احتلت مواقع التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا" في السنوات الأخيرة الحيز الأكبر في حياتنا الاجتماعية، لكونها ربطت العالم أجمع وأزالت الحدود بشكل هائل، لدرجة بات العالم مدينة صغيرة تختلط فيها الثقافات والعادات.
كان لهذا النمط الجديد الذي صبغ حياة البشر عموماً تأثيرات منها الإيجابي ومنها السلبي، وخاصة على العلاقات الزوجية التي تعدّ محرك أي مجتمع، فما هذه المؤثرات، وكيف انعكست على المجتمع؟
مواقع التواصل الاجتماعي واستخداماتها
مواقع التواصل الاجتماعي هي مجموعة من البرامج المصممة لتسهيل التواصل بين الناس، ويأتي على رأس القائمة من حيث شيوع الاستخدام تطبيق "الواتساب" يليه باقي التطبيقات الأكثر انتشارا في أوساط السوريين مثل "التيك توك والفيس بوك والانستغرام والتليغرام".
هذه البرامج لعبت دوراً كبيراً في عصر الحروب والتهجير حيث ساعدت الناس على البقاء في تواصل مستمر مع بعضهم بعضا رغم بعد المسافات كما ساهمت في كشف كثير من جرائم الحرب والمشكلات التي تتعرض لها الأسر، وزادت وعي الأفراد -لا سيما النساء- في معرفة حقوقهم الدولية والإنسانية.
لكن إدمان الناس على هذه التطبيقات واستخدامها بشكل مفرط جعل التأثير السلبي لها يزداد يوما بعد يوم خصوصاً على صعيد العلاقات الزوجية.
يتسابق الناس في وقتنا الراهن لنشر تفاصيل حياتهم اليومية على مواقع السوشيال ميديا ومعظم ما ينشر هو متصنع وبعيد عن الواقع إلا أن المتابع لها لا يمكنه الوقوف على حقيقة ما يجري فيسلم جدلاً أنها حقيقية.
ولأن كثيرا من المتابعين يفتقدون في حياتهم مع شركائهم هذه التفاصيل يتولد لدى أحد الشريكين عدم رضى عن شريكه وطريقة حياته ويسعى للبحث عن تعويض لحرمانه، هذا البحث يتم من خلال العالم الافتراضي نفسه، والذي أصبح مليئاً بضعاف النفوس وصيادي الفرص، فيقع الباحث في فخهم، يبيعونه الوهم والخيال ليصلوا به إلى طريق الدمار، كالخيانة الزوجية، والابتزاز الجنسي، وغيرها مما بات يعرف بالجرائم الإلكترونية.
برود الحياة الزوجية
في ظل الانتشار الواسع للهواتف المحمولة الذكية بات كل أفراد المجتمع أسرى لدى هواتفهم، ومن ضمن هؤلاء الأفراد الأزواج فقد يجتمع الزوجان على طاولة الطعام لكن كل منهما منهمك في هاتفه المحمول وحتى إن قرأ أو سمع شيئا لطيفا يرسله برسالة لشريكه بدلاً أن يحكيه.
وفق ذلك، يهدر كل من الشريكين في عصر "السوشيال ميديا" فرصة التعبير وإبداء المشاعر الطبيعية، وشيئاً فشيئاً يبتعد الأزواج عن بعضهم بعضا ويصبح كلٌّ منهما جاهلا بمشاعر الآخر ما يفرحه أو يحزنه ويسود البرود في العلاقة الزوجية مع قلة الحوار مما يجعل هذه العلاقة هشة وقابلة للانتهاء مع أول مشكلة قد تواجهها.
للوقوف أكثر على هذه الظاهرة الاجتماعية "المقلقة" استطلعت معدّة التقرير رأي بعض المثقفين والاختصاصيين السوريين، للحديث عن مدى تأثير "سشولة الحياة"، إن جاز التعبير، على الأسرة السورية.
مديرة المكتب الإعلامي لشبكة حماية المرأة الأكاديمية السورية لينا الخياط، تقول إن الحقيقة المُرة التي يجب أن نعترف بها، هي الأثر السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي على الأسرة وأفرادها بمختلف أعمارهم، حيث أدت إلى ضعف التواصل المباشر فيما بينهم.
وتضيف الخياط في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا" أصبح لكل منهم عالم خاص به وحده، وأصبح الإخوة متباعدين ضمن الحجرة الواحدة.. وأهم متغير ضمن هذه الأسرة علاقة الأزواج فيما بينهم.
تتابع الخياط قولها، لقد أصبح لكل من الزواج أو الزوجة أصدقاؤه وأحباؤه الذين شكلوا لهم شخصيتهم الجديدة الخالية من المودة والرحمة وتبنى بالأغلب على "السخافات والتفاهة"، وبالتالي نحن أمام أسرة مفككة خالية من الروح.
علاقات وهمية
بدأت ثورة "السوشيال ميديا" في بالانتشار في المجتمع السوري منذ ما يقرب من 12 عاماً وراحت تبعاتها تظهر مؤخراً بشدة، بحسب الخياط، إذا ما تجاوزنا الجوانب الإيجابية نجد أن كثيرا من النساء وجدت في تطبيقات التواصل الاجتماعي مكاناً خصباً للموضة وتقليد المشاهير، في حين وجد العديد من الرجال ساحات الفيس بوك وغيرها مرتعاً للبحث عن الفرائس.
أفضت هذه الدهاليز الافتراضية إلى نشوء حالات جديدة من العلاقات الوهمية سواء كان ذلك عند الرجال أو النساء حيث اختبأ الطرفان في قوقعة الشاشة، ولعدم وجود رادع أو مراقب، ولاعتقادهم أن الإفصاح عن المشاعر لا يعدّ جريمة أو عيبا في العلاقات غير المكشوفة.
وتقول الخياط، في ظل هذه الأجواء يمكن أن نتخيل مدى الدمار الذي يحصل من تفكك في الأسرة وبرود المشاعر لدى الطرفين لأن الطرف الآخر القابع خلف الشاشة يبيع المشاعر بكثرة وما أكثر الكلام وتأثيره على ضعاف النفوس والشباب ذوي الأعمار اليافعة، ناهيك عن وجود المستغلين والمتحرشين الذين اتخذوا هذا المنبر مكاناً للترصد والتصيد.
وترى الخياط أن حالات الطلاق والجرائم بسبب الابتزاز واكتشاف الأزواج علاقات غير شرعية وتبادل الصور وغيرها،
وتشدد الخياط على أن غالبية هذه الحالات تبدأ من الإفصاح عن المشاعر والبحث عن مهرب من الواقع ليقعوا فريسة الوهم والابتزاز العاطفي والجنسي، وإن هذه العلاقات تفسد العلاقات الحقيقية وتفسد النفس وتخرب الذات فيغدو الشخص ضائعاً مهدماً قد خسر كل شيء من الخلوات خلف الشاشات وزيف العلاقات والخداع الكبير خلف هذه الستارة التي يقبع خلفها أشخاص تستروا بالعواطف للتلاعب على المشاعر.
ومع ذلك لا ترى الخياط أن الحرمان هو الحل لأننا في عصر انفتاح على كل شيء لذلك فإن التربية والأخلاق، ووضع الضوابط هو الحل الذي سيحدّ من سلبية السوشيال ميديا، ولكنه لن يمنعها.