يواجه السوريون العائدون من لبنان إلى المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في شمالي سوريا تحديات عديدة وصعوبات كبيرة خلال رحلتهم المرهقة، التي تمتد من ثلاثة إلى خمسة أيام.
وتبدأ هذه الرحلة من كراجات بيروت، حيث تختار العائلات المعابر التي تفضلها، ثم تصعد إلى السيارات أو الحافلات المتوجهة نحو الحدود اللبنانية-السورية.
أثناء فرارهم من الحرب، يضطر العائدون لعبور مناطق تسيطر عليها قوات النظام السوري و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، مما يجبرهم على دفع مبالغ مالية مرتفعة عند الحواجز، وقد يلجأ بعضهم إلى الاستعانة بالمهربين لتسهيل مرورهم.
كلفة الرحلة
تتفاوت كلفة الرحلة بشكل كبير، حيث قد تصل أحياناً إلى 500 دولار للشخص الواحد فوق سن 11 عاماً.
يختار السوريون المعبر المناسب، وغالباً ما تمر طرقهم عبر حمص وحلب وصولاً إلى إدلب، وتشمل الكلفة الأساسية الرسوم المفروضة على السيارات والعابرين عند الحواجز المختلفة التابعة للنظام السوري و"قسد"، إضافةً إلى ما يطلبه المهربون، حتى الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في الشمال السوري.
معاناة العابرين
مع اقتراب العائدين من معبر "عون الدادات"، الذي يفصل بين مناطق سيطرة "قسد" ومناطق المعارضة، تزداد معاناتهم، إذ تشتهر هذه المنطقة بساحة "زكوري"، نسبة إلى الشخص المسيطر عليها، والذي يستغل العابرين بشكل كبير من خلال فرض مبالغ غير قانونية.
هنا، يُجبر العائدون على الانتظار في ظروف قاسية، وأحياناً في العراء لعدة أيام، دون أي خدمات أساسية.
شهادات العائدين
يشارك العائدون قصصهم عن المعاملة السيئة والابتزاز المالي الذي يتعرضون له على طول الطريق، حيث يُهانون ويتعرضون لسوء المعاملة من قبل الحواجز على طول الطريق.
ولا يتردد المسيطرون على الحواجز في استخدام العنف والإهانة لإجبار الناس على الدفع، مما يجعل النساء وكبار السن عرضة لمعاملة أسوأ، وأحياناً يُجبرون على دفع مبالغ إضافية عند الحواجز.
وقال شادي فاضل أبو إسحاق، أحد العائدين عبر الطرق غير الشرعية إلى إدلب: "عدنا من بيروت، كانت الحافلات تأخذنا من كراج البورة إلى معبر العون، قضينا نحو يومين إلى ستة أيام في الانتظار، كانت الأوضاع قاسية، من لبنان إلى حمص وحلب وصولاً إلى إدلب، كان هناك استغلال علني للعائلات".
وأضاف: "تأخذ الشرطة العسكرية في الغزاوية 250 دولاراً عن كل حافلة، بينما يأخذ كراج اعزاز 5 دولارات عن كل راكب، أما حاجز الغندورة فيأخذ 1000 ليرة تركية، في حين أن حواجز النظام تتقاضى مبالغ تتراوح بين 100 إلى 200 ألف ليرة سورية، رحلتي مع عائلتي كلفتني أكثر من 800 دولار".
وتابع فاضل في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "عودتي كانت عبارة عن كابوس، عبرت من بيروت إلى حلب، وواجهتنا كل أنواع المعاناة، وأنفقت كل ما أملك من نقود حتى وصلت إلى إدلب، كنت خائفاً من العبور عبر مناطق النظام السوري لأني مطلوب للاحتياط، ودفعنا مبلغ 50 دولاراً للحواجز حتى عبرنا".
من جهتها، روت أم فراس قصتها قائلة: "لا أستطيع وصف المعاناة التي عشناها في طريق العودة، هربنا من بين الأشلاء والقصف والموت، لنعامل بطريقة سيئة للغاية واستغلال، وكأنها تجارة بشرية، هذه ليست بلادنا، حياتنا أصبحت مرهونة بالمادة، كنا نرى كيف أن واقعنا أصبح يحدد بالقوة وبمن يدفع أكثر".
الأوضاع الإنسانية
تزداد الأزمة الإنسانية حدة، حيث تعاني العائلات العائدة من نقص حاد في الخدمات الطبية والغذائية، خاصة مع وجود حالات مرضية وحالات ولادة طارئة، وعلى الرغم من جهود الدفاع المدني السوري لتقديم بعض المساعدات الإنسانية للعائدين، إلا أن حجم المعاناة يتجاوز بكثير قدرات هذه الفرق.
الاستغلال على المعابر
تتجلى المشكلة الكبرى في الاستغلال المتبادل بين الأطراف المسيطرة على المعابر، بما في ذلك قوات "قسد" وفصائل المعارضة.
ويُعد زكوري المسيطر على عمليات العبور، بالتنسيق مع هذه الجهات، نقطة الضعف التي تُستغل لصالحهم، حيث تحولت هذه المعابر إلى مراكز استغلال مادي للعابرين الذين لا يمتلكون أوراقاً رسمية، حيث يُجبرون على دفع مبالغ كبيرة مقابل السماح لهم بالمرور.
وتتحول رحلة العبور بين المناطق السورية إلى تجربة مرعبة للعائلات الهاربة من الحروب، التي تجد نفسها ضحية للاستغلال والممارسات غير القانونية، فطريق العودة من لبنان إلى الشمال السوري ليس مجرد انتقال جغرافي، بل هو تجربة معبأة بالتحديات والصعوبات.
هذه العودة، التي تمتد عبر طرق مليئة بالعوائق المالية والإجراءات التعسفية، تكشف حجم المعاناة التي يواجهها المدنيون من حواجز النظام السوري إلى المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد" والفصائل في معبر عون الدادات شمال شرقي حلب.
ومع تفاقم الابتزاز المالي وسوء المعاملة، تتحول هذه العودة إلى معاناة إضافية للأسر التي تسعى للعودة إلى ديارها بعد سنوات من التهجير، وفي ظل هذا الواقع، يبقى تحقيق الأمان والاستقرار في "المناطق المحررة" أملاً بعيد المنال للكثيرين، بينما تظل الحاجة ملحة لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات والعمل على إيجاد حلول تحفظ كرامة وأمان العائدين.
"ستدفع عند كل معبر أو حاجز"
يعاني السوريون العائدون من لبنان إلى إدلب من تحديات مالية ومعاناة أثناء رحلتهم التي تنطلق من بيروت إلى شمالي سوريا، حيث تكون الكلفة باهظة، لتتجاوز في بعض الحالات 500 دولار للراكب الواحد.
تنطلق الرحلة من كراجات صغيرة في بيروت تُعرف بـ "البورة"، حيث يتم الاتفاق مع الشركات التي تؤمّن رحلات بين بيروت ومعبر "عون الدادات" شمالي حلب.
يعتمد مسار الرحلة على المعبر الذي تختاره العائلات، فإما أن تمر عبر معبر "المصنع" الحدودي بين دمشق وبيروت، حيث تستكمل الرحلة من دمشق إلى حمص فحماة وحلب، ومن ثم إلى ريفها الشرقي، وصولاً إلى منبج وعبرها إلى "عون الدادات".
ويتمثل المسار البديل في العبور من معبر "الدبوسية" شمالي طرابلس، مروراً بتلكلخ وحمص، ثم حماة وصولاً إلى حلب، ومن هناك تُكمل الرحلة عبر ذات الطريق المؤدي إلى "عون الدادات".
وتختلف كلفة السفر بشكل طفيف بناءً على المسار المختار، إلا أن العملية غالباً تكلّف نحو 325 دولاراً للراكب الواحد وفق شهادات عديدة.
وأكدت شهادات أن كلفة السفر قد تتجاوز 500 دولار، حيث تكون معظم هذه المبالغ مدفوعة على الحواجز التابعة لقوات النظام السوري، يليها حواجز "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وأخيراً تُدفع للمهربين في منطقة "ساحة زكوري".
ومن منطقة "الزكوري"، يحتاج المسافر إلى مبلغ 150 دولاراً إضافياً للانتقال إلى جرابلس عبر طرق غير رسمية.
بعد الوصول إلى جرابلس، تبدأ معاناة أخرى، حيث تُفرض رسوم جديدة إذا كانت الوجهة غرباً نحو اعزاز، حيث يتطلب دفع مبلغ 1000 ليرة تركية (30 دولاراً تقريبا) عن كل راكب عند الحواجز التابعة للشرطة العسكرية في بلدة الغندورة، ومبلغ مشابه عند حاجز بلدة صوران، بالإضافة إلى 5 دولارات عند دخول كراج مدينة اعزاز.
عند الوصول إلى "حاجز الغزاوية"، وهو آخر حاجز توجد فيه قوات الجيش الوطني قبل دخول مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، يتوجب على الحافلة دفع 250 دولاراً عن جميع الركاب لعبور هذا الحاجز.
وتعتبر هذه المبالغ جزءاً أساسياً من المعاناة التي تواجه العائلات العائدة، إذ تُضاف إلى المصاعب الأخرى التي يعانيها العائدون خلال رحلتهم الطويلة من لبنان إلى شمالي سوريا.
يشار إلى أن موقع تلفزيون سوريا نشر قبل أيام، تقريراً موسعاً عن تفاصيل ابتزاز الراغبين بالعبور عن طريق معبر عون الدادات، إذ يتحكم شخص يدعى "زكوري" بـ "ساحة العون" الواقعة بين معبري "قسد" والشرطة العسكرية في وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، ويبدو أن شخصية "زكوري" تمثل امتداداً لمنظومة من المتنفذين الذين يستفيدون من بقاء الوضع على حاله ضمن معبر "عون الدادات" على طرفي السيطرة، سواء لقسد أو الجيش الوطني، حيث يدر عليهم أموالاً طائلة، كما يكشف استمرار عمل "زكوري" وابتزازه للمسافرين عن حالة من الفساد المتجذر داخل صفوف الأطراف المتورطة، التي تقدم غطاءً له، مما يؤكد أن المصالح المشتركة تتفوق على أي التزام حقيقي براحة السكان وتسهيل تحركاتهم.