قابل كثيرٌ من أهالي الشمال السوري خبرَ مطالبة روسيا لتركيا بفتح معابر بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة برفض مطلق، معتبرين الهدف - وفق تعبيرهم - إعادة إنعاش لاقتصاد النظام المتهالك وبثّ الروح في جسده المنهك وتحويل الشمال السوري إلى رئة يتنفس عبرها النظام، الذي تعيش مناطق سيطرته حالة اختناق اقتصادي سبّبتها العقوبات الأميركيّة بالدرجة الأولى، فضلاً عن حرمانه من النفط والغذاء اللذين تحتكرهما "قسد"، منذ إقامة كيانها على أنقاض تنظيم الدولة (داعش) في المرتبة الثانية.
الناظرون إلى القضيّة من هذه الزاوية محقّون لكنّهم ربّما لم يدركوا أنّ للقضيّة زوايا أخرى عريضة وأبعاداً أكبر وحكاية تعود مناوراتها على أقل التقديرات إلى عام من الزمن، يوم بدأت روسيا بتعويم قضية معبري باب الهوى والسلامة - الحدوديّين مع تركيا - وتمكّنت من فرض معبر باب الهوى وحيداً في استقبال المساعدات الإنسانية وتوزيعها في مناطق شمال غربي سوريا.
ثلاثة أشهر متبقية على انتهاء مدّة قرار مجلس الأمن الدولي بشأن تمديد دخول المساعدات الأممية عبر باب الهوى، والفيتو ذاته الذي استخدمته روسيا تجاه باب السلامة الحدودي وبخطّة أشبه بدبيب النمل، تحاول تكرار المشهد وهذه المرّة نحو باب الهوى الحدودي.
تدرك روسيا بحسب د.قتيبة السيد عيسى - مؤسّس منظمة بنفسج العاملة في الشمال السوري - أنّها لن تقدر على تطبيق هذه الخطوة قبل طرح بدائل لم تكن مهيأة العام الماضي، يوم رفعت الفيتو أمام باب السلامة، لذلك وفي وقت ينتظر فيه العالم التمديد ويرقبه السوريون بتخوّف مذ عُقِد على مضض، تَطرحُ روسيا فتح ثلاثة معابر إنسانية في الشمال السوري عموماً، أولها معبر سراقب - ترنبة شرقي إدلب، والثاني ميزناز - معارة النعسان غربي حلب، وأما الثالث ففي منطقة أبو الزندين قرب مدينة الباب في ريف حلب الشرقي.
يقول السيد عيسى إنّ روسيا تحاول إعادة تعويم النظام عبر الملف الإنساني وفرض الهلال الأحمر وبعض المنظمات العاملة في دمشق كبديل عن المنظمات شمال غربي سوريا والمعابر الثلاثة بديلاً عن باب الهوى، في حين سبق أن أعلن النظام مراراً وتكراراً استعداده لتولي الملف وقدرته على ذلك، محذّراً من كارثة إنسانيّة قد تحصل إن كان لروسيا والنظام ما يريدان، مطالباً المنظمات الدولية والأهالي بالوقوف في وجه المخطط الخطير، وفق تعبيره.
السيد عيسى استحضر خلال حديثه مع موقع تلفزيون سوريا تجارب منع النظام وصول المساعدات إلى الغوطة المحاصرة وريف حمص الشمالي وغيرها، يوم مات الأهالي فيها جوعاً من دون أن يصلهم شيء، والحال ذاته بالنسبة لهذه المناطق ودرعا وغيرها بعد سيطرة النظام، حيث حُرِم الأهالي من أي مساعدة عبره، في حين أن الخطر الأكبر يتمثلُ في وصول أسماء المستحقين وتفاصيلهم ومعلوماتهم إلى أجهزة النظام الأمنيّة وما قد يشكّله ذلك من خطر عليهم.
من جانبه علِم تلفزيون سوريا مِن مصدر خاص أنّ الهلال الأحمر السوري عمل على إجراء عدّة وساطات خلال الأشهر الماضية بهدف العودة للعمل في مناطق الشمال السوري، في إشارة ربّما لدور تجهز له روسيا للدفع نحو مشهد مشابه لما تحدّث عنه السيد عيسى، دفع بالسياسة تارةً والقوة تارةً أخرى، واستهداف سيّارات الوقود ومعمل الغاز ومحيط حرم معبر باب الهوى الحدوديّ، وغيرها إشارة واضحة.
يذكر أنّ مجلس الأمن الدولي أقر تمديداً للمساعدات الأمميّة إلى الشمال السوري عبر منفذ وحيد خلال اجتماعه المنعقد في 12 تموز 2020، لتدخل أول قافلة مساعدات عبر باب الهوى بعد شهرين من الانقطاع في 18 آب من العام ذاته، في حين شهدت الحصة الأمميّة تخفيضين حد النصف في محتواها ووزنها منذ جائحة كورونا.
وتقدّر كميّة المساعدات الغذائية المقدّمة عبر برنامج الغذاء العالمي لمناطق شمالي غربي سوريا بحدود 120 ألف سلّة شهريّاً، إضافة إلى مشاريع الطوارئ وتجهيز المخيّمات ومشاريع أخرى ترعاهما "يونيسف" ومنظمة الصحة العالميّة.