بعد تداول وسائل إعلام تركية معلومات تتحدّث عن سعي الحكومة لإعداد خطة تهدف إلى معالجة وضع اللاجئين السوريين بشكل عام، خاصة بعد تعرضهم لأحداث التي وصفت بـ"العنصرية" في ولاية قيصري وعدد من الولايات.
في الأول من تموز الفائت، كشف وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا عن تغييرات جديدة تخص اللاجئين السوريين ووضعهم القانوني، موضحا أن من بين الإجراءات تغيير بطاقة الحماية المؤقتة (الكمليك)، إلى بطاقة مزوّدة بشريحة إلكترونية، وتحسينات على نظام الإقامة، إلى جانب حزمة من الإجراءات.
وأضاف أن الحكومة ستمنح فرصة أخيرة للسوريين الذين لم يتم الوصول إلى عناوينهم، أو لم يحدّثوها، مشيراً إلى أنه "سيتم تعليق الدعم الاجتماعي والخدمات العامة لأولئك الذين لا يحدثون عناوينهم، أما من لم يسجلوا أي معلومات أو نشاطات تثبت إقامتهم في تركيا خلال السنوات الخمس الماضية، فسيتم شطبهم من السجلات".
تصريحات الوزير التركي عن وجود آلاف السوريين غير مقيمين في أماكن سكنهم أثارت جدلاً واسعاً لدى الشارعين السوري والتركي، ففي الوقت الذي يخشى فيه اللاجئون من إيقاف أو إبطال قيودهم في تركيا، ما قد يؤدي إلى ترحيلهم، عبّرت المعارضة التركية عن قلقها من هذه الأرقام.
أين اختفى آلاف السوريين في تركيا؟
في الخامس من آب الجاري، أعلن وزير الداخلية التركي على هامش حضوره برنامج "تدريب حقوق الإنسان" والذي عُقد في مقر حزب “العدالة والتنمية"، أنّ 729 ألفاً من أصل ثلاثة ملايين و103 آلاف سوري مقيمين في تركيا، ليس لديهم عنوان، مردفاً: "أعطيناهم مهلة 90 يوما، وعند انتهاء المهلة، سيبدأ فترة ثانية مدتها 60 يوماً، سنرسل دعوة ثانية لهم، وبعد ذلك سنعلق تقديم الخدمات العامة لهم".
تصريحات الوزير التركي أثارت كثيرة من التساؤلات حول هذه الأرقام، حيث وصفهم الإعلام التركي بكونهم "مفقودين"، معتبراً أن هذه الأعداد تشكل خطراً أمنيا على البلاد، وسط تقديم مذكرة إلى البرلمان تتساءل فيها عن مصيرهم.
وعن أسباب عدم وجود السوريين في عناوينهم، تأتي الهجرة إلى أوروبا في مقدمة الأسباب التي تدفع السوريين للغادرة من دون إخبار إدارة الهجرة، حيث أفادت وسائل إعلام تركية أنه في الفترة 2015-2016، غادر نحو مليون لاجئ سوري من تركيا إلى أوروبا. هؤلاء لم يبلّغوا عن مغادرتهم قبل السفر، لأنهم يغادرون بطريقة غير قانونية.
وإلى جانب الهجرة إلى أوروبا، فإنّ الأوضاع المعيشية الصعبة في تركيا، إضافة إلى حالات الاحتقان التي ولّدتها "أحداث قيصري"، والتي تزامنت مع حديث عن تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، دفعت أعداداً كبيرة من السوريين للعودة إلى مناطق الشمال السوري، وبعضهم اختار العودة إلى مناطق سيطرة النظام.
وفي هذا السياق أفادت صحيفة "Türkiye Gazetesi"، في وقت سابق، بأنّ 100 ألف سوري عادوا من تركيا خلال شهري حزيران الماضي وتموز الفائت، تزامناً مع خطوات التطبيع المتبادل بين أنقرة ودمشق، وأشارت الصحيفة إلى أن ما بين 300 إلى 500 سوري يعودون إلى مناطق سيطرة النظام يومياً، لكن يُفضّل معظم العائدين الجدد مدينة إدلب والمناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري.
وتركيز السوريين على الاستقرار في مدينة إسطنبول لتوفر فرص العمل فيها، رغم أنّهم يحملون "كمالك" صادرة عن ولايات أخرى، يأتي ضمن الأسباب التي تلعب دوراً مهماً في ازدياد ظاهرة "عدم الوجود في العنوان"، هذه الحالة دفعت وزارة الداخلية التركية إلى شنّ العديد من الحملات الأمنية للتأكد من وثائق السوريين في إسطنبول، كان آخرها في شهر أيلول من العام الفائت.
"الداخلية التركية تصنف السوريين إلى فئات للتعامل معهم"
تسير الحكومة التركية في تعاملها مع اللاجئين السوريين في اتجاهين: الأوّل هو منع الهجرة من سوريا عبر ترتيب الوضع الداخلي في الشمال السوري، ثم الانتقال إلى دعم الحل السياسي، وتوفير البيئة الآمنة من أجل عودة السوريين الراغبين بالعودة إلى سوريا عن طريق الحوافز المالية من خلال التعاون مع الاتحاد الأوروبي مثلاً.
وهذا اتجاه تعمل عليه تركيا منذ سنوات كما يشير الباحث أحمد الحسن، الذي يوضّح أنه مقابل ذلك تعمل إدارة الهجرة على تنظيم وضع السوريين الموجودين -منذ أكثر من عقد- على أراضيها، من خلال تقسيمهم إلى أربع شرائح للتعامل معهم.
أعلى هذه الشرائح -وفق "الحسن"- هم المندمجون الذين يضيفون قيمة للمجتمع التركي، وهؤلاء أبدوا قابلية للاندماج مثل تعلم اللغة التركية، كما أنّ لهم نشاط من حيث استخدام الخدمات كالماء والكهرباء وفتح الحسابات البنكية، هؤلاء هم المرشحون بدرجة كبيرة للوثائق القادمة التي ستصدرها الهجرة التركية.
ويندريج تحت الشريحة الثانية أولئك الذين لا توجد لديهم مشكلات أمنية وملتزمون بتحديث بياناتهم، لكنهم لا يندمجون مع المجتمع التركي، لم يتعلموا اللغة التركية، وليس لديهم حسابات في البنوك، هذه الشريحة يتم التشدّد معهم من ناحية المراقبة، من باب إعادة تأهيلهم ليكونوا من الشريحة الأولى، مَن يرفض هذه التشديدات ويقرّر الخروج من تركيا، فقد يصبح من الشريحة الثالثة.
أمّا الشريحة الثالثة ـيضيف الحسن ـ فهي الشريحة المخالفة، والتي لا تؤدّي أي نشاط من فتح حسابات بنكية أو اعتماد ساعات ماء أو كهرباء، وأغلبهم من الذين جاؤوا إلى تركيا بهدف العبور إلى أوروبا، وهؤلاء تنظر الحكومة إليهم على أنهم أشخاص يرغبون في الخروج من تركيا، لذا تكون الإجراءات شديدة معهم.
والشريحة الرابعة هي التي لم تبد أي تجاوب مع وزارة الهجرة، وهؤلاء بالنسبة إلى وزارة الداخلية خرجوا من البلاد باتجاه أوروبا، ولكن قيودهم ما تزال فعّالة في تركيا، لأنهم لم يسلموا الكمالك ولم يخضعوا لإجراءات تفتيش العناوين أو غيرها، وهؤلاء نسبتهم المتوقعة بالآلاف وسيتم إلغاء بياناتهم في التحديثات الأخيرة، وفق الباحث أحمد الحسن.
هذه الإجراءات الجديدة بما فيها من تنظيم وشطب لقيود آلاف السوريين غير الموجودين في عناوينهم ستؤدي -وفق كثير من الخبراء- إلى انخفاض أعداد السوريين في تركيا بشكل كبير، وفي هذا السياق يتوقّع مدير مركز دراسات الهجرة في جامعة أنقرة، الباحث مراد أردوغان، أن ينخفض عدد اللاجئين السوريين في تركيا "فجأة" إلى 2.4 مليون، مشيراً إلى أن عدد السوريين انخفض في السابق بمقدار 200 ألف شخص في ليلة واحدة، والسبب تحويل قيودهم النشطة إلى غير نشطة، لذا يفترض عليهم تحديث بياناتهم باستمرار.
هل هناك دوافع سياسية؟
يرى بعض المراقبين للشأن التركي أن الهدف من وراء هذه الإجراءات والتصريحات هو توجيه رسائل إقليمية وداخلية من قبل حزب "العدالة والتنمية"، خاصة بعد خسارته لانتخابات البلدية الأخيرة.
إلا أن مدير منبر منظمات المجتمع المدني محمد الأكتع لا يعتقد في حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، بوجود دوافع سياسية وراء ذلك، لأنّ الحكومة تسعى لتنظيم وضع السوريين من أجل بناء خطة استراتيجية طويلة الأمد، وهذا يتطلب معرفة العدد الدقيق للسوريين الحالي، بالإضافة إلى أماكن وجودهم الفعلية.
ويقول الأكتع إنّ تثبيت العنوان مهم للأتراك والسوريين على حد سواء، وهو مرتبط بالتخطيط الاستراتيجي للدولة في عدة مجالات، وهذ الأمر يتطلب أن تعرف الدولة عدد السكان وتوزيعهم بدقة من أجل تخطيط المدارس والمستشفيات والحدائق والخدمات الحكومية.
ويشير إلى أنّ المعارضة التركيّة تستغل هذه النقطة، لأنّها تبحث عن أي فرصة للضغط على الحكومة، معتبرةً أن وجود عدد كبير من السوريين غير مقيد بشكل صحيح هو خطأ الحكومة.
وكان "حزب الشعب الجمهوري"، أكبر أحزاب المعارضة، قد أعلن الخميس (8 آب الجاري) أنه تقدم بسؤال إلى رئاسة البرلمان التركي، موجهاً إلى وزير الداخلية، حول وضع هذا العدد من السوريين غير الموجودين في عناوينهم المسجلة لدى مديرية الهجرة، وهل هم حتى الآن داخل تركيا، وأين يقيمون؟
بعد هذه الإجراءات ما هو المتوقّع؟
أجرت الفعاليات الرسمية والشعبية الممثلة للسوريين العديد من اللقاءات مع مسؤولي إدارة الهجرة ووزارة الداخلية التركية، وازدادت وتيرة هذه الاجتماعات بعد الأحداث التي شهدتها ولاية "قيصري".
من بينها، الاجتماع الذي ضم وفد من الائتلاف الوطني السوري مع إدارة الهجرة التركية، بداية شهر آب الجاري، حيث أكّد منسق مجموعة اللاجئين في الائتلاف أحمد بكورة لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ هناك توقعات إيجابية تجاه تحسين الأوضاع القانونية للسوريين المقيمين في تركيا، قد تحدث فرقاً ملموساً في الحياة اليومية للسوريين، خاصةً فيما يتعلق بقوانين العمل والإقامة، كما يتم العمل من أجل إيقاف الترحيل التعسفي، وجمع الحالات المرحلة ومناقشتها وتسليم قوائم لإدارة الهجرة.
وأضاف أن الحكومة التركية تظهر استعداداً لمراجعة وتحديث القوانين بما يخدم مصلحة السوريين ويدعم اندماجهم بشكل أكثر فاعلية في المجتمع التركي، من ذلك منح بطاقات جديدة ستكون أصغر حجماً ومصمّمة لتحقيق معايير أمنية أعلى لحماية بيانات السوريين وتقليل المخاطر المتعلقة بالتزوير والاستخدام غير القانوني، مما يعود بالنفع على الأمن الشخصي للسوريين وكذلك على الأمن التركي.
وتابع: "نأمل أن تؤدي هذه الجهود إلى تحسينات ملموسة وفعالة تعكس حرصنا وحرص الحكومة التركية على دمج وحماية السوريين بشكل أفضل، ونحن ننتظر تأكيد هذه التحسينات من خلال الإجراءات الرسمية والقرارات الجديدة المتوقع صدورها".
من ناحيته يوضّح مدير منبر منظمات المجتمع المدني محمد الأكتع، أنه من المتوقّع أن يتم إعفاء جميع السوريين أصحاب الحماية المؤقتة من أذونات العمل، مما سيمنحهم الحق في دخول سوق العمل والتسجيل في التأمين الاجتماعي من دون الحاجة للتقديم على إذن عمل.
- اقرأ أيضاً.. ما عدد السوريين الحاصلين على تصريح العمل في تركيا؟
وبخصوص زيادة فرص الحصول على الجنسية، أشار الأكتع إلى أنه من المتوقّع تشديد معايير منح الجنسية التركية، إلا أنه ستكون هناك معايير واضحة لهذا الغرض.