icon
التغطية الحية

ما مدى تأثير "العودة الطوعية" والهجرة على أعداد السوريين في تركيا؟

2024.10.11 | 12:49 دمشق

ما مدى تأثير العودة الطوعية والهجرة على أعداد السوريين في تركيا؟
ما مدى تأثير العودة الطوعية والهجرة على أعداد السوريين في تركيا؟
 تلفزيون سوريا - إسطنبول
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  • انخفض عدد السوريين تحت الحماية المؤقتة في تركيا من 3.7 ملايين عام 2021 إلى 3.09 ملايين في 2024.
  • من المتوقع أن يستمر الانخفاض مع انتهاء مهلة تحديث العناوين في كانون الأول.
  • أسباب الانخفاض تشمل العودة الطوعية إلى سوريا والهجرة غير القانونية إلى أوروبا.
  • السياسات التركية المتغيرة، خاصة بعد الزلزال والتوترات السياسية، دفعت السوريين إلى العودة.
  • منظمات حقوقية تنتقد عمليات "العودة الطوعية" وتشكك في مدى طوعية هذه العودة.

تشهد أعداد السوريين المقيمين في تركيا تحت وضع الحماية المؤقتة انخفاضاً مستمراً، إذ بلغ عددهم في عام 2021 نحو 3 ملايين و737 ألفاً و369 شخصاً، إلا أن هذا العدد تراجع بحلول 3 تشرين الأول 2024 إلى 3 ملايين و89 ألفاً و904، وذلك وفق بيانات صادرة عن إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية.

ويُظهر هذا التراجع انخفاضاً كبيراً في عدد السوريين المقيمين، رغم الأخذ بعين الاعتبار حالات الولادة الجديدة بين السوريين خلال هذه المدة، ويُتوقع أن ينخفض العدد بشكل أكبر في الأشهر القادمة، إذ سيواجه السوريون الذين لم يحدثوا عناوينهم خطر الشطب من سجل الحماية المؤقتة بعد انتهاء المهلة الممنوحة لهم من وزارة الداخلية في 1 كانون الأول.

وتعود أسباب الانخفاض الكبير في عدد السوريين المقيمين تحت وضع الحماية المؤقتة بشكل رئيسي إلى عدة عوامل. وبحسب موقع (BBC) التركي، فإن أبرز هذه العوامل هي عودة العديد من السوريين إلى بلادهم، إذ تنظم تركيا عمليات "عودة طوعية" إلى المناطق التي تصفها بأنها آمنة في شمالي سوريا. كما أن الهجرة إلى أوروبا تعد سبباً آخر لهذا الانخفاض.

وأفاد وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا في عدة مناسبات أن بعض السوريين الذين لم يحدثوا عناوينهم قد يكونون من ضمن المهاجرين الذين غادروا تركيا بطرق غير شرعية، مضيفاً أن هذا العدد قد يصبح أكثر وضوحاً بعد انتهاء مرحلة تحديث العناوين.

وفي 9 آب 2024، أعلن الوزير يرلي كايا أن نحو 731 ألف سوري لم يحدثوا عناوينهم. وللتعامل مع هذه المشكلة، منحت وزارة الداخلية مهلة 90 يوماً لتحديث البيانات، ثم مددت المهلة لشهرين إضافيين تنتهي في 1 كانون الأول 2024. 

وفي آخر إحصاءاته، أشار يرلي كايا في 26 أيلول 2024 إلى أن 242 ألفاً و853 سورياً حدثوا بالفعل عناوينهم، في حين حجز 196 ألفاً و812 سورياً موعداً لتحديث بياناتهم. إلا أن 291 ألفاً و481 شخصاً لم يحدثوا بعد بياناتهم، وهو ما قد يؤدي إلى شطبهم من السجل إذا لم يتم التحديث قبل انتهاء المهلة المحددة.

تحولات سياسة الهجرة

ويشير العديد من الخبراء إلى أن الانخفاض في عدد السوريين يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتغير سياسة الهجرة في تركيا خلال السنوات الأخيرة. ويوضح البروفيسور الدكتور محمود كايا، أستاذ علم الاجتماع في جامعة حران ومؤلف كتاب "السوريون في تركيا"، أن السياسات الحكومية تجاه اللاجئين قد تأثرت بالتطورات السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية مثل الزلزال الذي ضرب تركيا.

ويضيف كايا أن التوتر السياسي الذي نشأ حول قضية اللاجئين، خصوصاً خلال الانتخابات المحلية والعامة، أدى إلى تصاعد النقاشات حول عودة اللاجئين، مما أثر بشكل كبير على خطابات الحكومة بشأن العودة الطوعية للسوريين إلى بلادهم. وأسهمت هذه السياسات في تشجيع تدفقات الهجرة إلى "المناطق الآمنة" في شمالي سوريا.

ويعكس هذا التغير تحولاً في موقف تركيا من سياسة "الباب المفتوح" التي كانت تعتمدها سابقاً تجاه اللاجئين السوريين. ويؤكد الباحث في شؤون الهجرة هاكان أوناي أن هذا التحول مرتبط بتغير سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه الهجرة أيضاً. فقد تحولت المنح الأوروبية التي كانت تُخصص لاندماج اللاجئين في تركيا إلى تمويل مخصص لإعادتهم إلى سوريا، مما أسهم في انخفاض عدد السوريين في البلاد.

ويضيف أوناي: "يمكننا القول بسهولة أن تركيا تحولت من سياسة 'الباب المفتوح' و'الأنصار والمهاجرين' إلى سياسة معاكسة تماماً. ولا يمكننا فصل هذا التحول عن تغير سياسة الاتحاد الأوروبي. فقد تحولت المنح التي قدمها الاتحاد الأوروبي سابقاً لاندماج المهاجرين في تركيا إلى تمويل لعودة المهاجرين".

تأثيرات العودة الطوعية والمشاكل الاجتماعية

من جانب آخر، ترى الدكتورة ديدم دانيش، الأستاذة في جامعة غلطة سراي وعضو في جمعية أبحاث الهجرة، أن الحكومة التركية تتبع سياسة تهدف إلى تقليص عدد السوريين إلى مستوى يمكن تحمله اجتماعياً واقتصادياً. وأوضحت أن التوترات السياسية الداخلية، مثل تصاعد الخطاب العنصري والتمييز في بعض المناطق، كانت أيضاً عاملاً مؤثراً في دفع السوريين إلى التفكير في العودة إلى سوريا.

وشهدت بعض المناطق التي تضم أعداداً كبيرة من السوريين، مثل ولاية قيصري، حالات من العنف ضد اللاجئين، مما زاد من شعور الخوف والقلق لدى السوريين، ودفع بعضهم إلى اتخاذ قرار العودة إلى وطنهم أو الانتقال إلى أماكن أخرى أكثر أماناً.

وأضافت دانيش: "إن بعض التطورات الاقتصادية والسياسية كانت لها تأثيرات مباشرة على عودة السوريين. التوترات السياسية والخطابات العنصرية، وكذلك الحملات الانتخابية مثل تلك التي قادها كمال كليتشدار أوغلو العام الفائت، كانت عوامل مؤثرة في دفع السوريين للتفكير في العودة".

وأشارت دانيش إلى أن بعض السياسات الحكومية الجديدة تهدف إلى منع تركز السوريين في مناطق محددة، مثل تطبيق سياسة "التخفيف"، التي تعمل على توزيع اللاجئين بين المدن لمنع تجمعهم في مناطق معينة. وأضافت أن إدارة الهجرة وسعت من استخدام أدوات التفتيش المتنقلة لضمان التزام السوريين بقوانين الإقامة وتحديث عناوينهم.

ادعاءات "العودة القسرية"

وانتقدت العديد من منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية عمليات العودة الطوعية، مشيرة إلى أن بعض هذه العمليات قد لا تكون طوعية بالكامل. وذكر هاكان أوناي أن بعض السوريين يُجبرون على توقيع وثائق تفيد برغبتهم في العودة الطوعية، إلا أن الواقع يظهر أن بعضهم يُعاد تحت ضغط من السلطات، وأحياناً تحت رقابة مشددة من الشرطة وحرس الحدود.

وأوضحت المحامية روميسا كليتش أوغورلو، عضو لجنة حقوق اللاجئين في جمعية حقوق الإنسان والتضامن مع المظلومين (Mazlumder)، أن هناك العديد من التقارير التي تشير إلى أن بعض السوريين وقعوا على وثائق العودة الطوعية تحت ظروف غير مريحة أو ضُللوا للتوقيع على وثائق أخرى من دون معرفة محتواها الحقيقي. وأكدت أوغورلو أن هذه الانتهاكات تشكل خرقاً للاتفاقيات الدولية والقوانين التركية المتعلقة بحماية اللاجئين.

وقالت أوغورلو: "بما أن السوريين يُعتبرون من الأشخاص الذين لا يمكن ترحيلهم، يتم إجبارهم على توقيع هذا النموذج، وبالتالي يتم تنفيذ عملية ترحيل غير مباشرة إلى بلد المنشأ، في انتهاك للاتفاقيات الدولية والقوانين المعمول بها".

وأضافت: "يمكننا القول إن هناك شكوكاً كبيرة تحيط بنماذج العودة الطوعية. لأن سوريا لا تزال منطقة خطرة، وبالنسبة لأولئك الذين أسسوا حياة في تركيا، العودة ليست قراراً حكيماً".

وأشارت إلى أن بعض السوريين الذين لا يزالون يعيشون في تركيا قد أُجبروا على التوقيع على وثائق العودة نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة، مثل ارتفاع أسعار الإيجارات والمشاكل المتعلقة بالإقامة في المدن الكبرى.

رد حكومي على الادعاءات

وردت الحكومة التركية على هذه الادعاءات بنفيها، إذ أوضح مسؤول حكومي تحدث مع (BBC) التركية أن جميع عمليات العودة الطوعية تتم بشكل قانوني وبالتنسيق مع الجهات المحلية والدولية. وأضاف المسؤول أن الحكومة تلتزم بمبدأ "العودة الطوعية والآمنة والكريمة" الذي يدعمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مشيراً إلى أن الحكومة لا تخطو بأي خطوات تتعارض مع هذا المبدأ.

وأكد المسؤول أن عمليات العودة تتم في إطار جهود أوسع لتحسين الأوضاع في المناطق الآمنة شمالي سوريا، مشيراً إلى أن الحكومة تعمل على إعادة بناء الحياة الاجتماعية والاقتصادية في تلك المناطق لتشجيع السوريين على العودة.

كما أشار المسؤول إلى تصريحات الرئيس أردوغان التي تؤكد على ضرورة أن تكون عمليات العودة طوعية وآمنة، مضيفاً أن الحكومة تعمل بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية لضمان أن تتم العودة بشكل يتوافق مع القوانين والأنظمة.

الهجرة إلى أوروبا

وإلى جانب العودة الطوعية، تشير التقارير إلى أن جزءاً من السوريين الذين كانوا تحت الحماية المؤقتة غادروا تركيا بطرق غير قانونية إلى أوروبا. ووفقاً لمحمد أتكه، المدير العام لاتحاد المنظمات غير الحكومية الدولية (ULFED)، فإن الهجرة غير النظامية إلى أوروبا كانت أحد العوامل الرئيسة في انخفاض عدد السوريين المسجلين في تركيا.

وقال أتكه: "شاهدنا عودة كبيرة إلى المنطقة خاصة بعد الزلزال." وأوضح أن بعض السوريين يعودون طوعاً في حين يتم ترحيل آخرين بسبب مخالفتهم للقوانين أو ارتكابهم جرائم، مما يؤدي إلى إلغاء الحماية المؤقتة الخاصة بهم.

ورغم الإجراءات الأمنية المشددة على الحدود التركية - اليونانية، لا تزال هناك حالات عبور غير قانوني إلى أوروبا. وتشير بعض التقديرات إلى أن أعداداً من السوريين الذين لم يحدثوا عناوينهم قد يكونون من بين هؤلاء الذين هاجروا بطرق غير شرعية. ومع انتهاء مرحلة تحديث العناوين في كانون الأول، من المتوقع أن تظهر بيانات أكثر دقة حول أعداد السوريين الذين غادروا تركيا.

توقعات مستقبلية

وتتوقع الحكومة التركية أن يستمر انخفاض عدد السوريين المقيمين تحت وضع الحماية المؤقتة في المرحلة القادمة، خاصة مع انتهاء مهلة تحديث العناوين. ويشير الخبراء في مجال الهجرة إلى أن التركيز في سياسة الهجرة التركية خلال السنوات المقبلة سيكون على إعادة اللاجئين إلى بلادهم، مع استمرار تقديم الدعم للمناطق الآمنة في شمالي سوريا لتشجيع المزيد من السوريين على العودة.

وفي الوقت نفسه، يلفت هاكان أوناي الانتباه إلى أن من غير الواقعي توقع رحيل جميع السوريين، إذ أسس كثير منهم حياة في تركيا وأصبحوا جزءاً من المجتمع التركي، مما يجعل من الصعب عليهم اتخاذ قرار العودة إلى سوريا.

وأضاف أوناي: "من غير الواقعي توقع رحيل جميع السوريين لأن الغالبية العظمى منهم قد أسست حياة هنا بالفعل."