icon
التغطية الحية

رفضت "التجنيد ومناهج التعليم".. لماذا تشكّل منبج عقبة في وجه "قسد"؟

2024.10.21 | 05:50 دمشق

آخر تحديث: 21.10.2024 | 05:50 دمشق

منبج
الطريق إلى مدينة منبج شرقي حلب
+A
حجم الخط
-A

جدّد الأهالي في مدينة منبج شرقي حلب، احتجاجاتهم ضد المناهج التعليمية التي فرضتها "الإدارة الذاتية" العاملة في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وهذا الاحتجاج ليس جديداً عن المدينة التي تواصل رفض سياسات "قسد" الاجتماعية والعسكرية والاقتصادية.

وسبق أن شهدت منبج، شهر حزيران 2021، اضطرابات واسعة احتجاجاً على فرض سياسية التجنيد الإجباري، ما أدّى إلى مقتل 8 أشخاص وإصابة العشرات، إلى جانب اعتقال المئات من أبناء المدينة، كما تطوّرت الأمور حينذاك، إلى مطالبات واضحة وصريحة بخروج "قسد" وتسليم قيادة المدينة إلى أهلها.

وكخطوة منها لاستيعاب الأمور وخوفها من توسّع بقعة الاحتجاجات في مناطق سيطرتها، أعلنت "الإدارة الذاتية" حينذاك، إلغاء قانون التجنيد، إضافة إلى تشكيل لجنة للتحقيق بالحيثيات التي جرى فيها إطلاق النار على المحتجين، ومحاسبة كل من كان متورطاً بذلك.

بعد ذلك، شهدت منبج، خلال عامي 2022 و2023، عدداً من التظاهرات والإضرابات لأسباب متعددة أبرزها: الاحتجاج على سياسة التمييز التي تتبعها "قسد" ضد الأغلبية العربية بالوظائف العليا، إضافة إلى تردّي الأوضاع المعيشية والخدمية والتعليمية، إلى جانب إطلاق "قسد" بين الحين والآخر، حملات أمنية تهدف إلى تجنيد الشباب في المدينة.

سنحاول استعراض الأسباب والعوامل التي تدفع مدينة منبج إلى رفض سياسات "قسد" والتمرد عليها، لكن قبل ذلك، لماذا تجدّدت المظاهرات؟

تزامنا مع انطلاق العام الدراسي الجديد، شهدت مدينة منبج وريفها احتجاجات ترافقت مع إضراب عام ما يزال مستمراً، حتى اليوم، بسبب فرض "الإدارة الذاتية" مناهج تعليمية جديدة، تشمل مواد تعليمية اعتبرها سكان منبج ومناطق أخرى في شمال شرقي سوريا مسيئة ل ثقافتهم.

وشملت الاحتجاجات إضراباً شبه كلي للطلاب والمعلمين، وقدّم العديد من المعلمين استقالاتهم، كما شهدت المدينة مظاهرات واسعة وحرقاً وتمزيقاً للكتب الجديدة.

ويعود رفض الأهالي للمنهاج الجديد بسبب احتوائه على مواد اعتبروها مسيئة للدين والأخلاق وثقافة المنطقة، وتركيزها على تمجيد "حزب العمال الكردستاني" وزعيمه (عبد الله أوجلان)، وتقديس الديانة البوذية، إذ يعتبر السكان أن فرض هذه المناهج يشكّل تدخلاً مباشراً في العملية التعليمية ومحاولة فرض أجندات معينة على الطلاب، ولا تراعي ثقافة المنطقة، كما أن مادتها العلمية غير معترف بها محلياً أو دولياً.

ولم يقتصر الأمر على منبج، حيث شهدت بعض مناطق محافظة الرقة التي تسيطر عليها "قسد"، إضراباً عن العمل في المدارس من قبل بعض المعلمات رفضاً للمناهج التي تفرضها "الإدارة الذاتية"، وذلك بحسب مواقع محلية.

احتجاجات منبج لاقت دعماً من العديد من مؤسسات المعارضة السوريّة، إذ أصدر المجلس الإسلامي السوري، يوم الثلاثاء الفائت، بيانا أشاد فيه بالحراك الشعبي ضد المناهج المفروضة من "قسد"، مؤكداً أنّ الأخيرة تسعى إلى فرض مناهج تتعارض مع الدين الإسلامي وتستهدف الهوية الثقافية والاجتماعية للمجتمع المحلي.

وكانت الحكومة السورية المؤقتة قد أصدرت بياناً أيضاً، يوم السبت (12 تشرين الأول)، طالبت فيه الأمم المتحدة بالضغط على "قسد" لوقف فرض مناهجها "المنافية للقيم والثقافة".

لماذا منبج؟

رغم أن المناطق التي تسيطر عليها "قسد" في شمال شرقي سوريا تشهد في بعض الأحيان اضطرابات واحتجاجات على سياسات "قسد"، إلا أن الملاحظ أن منبج أخذت موقفا متقدماً في هذا السياق منذ سيطرة "قسد" على المدينة، مطلع العام 2016، وإخراج تنظيم الدولة (داعش) منها بدعم من التحالف الدولي.

وعن الأسباب التي ساعدت منبج في الوقوف بوجه قرارات "الإدارة الذاتية"، سواء أكانت المتعلقة بالتجنيد الإجباري أم بالتعليم أو بأي شأن من شؤون إدارة المدينة، يوضّح المحلل السياسي حسن النيفي -أحد أبناء المدينة- أنّ "منبج كانت من المدن السبّاقة للانخراط في الثورة السورية منذ انطلاقتها، ورغم تعاقب سلطات الأمر الواقع التي حكمت المدينة منذ تحرّرها من سلطات النظام، في تموز عام 2012، إلّا أن الرأي العام الغالب فيها حتى الآن، تماهيها مع مشروع الثورة الرافض للأسد ولجميع المشاريع التي نمت بدعم خارجي على هامش الثورة".

ويوضّح "النيفي" في حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّه من الطبيعي أن ينظر أبناء منبج -في هذه الحال- إلى مشروع "قسد" نظرةً فيها الكثير من الريبة والشك، أو على الأقل لا يجدون أن مشروعها يمثلهم سياسياً.

أمّا السبب الأهم ـوفق رأي النيفي- يتمثل بكون مدينة منبج ذات أغلبية عربية ساحقة، ولا يمكن أن يركنوا إلى قناعة تامة بمشروعية انفراد "حزب كردي" بالسلطة من دون أن يكون لهم مشاركة فعّالة وحقيقية في صناعة القرار وإدارة المدينة.

تداخل المشهد الجغرافي والعسكري

تنبع أهمية منبج التي تقع غربي نهر الفرات، من كونها تتوسط الشمال السوري، وإلى الشمال الشرقي من مدينة حلب (نحو 90 كيلومتراً)، وتبعد عن الحدود السورية التركية نحو 35 كيلومتراً، هذا الموقع أعطاها أهمية عسكرية و"جيواستراتيجية" جعلت منها محط تنافس لكل القوى التي تسيطر على الجغرافيا السورية.

ورغم أن منبج تقع ضمن نفوذ "قسد" وتدار من قبل "الإدارة الذاتية"، إلا أن المشهد العسكري فيه قوى متعددة، فإضافة إلى قوات "مجلس منبج العسكري"، الذي يسيطر على المدينة، يوجد قواعد للقوات الروسية وقوات النظام السوري التي انتشرت في ريفها، عقب الانسحاب الأميركي، أواخر العام 2019، إذ تشكل قاعدة "السعيدية" غربي المدينة، إضافة إلى مطار "الجراح" (كشيش) العسكري، أبرز النقاط التي تتمركز فيها القوات الروسية في محيط مدينة منبج.

وعن هوامش القوة المتاحة للمدينة، يوضح الباحث في مركز "جسور" للدراسات بسام سليمان، أنّ "المجلس العسكري في منبج هو من أبناء المدينة، وأغلبهم كانوا من فصائل سابقة مثل (لواء الحرمين)، وغيرها وهؤلاء أصبحوا المجلس العسكري، وهذا يعطي قوة نوعاً ما لأبناء منبج".

ويضيف "سليمان" في حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ خلو مدينة منبج من قوات التحالف الدولي، وموقعها غربي نهر الفرات جعلها تتمتع بحصانة جغرافية نسبية في حال دخلت بمواجهة مع "قسد"، إضافة إلى وجود الاتفاق الأميركي-التركي، عام 2018، والقاضي بانسحاب "حزب العمال" و"وحدات حماية الشعب" من منبج.

ويكمل "سليمان" قائلاً: إنّ قلة الوجود الأمني لـ"قسد" في منبج، إلى جانب قربها من مناطق سيطرة المعارضة، وتهديد تركيا المستمر بانتزاعها من سيطرة "قسد"، يعطي أبناءها هامشاً مناسباً للانتفاض ضد سياسات "الإدارة الذاتية".

وفشلت كل محاولات النظام السوري وتركيا في انتزاع المنطقة من سيطرة قوات "قسد"، طيلة السنوات الماضية، وذلك بسبب قرار أميركي ببقاء المنطقة تحت سيطرة "قسد"، بحجة محاربة تنظيم الدولة (داعش)، رغم أنّ القرار الأميركي-التركي ينص على "إخراج قسد من منبج وتسليمها إلى فصائل سوريّة مقرّبة من الجيش التركي"، على أن يتولى إدارتها مجلس محلي من أبناء المدينة، إلا أن الاتفاق لم يطبّق.

ما علاقة النظام السوري؟

لطالما اتهمت "قسد" عبر أذرعها الإعلامية، التحركات الشعبية ضدها في مدينة منبج بأنها مدعومة وموجهة من قبل أطراف معينة، وهي تقصد بذلك النظام السوري وفصائل المعارضة، إذ تروّج أن هدف هذه الأطراف هو ضرب الاستقرار وتأجيج الوضع الأمني في المدينة.

وحول حقيقة وجود تواصل بين أبناء المدينة والنظام السوري يوضّح الباحث بسام سليمان هذا الأمر بالقول: إنّ "مدينة منبج وريفها تعيش ضمن مجتمع عشائري متماسك، يمتلك فيه شيخ العشيرة دوراً هاماً ومؤثراً في حياة أبنائها، وهذا ما تجلى في لجوء قسد في بعض الاضطرابات التي شهدتها المدينة إليهم، لتهدئة المحتجين والوقوف على مطالبهم".

ويتابع: "النظام له ارتباط مع عدة شيوخ عشائر مؤثرة مثل (محمد خير ذياب الماشي) وهو عضو في مجلس الشعب، وشيخ عشيرة البوبنا (من أكبر عشائر منبج)، وهو يقيم في حلب ويزور منبج بشكل متكرر".

ومن "الشخصيات العشائرية التي من الممكن أن يؤثّر النظام من خلالها على المجتمع في منبج -وفق سليمان- الشيخ إبراهيم البكوري (شيخ عشيرة البوسلطان)، وهو عضو مجلس الشعب أيضاً، إلى جانب الشيخ عدنان الحمد (من وجهاء عشيرة البكارة)، وهو أيضاً عضو مجلس الشعب".

يذكر أنه مع بداية الاحتجاجات التي شهدتها منبج ضد فرض المناهج التعليمية، أرسل النظام السوري شحنة كتب مدرسية إلى مدراء المدارس بدلاً من الكتب الجديدة، لكن "الإدارة الذاتية" منعت دخول الشحنة عبر معبر التايهة الذي يربط مناطق سيطرة النظام السوري بـ"قسد".

وتعتبر منبج مهمة جداً بالنسبة للنظام السوري، ليس فقط كونها أكبر تجمّع سكاني وجغرافي في ريف حلب، بل بسبب وقوعها على الطريق الدولي (M4) الممتد من العراق إلى ميناء اللاذقية، والسيطرة عليها، سيُمهّد إلى فتح طريق جديد للشحن، يكون أكثر أماناً من الطرق التي تمر عبر محافظتي دير الزور وحمص في البادية السوريّة.