها رجال أعمال ومستثمرون سوريون إلى مصر، سواء من سوريا أو من بلاد أخرى (تركيا ودول الخليج العربي كمثال).
وأوضح الأكاديمي والاقتصادي السوري فراس شعبو لموقع تلفزيون سوريا، أن "رأس المال الاجتماعي الذي يمتلكه السوري يفيد الاقتصاد المصري، فالتاجر الذي ينقل أعماله إلى مصر يأخذ معه خبرته وعمالته السورية، فهناك الكثير من الشركات التي نقلت موظفيها إلى مصر، عدا عن الزبائن الذين سينتقلون معه ويشترون من الشركة السورية في مصر ويتعرفوا إلى أسواقها، وهو ما يضيف إلى الاقتصاد المصري".
وحول اختيار رجال أعمال سوريين لافتتاح مشاريع استثمارية في مصر قال شعبو، إن "مصر باعتبار أن لديها بيئة جيدة للاستثمار ففضلها السوريون ونجحوا بشكل كبير، بينما نشهد هجرة أيضاً من مصر إلى تركيا على مستوى رؤوس الأموال وأصحاب الدخل الجيد".
وأضاف "مصر لديها اقتصاد قوي وواعد، والسوري لديه القدرة على التأقلم والتطور لذا هذه الهجرة بقدر ما هي مضرة للاقتصاد السوري، هي مفيدة للاقتصاد المصري الذي يحصل على رأس مال وخبرة ومهنيين جاهزين للعمل وإثبات وجودهم، بالإضافة إلى أن أغلب السوريين يعملون في شركات سورية أو مصرية أو أعمال حرة".