تحتل أخبار أزمتي الطاقة والاقتصاد في أوروبا عناوين الصحف ونشرات الأخبار، خاصةً مع تزايد الاستياء الشعبي من الأزمتين، اللتين لا تتوقف آثارهما على مواطني دول الاتحاد الأوروبي، بل كذلك على اللاجئين السوريين الذين يعيشون بالأساس ظروفاً صعبة تتعلق بصعوبة الاندماج واللغة وفرص العمل.
وفرضت الأزمة الاقتصادية الأخيرة والتضخم، وكذلك أزمة الطاقة، الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، والمستمر منذ 24 شباط الماضي شكل حياة مختلفاً تماماً على اللاجئين السوريين في أوروبا.
ظروف صعبة للاجئين سوريين وسط التضخم
وقال إيهاب (28 عاماً) المقيم في ألمانيا، لموقع تلفزيون سوريا، إن الأزمة "فرضت على الغالبية بمن فيهم اللاجئون السوريون أن يمشوا بسياسة التقشف بعد تأثرهم بالوضع الاقتصادي الراهن، لغوا الكماليات وخففوا الرفاهيات واكتفوا بالضروريات فقط".
وأضاف "ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، لتر زيت الطبخ كان لا يتجاوز سعره الـ85 سنتا ليرتفع سعره إلى 5 يورهات، واللبن كان بـ45 سنتا ليرتفع إلى يورو، والكيلوغرام الواحد من السكر كان لا يتجاوز سعره 60 سنتا ليصبح اليوم بيورو ونصف اليورو وأحيانا بـ2 يورو، وربطة الخبز الواحدة التي كانت بـ75 سنتا ارتفع سعرها إلى الضعف، وباستثناء زيت الزيتون ارتفعت أسعار جميع المواد الغذائية".
ونقلت قناة "DW" الألمانية عن المكتب الاتحادي للإحصاء في ألمانيا أن نسبة التضخم "وصلت إلى أعلى مستوى لها خلال 70 عاماً مع وصوله إلى 10%"، وذلك في تقرير نشرته في نهاية أيلول الماضي.
في حين وصلت نسبة التضخم في المملكة المتحدة (بريطانيا) إلى 7.4% وفي فرنسا 7% وفي السويد إلى 10.8% وهذه البلاد التي تضم أكبر نسبة من السوريين اللاجئين في أوروبا.
وأشار إيهاب إلى أن "الأزمة لم تتوقف على السلع الغذائية بطبيعة الحال مع أزمة الطاقة، بل امتد إلى المحروقات كالديزل والبنزين، والتي أثرت بدورها على أداء المصانع".
الحكومة الألمانية تدعم اللاجئين
من جهتها قالت ميساء (35 عاماً) وتقيم في ألمانيا أيضاً، لموقع تلفزيون سوريا إنه "رغم ارتفاع نسبة التضخم والذي يعدّ أمراً مزعجاً فإن خطط ودعم الحكومة الألمانية يساعد الناس".
وأشارت ميساء إلى أنه ورغم الظروف الحالية فإنه "لا توجد أزمة كما يعتقد من يقيم خارج أوروبا، إذ إن الحكومة تعطي دعماً مادياً لتخفيض المصاريف وتحديداً تلك المتعلقة بالطاقة والغاز وإلى ما هنالك".
وأضافت "يشمل الدعم جميع الناس، من يعمل منهم ومن لا يعمل، المشكلة أن تصحو صباحاً لتجد أن زيت الطبخ ارتفع سعره ثلاثة أضعاف سعره السابق".
اقرأ أيضا: بنظرة متشائمة.. الاقتصاد الأوروبي تراجع في النمو وارتفاع بالتضخم
في حين أشار إيهاب في حديثه إلى موقع تلفزيون سوريا إلى أنه "في حال استمرار الظروف الحالية ومن دون وجود حلول جذرية للحرب الروسية - الأوكرانية والتي أثرت على أوروبا اقتصادياً بشكل كبير، ومن دون حل مشكلة مصادر الطاقة البديلة وضبط أسعار المواد الغذائية فإن أي مخططات مستقبلية ستنسى أو يتم تجميدها".
ما هي الحلول المتاحة؟
وسط هذه الأزمات كلها لا بد من خطوات يتبعها اللاجئون السوريون في أوروبا لحماية مصالحهم أو محاولة تخطي الأزمة الحالية بأقل قدر ممكن من الخسائر، سواء كان اللاجئون حصلوا على الجنسية في البلد الذي يقيمون به أو حصلوا على إقامة دائمة أو ما يزالون بانتظارها.
وحول المشكلات التي يتعرض لها السوريون في أوروبا حالياً، والتي لا تتوقف فقط على التضخم، قال الباحث الاقتصادي يونس كريّم لموقع تلفزيون سوريا إن "الآثار الاقتصادية الحالية على اللاجئين في أوروبا تظهر آثارها في عدة نقاط، الأولى ارتفاع الأسعار وتحديداً الطاقة والمواد الغذائية، مع ثبات المساعدات المقدمة للاجئين الذين يعانون أصلا من اللغة والاندماج مع نمط حياة أوروبي مختلف عن حياتهم السابقة في سوريا، كما أن المجتمعات الأوروبية نفسها تعاني من مشكلات اقتصادية وبدأت بعض الشرائح بالنظر إلى اللاجئين باعتبار أنهم وصلوا إلى بلادهم للاستحواذ على مساعدات الدولة التي ترفع الضرائب عليهم وهذه النقطة الثانية".
وأضاف كريّم "النقطة الثالثة تتمثل في فرص العمل التي أصبحت أكثر صعوبة، خاصة أن شرائح مجتمعية أوروبية معينة بدأت بالفعل بالعمل في مهن لم تكن تفكر بالعمل بها في الفترة السابقة، ما ولّد منافسة بين المواطنين واللاجئين، ما أدى بدوره إلى مشكلات كبيرة".
ويمكن اتباع العديد من الخطوات الفردية والجماعية في الفترة الحالية لتفادي الأزمة، بحسب ما قاله الباحث الاقتصادي يونس كريّم لموقع تلفزيون سوريا.
وأوضح كريّم أنه "على المستوى الفردي فلا بد من إعادة النظر بمستوى الحياة وماذا يريدون؟ وهذا من الأسئلة الصعبة، فالتقصير على الذات أمر سيء بطبيعة الحال".
وتابع "كذلك محاولة تعاون بعضهم مع بعض في الخدمات المختلفة ما يؤدي إلى دورة اقتصادية صغيرة فيما بينهم تساهم في تحسين الظروف الحالية".
وأضاف "أما على مستوى الأسر فيجب عدم الإنفاق بما يزيد على إمكانيات الأسرة المادية والتكيف مع الوضع الحالي والاقتصاد في الإنفاق في الأمور الترفيهية، ومعرفة فنّ الإنفاق وشراء السلع الاستهلاكية التي تستهلك فواتير كبيرة".
وأشار كريّم أنه يمكن "للأسر السورية الاستفادة من الخبرات السابقة عبر التكيف مع ظروف الحياة الجديدة، لأن المجتمع الأوروبي يفضل الجماعات المتماسكة وترغب بمجموعات عاملة ونشطة وبالتالي السعي لاستثمار أموالهم وتشغيل السوريين أيضاً كما نرى لدى الجاليات الأخرى كالجالية التركية مثلاً أو الشيشانية أو دول أفريقية".
أما على صعيد الخطوات الجماعية التي يمكن للسوريين المقيمين في أوروبا اتباعها وتحديداً في الوقت الحالي، فتأتي عبر "تشكيل لوبيات تدافع عن السوريين وتحفظ حقوقهم وتأسيس جمعيات تتحدث باسمهم".
وتابع "على السوريين المعارضين منهم تحديداً وضع خلافاتهم جانباً والعمل على هذا الأمر والعمل على تشكيل مظلة والضغط على البلديات والبرلمان وغيرها من المؤسسات الحكومية، وهو أمر ليس صعباً لكنه يحتاج إلى أشخاص مناسبين في أماكن مناسبة"، بحسب رأيه.