أطلقت "المنصة السورية"، وهي منصة إنسانية تطوعية، مبادرة جديدة تحت عنوان "جيل.. لمستقبل مشرق"، تستهدف دعم المعلمين الذين يساهمون في تحسين جودة التعليم ضمن مجتمعات محتاجة في شمال غربي سوريا.
وتتمحور هذه المبادرة حول توفير رواتب للمعلمين المشاركين في مشروع تعليمي تطوعي تقوم عليه المنصة، ويهدف إلى تحسين البيئة التعليمية وتخفيف الأعباء المادية عن المدرسين.
الفكرة الأساسية للمبادرة
تستند هذه المبادرة إلى مبدأ التبرع بقيمة سهم أو أكثر لدعم رواتب المعلمين المتطوعين، حيث تبلغ قيمة السهم الواحد 500 ليرة تركية، وتكمن الفكرة في تمكين المتبرعين من المساهمة بسهم أو أكثر على مدار 9 أشهر، على أن يُستخدم هذا المبلغ في تغطية جزء من رواتب المعلمين المشاركين في مشروع "حلم".
وتشمل طرق التبرع وسائل إلكترونية متعددة، مثل التحويل البنكي أو المحافظ الإلكترونية، مما يسهل عملية المشاركة في التبرع، ويوضح القائمون على الحملة أن كل تبرع يساهم في تحقيق تغيير إيجابي ملموس في التعليم داخل المجتمعات المحتاجة.
رسالة وأهداف
أوضح المدير التنفيذي لـ "المنصة السورية"، بلال جبيرو، أن المنصة تأسست في منتصف عام 2020 كمنصة إنسانية تطوعية غير ربحية، تهدف إلى تعزيز المعرفة والتعليم بين فئة الشباب.
تشمل أهداف المنصة تأهيل وتطوير المجتمع المدني ليكون أكثر إيجابية واستدامة، والعمل على توفير الفرص التعليمية والعملية المثمرة، إلى جانب مدّ جسور التعاون مع المنظمات المحلية والعالمية العاملة في المجالين الإنساني والتعليمي.
وأضاف جبيرو، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن المنصة تسعى إلى بناء جيل يتمتع بالكفاءة العلمية والعملية من خلال توفير الوسائل التعليمية الحديثة وتشجيع فكر التطوع والشفافية.
إنجازات المبادرة حتى الآن
حتى الآن، تمكنت المبادرة من تأمين 30 سهماً من أصل الهدف الكلي البالغ 40 سهماً، وما زالت الحملة جارية لاستكمال التبرعات.
ويؤكد جبيرو أن استمرار الحملة يُسهم في تخفيف العبء المالي عن المعلمين وتحفيزهم على تقديم أداء أفضل للطلاب، فكل سهم يساهم في تغطية جزء من رواتب المعلمين، مما يعزز من استقرارهم المالي ويتيح لهم التركيز على تطوير مهاراتهم التعليمية.
الدوافع الرئيسية لإطلاق المبادرة
تأتي هذه المبادرة كردّ فعل مباشر على نقص الدعم المالي للمشاريع التعليمية في المناطق المحتاجة شمالي سوريا، حيث يُعتبر المعلم هو الضحية الرئيسية لهذا النقص.
وأطلقت المنصة هذه المبادرة لتأمين رواتب المعلمين وتحسين ظروفهم، مما يساعد في الاعتراف بأهمية دورهم في بناء الأجيال القادمة وتحسين مستوى التعليم في المجتمعات التي تخدمها المبادرة.
ويتوقع جبيرو أن تؤدي المبادرة إلى تحسين جودة التعليم بشكل ملحوظ من خلال توفير رواتب المعلمين، مما يسهم في رفع معنوياتهم وتحفيزهم على تقديم أداء أفضل، ففي بعض الأحيان، يتحمل المعلمون تكاليف إضافية من أجل تحسين جودة التعليم، مثل شراء مواد تعليمية من أموالهم الخاصة، ويأتي دور هذه المبادرة لتخفيف هذا العبء المالي عنهم.
رسالة المبادرة للمتبرعين والمجتمع
بحسب المتحدث، تسعى المبادرة إلى توجيه رسالة واضحة للمتبرعين والمجتمع، مفادها أن كل تبرع يُسهم في إحداث تغيير إيجابي ملموس في بناء الأجيال القادمة، مؤكداً أن دعم التعليم ليس فقط مساهمة في بناء مستقبل الأفراد، بل هو أيضاً خطوة نحو بناء مجتمع واعٍ ومثقف.
وأوضح جبيرو أن اختيار المعلمين يتم وفق شروط ومعايير محددة، تركز على المؤهلات الأكاديمية والخبرة التدريسية، بالإضافة إلى القدرة على التعامل مع مختلف المستويات التعليمية والعمرية للطلاب.
كما يتم التركيز على قدرة المعلمين على إيصال المعلومات بطريقة فعّالة وتحفيز الطلاب على التعلم، وكذلك يجب أن يتمتع المعلم بالصبر والقدرة على تشجيع الطلاب وتحفيزهم لتحقيق النجاح الأكاديمي.
ويشير جبيرو إلى أن حاجة المشروع الشهرية لتغطية رواتب المعلمين تبلغ نحو 650 دولاراً أميركياً لمدرّسي البكالوريا بفرعيها العلمي والأدبي، بينما يحتاج مشروع تدريس الصف التاسع إلى نحو 250 دولاراً شهرياً.
قطاع يصارع للاستمرار
يواجه قطاع التعليم في شمال غربي سوريا العديد من الصعوبات التي تزداد تعقيداً مع انطلاق كل عام دراسي جديد، ما يخلق ضغوطاً متزايدة على القطاع بشكل عام، في وقت تشهد فيه المدارس نقصاً بالكوادر التعليمية والموارد الضرورية للاستمرار، في حين تكثر التساؤلات عن دور الجهات الحكومية والمحلية في دعم التعليم الذي يعد حجر الزاوية لضمان مستقبل الأجيال الصاعدة.
على مستوى مناطق نفوذ الجيش الوطني السوري شمالي وشرقي حلب، ينظم المعلمون منذ عام 2021 وقفات احتجاجية بين حين وآخر، ويرجع ذلك إلى استياء شريحة واسعة من المدرسين من الواقع السيئ للقطاع التعليمي في المنطقة، الذي يعاني من عدة إشكالات من بينها انخفاض الراتب، في حين بدت المجالس من خلال تعاملها مع الأزمة عاجزة عن تقديم أي حلول مرضية، وكان أداؤها سبباً مباشراً في تصاعد الاحتجاجات، بعد تهديدها لعدد من المعلمين بالفصل.
أما في إدلب، فقد فتح الحراك الشعبي ضد سياسات "هيئة تحرير الشام"، وحكومة الإنقاذ التابعة لها، الآفاق أمام مختلف فئات المجتمع من الموظفين وغيرهم، للمطالبة بحقوقهم وتحسين بيئة عملهم بما يتناسب مع الوضع المعيشي، ويضمن حياة كريمة لهم، وكان للمعلمين نصيب في ذلك، حيث طالبوا خلال تظاهراتهم، بإعادة هيكلة نقابة المعلمين عبر إجراء انتخابات حرة لا يكون لـ "حكومة الإنقاذ" يد فيها، لتكون مستقلة تماماً، فضلاً عن المطالبة بزيادة الرواتب ووضع نظام داخلي يشمل جميع دوائر وزارة التربية والتعليم.
يعتقد كثيرون أن التعليم يشكل الأساس الراسخ لأي نهضة مجتمعية، فهو الأداة التي تنقل المجتمعات من التخلف إلى التقدم، وفي هذا السياق، ينبغي أن يكون المعلم محور الاهتمام من قِبل الحكومات، سواء في إدلب أو ريف حلب، وأن يُعتبر دعمه أولوية قصوى، فالمعلم هو المسؤول عن بناء جيل كامل، وتوجيهه وحمايته من الانحراف أو الضياع، ومع ذلك، تُتهم الجهات المعنية غالباً بالتقصير في هذا الجانب، سواء من حيث الاهتمام بالمعلم أو توفير الدعم اللازم له، وهو ما يفرض على تلك الجهات مسؤوليات إضافية لضمان بيئة تعليمية تحقق النتائج المرجوة.