جدلٌ، ترقبٌ، انقسام، ثلاث صفات جسدت حالة مجتمع اللاجئين السوريين في ألمانيا مع الإعلان عن دراسة المحكمة العليا الألمانية إمكانية إلغاء العقوبات التي يفرضها قانون مؤسسة العمل "جوب سنتر" على كل مستفيدٍ من مساعدات الدولة المالية في حال خرقه قانون المؤسسة، تلك الخطوة التي فتحت باباً واسعاً لمناقشة سياسات الاندماج التي تتبعها مؤسسة العمل مع اللاجئين بين منتقدٍ مطالبٍ بالتعديل، ومؤيدٍ اعتبرها خطوات مدروسة.
الشاب مراد أحمد 30 عاماً كان واحداً من الشباب الذين وجهوا الانتقاد لسياسات الاندماج، معتبراً أن بعض الاجراءات التي يتبعها "الجوب سنتر" لا تعدو كونها مضيعةً وهدراً للوقت في بلاد يعتبر الزمن فيها أهم قواعد النجاح، مضيفاً: "في بعض الأحيان أشعر أن سياسة الاندماج قائمةٌ بشكل مباشر على مسألة ضرورة إشغال اللاجئ لمدة 8 ساعاتٍ يومياً بغض النظر عن مدى الفائدة التي قد يحققها".
"ماس نامة" المصطلح المجهول.. والآذان الصماء
وجهة نظر أحمد وفقاً لما قاله لموقع "تلفزيون سوريا" شَكَّلَها من خلال عدة تجارب خاضها سابقاً ومن بينها ما يعرف بـ "الماس نامة"، مضيفاً: "ضمن سياسات الاندماج هناك شيء يسمى ماس نامة أي أن يقوم اللاجئ بزيارة إحدى المدارس أو الشركات المتخصصة لمدة تتراوح بين شهر وحتى ستة أشهر ويُفترض أن يتعلم خلالها الكثير من الأمور المتعلقة بالمهن وسوق العمل وقوانينه، بيد أن الواقع يقول إن 90 بالمئة من هذه الدورات هي فقط مضيعة للوقت على اعتبار أن اللاجئ يخرج منها دون أدنى فائدة، فمحتواها شيء وعنوانها شيء آخر تماماً، ما جعلها فعليا شيئاً مجهولاً بالنسبة لنا ولمعظم اللاجئين".
"سل أي لاجئ ممن خاضوا التجربة، ما معنى ماس نامة أو ما هي الأمور التي تتعلمها خلالها، أراهن بأنك لن
لا يراعي "الجوب سنتر" مهنة اللاجئ قبل إرساله لهذه الدورات، فمثلاً لا معنى لأن تكون فني كهرباء ويتم ارسالك إلى مؤسسة أو مدرسة مهنية مختصة بالنجارة أو الكمبيوتر
تحصل على الإجابة"، يستطرد أحمد، لافتاً إلى أنه خاض ثلاث دورات للماس نامة خلال سنة ونصف دون أن يشعر بأي فائدة أو قيمة مضافة لما يقوم به سوى مرور الأيام المتتالية وهو "مكانك راوح" على حد قوله.
لم تتوقف انتقادات أحمد عند هذا الحد، حيث أشار أنه في كثير من الأحيان لا يراعي "الجوب سنتر" مهنة اللاجئ قبل إرساله لهذه الدورات، فمثلاً لا معنى لأن تكون فني كهرباء ويتم إرسالك إلى مؤسسة أو مدرسة مهنية مختصة بالنجارة أو الكمبيوتر على سبيل المثال، ما يشير بشكل مباشر إلى أن خطوة الماس نامة تحديداً تتم دون دراسةٍ مسبقةٍ وإنما هي عبارة عن خطوة روتينية ضمن قانون مؤسسة العمل على حد وصفه.
انطلاقاً من وجهة نظره السابقة حيال بعض خطوات الاندماج وسياسته، اعتبر الأحمد دراسة قرار إلغاء العقوبات خطوة مهمة جداً، على اعتبار أنها تمنح للاجئ حيز حرية أكبر في رفض كل ما يراه متناقضاً مع أسس حياته التي يسعى لبنائها في هذا البلد، مضيفاً: "لا أحد يستطيع رسم حياة الإنسان ومعرفة أولوياته أفضل منه، الموظف في الجوب سنتر لديه سلسلة لوائح وقوانين يعمل بموجبها، أما أنا فرؤيتي تكون أكثر واقعية كونها حياتي ومستقبلي".
تعب وارهاق والبحث عن مخرج
مشكلة اللاجئين مع ما وصفوه بـ"خطوات الاندماج غير المدروسة" لم تتوقف فقط عند حد الوقت الضائع وإنما تعدته إلى الإثار النفسية التي أثرت سلباً على رغبتهم وجديتهم بالسعي وراء تحقيق طموحاته على حد قول البعض منهم، حيث لفت الشاب سعيد 32 عاماً إلى أن البيروقراطية التي تسير فيها سياسة الاندماج دفعت بالكثيرين للتخلي عن طموحاتهم والبحث عن مخرج يخلصهم من الارتباط بمؤسسة العمل، مضيفاً: "نحن بشر ومن الطبيعي أن نصاب بالإحباط والعجز عندما نجد أننا حتى اليوم لم نتمكن من تحقيق شيء؛ بعد سنوات من وصولنا بسبب ضياع وقتنا في أمور ثانوية لا تهمنا أو لا تقدم لنا ما يساعدنا على تحقيق أحلامنا وطموحاتنا، وهو ما يدفع الكثير منا لترك كل شيء والتركيز على إيجاد مخرج يخلصنا من دوامة هذه البيروقراطية والوقت الضائع كإيجاد عمل لا يتناسب مع أحلامنا وإمكانياتنا".
"أُرهقنا.. فلا شيء أصعب من أن تشعر بأن مستقبلك ومصيرك بات مرتبطاً بأيدي الآخرين الذين في بعض الحالات لا يعدوا الأمر لديهم أكثر من أنه عمل وعليهم أن يؤدوه"، يضيف سعيد، مطالباً بتعديلات جديدة تمنح سياسة الاندماج مرونة أكبر؛ يلعب فيها اللاجئ دوراً في تحديد مصيره ومستقبله، لا أن يبقى الأمر كله مرهونا بقرارات مؤسسة العمل وموظفيها.
فهم خاطئ وخطوة وقناعات مسبقة
على الطرف الآخر من المعادلة برزت وجهة نظر مخالفة للآراء السابقة وتحديداً حول مسألة دورات الماس نامة، حيث لفت أحمد الحميد الموظف في إحدى شركات المختصة بمساعدة اللاجئين إلى وجود سوء فهم لدى البعض حول هذه الدورات، مضيفاً: "البعض يعتقد أن الهدف منها تمكين اللاجئ للعمل في السوق الألمانية خلال شهر أو ست أشهر، وهذا غير صحيح، فهي تهدف أولاً لأن تكون أولى خطوات الاندماج العملي من خلال التعامل المباشر مع الناس، والتعرف على قوانين العمل بالمجمل بالإضافة لأخذ فكرة عن بعض نواحي الحياة العملية في ألمانيا كالضرائب وغيرها، مسألة الإعداد التام للعمل تتم في خطوات أخرى كالأوسبيلدونغ أو البراكتيكم "الإعداد المهني"، أما في الماس نامة الأمر مختلف".
وعن أسباب سوء الفهم المذكور، أوضح الحميد أن ضعف بعض اللاجئين في اللغة هو ما يحد من قدرتهم على معرفة واستيعاب المعلومات التي تقدم لهم خلال الدورة لاسيما وأن معظم هذه المعلومات تتم بطريقة المناقشة وبشكل مختلف عن الطرق المتبعة بدورات تعليم اللغة على حد قوله، مضيفاً: "هنا لابد من الإشارة لمسألة مهمة أن معظم من يتم إرساله إلى تلك الدورات هم شريحة اللاجئين التي لم تتمكن من تعلم اللغة بشكل جيد عبر الكورسات، أو ممَن لم يملك أي فكرة عن الطريق الذي سيسلكه في ألمانيا، وبالتالي تأتي هذه الخطوة لتدعيم نظرتهم للبلد والعمل فيها، بالإضافة إلى منحهم فرصة أكبر لتعلم اللغة عبر الاحتكاك".
ولفت الحميد إلى أن مسألة العقوبات هي شيء منطقي جداً على اعتبار أن القانون الألماني يتعامل مع متلقي المساعدات الحكومية كموظف وليس
المشكلة الأساسية هي القناعة المسبقة لدى الطلاب أو اللاجئين حول الكثير من خطوات الاندماج أو البرامج التي يقدمها الجوب سنتر
كعاطل عن العمل، وبالتالي أي تقصير من قبل هذا الموظف يتطلب فرض عقوبة حسم من المرتب كما هو في باقي الشركات والاعمال الأخرى، معتبراً أن تخفيف نسب العقوبة المفروضة قد تكون خطوة أفضل من إلغاءها بشكل كامل.
في السياق ذاته، أكدت روان قره محمد مدربة العمل في إحدى مدارس التدريب المهني الألمانية أن المشكلة الأساسية هي القناعة المسبقة لدى الطلاب أو اللاجئين حول الكثير من خطوات الاندماج أو البرامج التي يقدمها الجوب سنتر، وتضيف "من خلال عملي لاحظت أن الكثيرين يملكون نظرة مسبقة حول الماس نامة حتى قبل أن يخوضها ما يؤثر على جديتهم ورغبتهم بالاستفادة منها".
وتستطرد قره محمد: "أعلم أن الماس نامة في بعض الأحيان قد تكون مملة ولكنها تضم معلومات مهمة جداً من بينها كيفية كتابة السيرة الذاتية وطلبات التوظيف التي تعتبر أهم معايير ومتطلبات الحصول على وظيفة في النظام الألماني المختلف كلياً عن النظام المعمول به في سوريا"، لافتةً في الوقت ذاته إلى أن مسألة إلغاء العقوبات التي قد يفرضها الجوب سنتر على اللاجئ قد تكون خطوة بالاتجاه غير الصحيح على اعتبار أن ليس كل اللاجئين سيمتلكون الجدية الحقيقية في البحث عن عمل وتأسيس حياة جديدة في ألمانيا، وبالتالي فإن هذا القرار في حال صدوره قد يشجع هذه الفئة في تراخيها وربما يزيد من عدد المنضمين إليها.