أثارت الإحاطة التي قدمها مجلس الأمن الدولي في 20 من كانون الثاني الجاري حول سوريا كثيرا من الاهتمام، على غير المعهود، خلال الأسبوع الماضي، وذلك بعدما وصف المبعوث الأممي الخاص جير بيدرسون ما يجري بأنه: "تسونامي بطيء... يجتاح كامل سوريا"، وسط حالة الانهيار الاقتصادي والمعاناة الإنسانية، وتوقف العملية السياسية، فكانت تلك التعليقات دقيقة وصادمة، بيد أنها ليست بالجديدة، إذ إن الأمور التي يتم التغاضي عنها على ما يبدو ستكون عواقبها أكبر بكثير، إذ ثمة تأكيد صريح من قبل المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، بأنه يعتزم من كل بد أن يصوت ضد أي تمديد لإدخال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا (إذ يقتصر إدخالها حالياً عبر باب الهوى فقط في شمال غربي البلاد)، وذلك خلال جلسة التصويت التي ستعقد في تموز من عام 2021.
والأسوأ من كل ذلك، هو أن المسؤول الأممي للإغاثة السيد مارك لوكوك أعلن في الإحاطة ذاتها عن فشل الجهود للتفاوض حول آلية تسليم المساعدات عبر نقطة عبور من دمشق إلى شمال غربي البلاد.
اقرأ أيضا: الأمم المتحدة تطالب بتمديد آلية إيصال المساعدات عبر الحدود
فإذا لم يطرأ أي تغيير على هذا الحال، فمن الممكن بعد خسارة آليات إدخال المساعدات عبر الحدود وعدم وجود آليات ترتب أمور نقلها إلى شمال سوريا عبر نقطة عبور، أن يحرم أكثر من 4.5 ملايين مدني من المساعدات، وتلك كارثة إنسانية لم يسبق لها مثيل.
ففي الوقت الذي يواصل فيه النظام استخدام المساعدات كسلاح لمصلحته على مدار عقد من النزاع، تقوم روسيا في مجلس الأمن عبر عرقلتها لقرار تمرير المساعدات بنقل تلك المسألة إلى مستوى أعلى وأقوى دبلوماسياً. إذ مع بقاء ثلث البلاد خارج سيطرة النظام، وانتشار كوفيد-19 أكثر من ذي قبل وتحوله إلى خطر خفي شديد الوطأة، تهدف هذه الاستراتيجية التي تتصدرها روسيا إلى غرس نوع جديد من الرعب في نفوس الناس وذلك لإرغام الأهالي على الاستسلام والرضوخ لحكم النظام. إذ في دولة تشتمل على 6.7 ملايين نازح داخلياً، و85% من سكانها يعيشون الآن تحت خط الفقر، و9.3 ملايين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، يعتبر ما يجري امتداداً كريهاً على المستوى الأخلاقي للنزاع العسكري الوحشي الذي خلف أكثر من نصف مليون قتيل.
وبوجود ستة أشهر تفصلنا عن تصويت الأمم المتحدة، تظهر مشكلة تتصل بالسياسة الخارجية تستحق أن توليها إدارة بايدن الجديدة عناية عاجلة، تلك العناية التي تتطلب جهوداً دبلوماسية كبيرة ومركزة من قبل الولايات المتحدة وبالتنسيق مع حلفائها. ففي الوقت الذي قد يفسح فيه التفكير والتدبر بالمجال الأكبر للسياسة حيال سوريا لظهور حالة من السخرية والتشكيك، ينبغي للمساعدات الإنسانية أن تستغل كفرصة لتحقيق نتائج استراتيجية وأخلاقية في آن معاً.
اقرأ أيضا: الأمم المتحدة: زيادة المساعدات عبر الحدود إلى سوريا بنسبة 40%
سبق للولايات المتحدة وأوروبا أن قدمتا 90% تقريباً من المساعدات المخصصة لسوريا، في حين أن روسيا، التي لم تقدم سوى 1% من تلك المساعدات، هي من يسيطر على كامل العملية. وفي الوقت ذاته، تم تخريب قنوات المساعدات الأممية التي تم التنسيق من أجلها مع دمشق، كما ربطت بشكل جوهري بشبكات الموزعين المرتبطين بالنظام، وبالشركات الأمنية والجمعيات الخيرية التابعة لها. وبالنتيجة، وفي الوقت الذي نقوم فيه بتقديم الجزء الأكبر من المساعدات، هنالك من يتلاعب بجودنا وسخائننا سعياً لتحقيق مصالح النظام على الصعيد الداخلي.
إذ لضمان استمرار القدرة على الوصول إلى العاصمة السورية، واصلت حتى منظمة الصحة العالمية خلال استجابتها لكوفيد-19 ترديد وتكرار ما يعلنه النظام من بيانات ومعلومات وتصريحات، مما أسهم وبشكل كبير في التستر على أمر انتشار هذا المرض الفتاك.
وقبل أسبوعين أعلنت منظمة الصحة العالمية أيضاً عن استعانتها بخطوط جوية سورية وهي أجنحة الشام لتنفيذ عملياتها في ليبيا، بالرغم من أن هذه الشركة الناقلة تخضع لعقوبات بسبب الدور الذي لعبته في نقل المسلحين الموالين للنظام من إيران إلى سوريا، ولنقلها مؤخراً رجال الميليشيات الذين تدعمهم روسيا من سوريا إلى ليبيا.
وفي النهاية، لابد من بذل جهود حازمة لمنع أو تحييد تدخل النظام في آليات المساعدات التي تبدأ من دمشق. إذن فالقضية ليست قضية كم بالنسبة للمساعدات المقدمة إلى سوريا، بل إنها تتصل بالأشخاص الذين ستصلهم تلك المساعدات. فقد تكون الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها جزءاً من المشكلة الحالية، ولهذا يجب عليها أن تصبح جزءاً من الحل أيضاً.
وهنا يجب ألا تنصب الضغوطات التي تمارسها الولايات المتحدة وحلفاؤها على سوريا وروسيا فحسب، بل أيضاً على الأمم المتحدة لتضمن عدم الخضوع لقيود النظام وابتزازه بما أن ذلك تحول إلى قاعدة وأساسا لكل ما يجري على ما يبدو. كما يجب قطع قنوات تمويل الهيئات التي لا تتمكن من تحقيق المعايير المحددة سلفاً، إلى أن يتم اتخاذ إجراءات وبروتوكولات أفضل وتنفيذها على أرض الواقع.
اقرأ أيضا: مساع روسية لتقليص جديد في آلية المساعدات عبر الحدود
وإلى جانب الجهود التي تهدف إلى تحقيق شيء أقرب لوصول وإدخال للمساعدات من دمشق دون أي قيود، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها أن يبحثوا عن طرق مناسبة لمواصلة إدخال المساعدات عبر الحدود من تركيا أو من شمالي العراق أو من كليهما معاً، وذلك في حال ظلت روسيا عازمة على التصويت ضد تمديد الأمم المتحدة لمعبر باب الهوى في تموز المقبل.
فالولايات المتحدة والمجتمع الدولي ظلا يقدمان مساعدات كبيرة لتلك المجتمعات دون قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي حتى عام 2014، واليوم يبدو أننا بحاجة للقيام بذلك مجدداً. ثم إنه لا وجود لأي مؤشر حالياً يفيد باستعداد خمسة ملايين نسمة يعيشون خارج سيطرة النظام في شمال وشرق سوريا للاستسلام والرضوخ لحكم النظام خلال الأشهر القادمة، ولهذا قد يطرح على الطاولة خيار بديل يتمثل بمساعدات أحادية الجانب تمر عبر الحدود بين بقية الخيارات.
اقرأ أيضا: الأمم المتحدة ترسل مساعدات إنسانية إلى إدلب عبر تركيا
المصدر: ميدل إيست إنستيتيوت