رغم كل محاولاته لتأمين مبالغ شراء الأدوات المنزلية المستعملة لإتمام زواجه، لم يكن أمام غياث سوى الشراء بالتقسيط مع سعر مضاعف لمدة عام كامل، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية في مناطق سيطرة النظام السوري.
وينتشر الشراء بالتقسيط في دمشق وريفها بشكل كبير جداً خصوصاً للمقبلين على الزواج، بما فيها السلع الأساسية، حيث يلجأ بعض التجار للبيع بالتقسيط للأشخاص الموثوق بهم أو عبر كفلاء، وبأسعار تصل إلى الضعف أحياناً، حتى لا يبيع التاجر بخسارة.
ولم تعد الأدوات الكهربائية المنزلية فقط هي التي تباع بالتقسيط في سوريا، بل طالت المفروشات وأواني المطبخ والسجاد والستائر وكل ما يدخل في فرش المنزل أو أساسه لإتمام الزواج.
زيادة السعر للضعف تقريباً
وقال غياث عبد الله، الذي يعمل محاسباً في مطعم بدمشق، لموقع "تلفزيون سوريا" إنه اضطر لتأجيل زواجه أكثر من 3 أعوام على نية فرش بيته بشكل كامل من دون الدخول بدوامة التقسيط والدين وتحميل نفسه ما لا يستطيع.
وأضاف غياث أن راتبه الشهري يصل إلى 700 ألف ليرة لأكثر من 12 ساعة عمل، ولكن المصروف يتجاوز المليون ليرة أحياناً لشخص واحد، ولذلك عمل كل شهر على توفير مبلغ من الراتب لشراء أدوات المنزل، إلا أن انهيار الليرة جعل شراء براد أو غسالة ما يشبه الحلم، خصوصاً أن أسعارها بدأت تتجاوز 8 ملايين ليرة للجديد بالدفع النقدي وقد تصل إلى 12 مليون ليرة بالتقسيط.
وأشار غياث إلى أن الأسعار في سوريا على شكل بورصة لا تعرف الانخفاض فهي في ارتفاع مستمر، ولا يمكن التنبؤ بالسعر الذي يمكن أن تصل إليه أي سلعة.
واضطر غياث في ظل الانخفاض المستمر لليرة السورية أمام الدولار إلى شراء البراد وفرن الغاز والغسالة بالتقسيط، وجميع تلك الأدوات الكهربائية مستعملة.
ولفت إلى أن أسعارها من دون تقسيط كان 3 ملايين ونصف مليون ليرة، إلا أنها بالتقسيط أصبحت بـ 5 ملايين ليرة سيدفعها على مدار عام كامل.
ولا يمكن إتمام الزواج من دون الأشياء الأساسية في المنزل، حيث أكّد غياث أنه في ظل غياب الكهرباء يصبح البراد والغسالة لا عمل لهما، ولكنها أجهزة ضرورية لا تستطيع الاستغناء عنها.
الشراء عبر عقد أو كفيل
ويحاول التجار كتابة عقود تقسيط بحضور شهود وتثبيت ذلك عبر هويات البائع والشاري والشاهدين، فإن أخل الزبون بالعقد، لجأ البائع إلى الشرطة أو القضاء.
وقال أبو رامي أحد تجار الأدوات المنزلية الذين يبيعون بالتقسيط إن الناس عازفون عن الزواج بسبب غلاء الأدوات المنزلية وأواني المطابخ والمفروشات، ولذلك لجأت أنا وبعض التجار لتسهيل ذلك عبر البيع بالتقسيط.
وأضاف أبو رامي، لموقع "تلفزيون سوريا" أنه إذا كان يعرف الزبون بشكل جيد يعطيه حاجته من دون كفيل، ولكن إن لم يكن يعرفه يطلب منه جلب كفيل، وإن كان شخصاً غير موثوق بشكل جيد نكتب عقداً بوجود شاهدين.
وأشار أبو رامي إلى أن أسعار الأدوات المنزلية ليست ثابتة، ومرتبطة بالدولار، لأن هناك مواد خاماً وإلكترونيات مستوردة بالقطع الأجنبي لذلك، نضطر لبيعها بما يقابله بالسوري وإلا فسنخسر.
وتهاوت الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها أمام الدولار حيث وصل سعر الصرف بحسب تاريخ 25 تموز الجاري، إلى 12800 ليرة، بحسب موقع "الليرة اليوم" المختص بنقل سعر الصرف، وإن كان ما زال عند 9900 ليرة في المصرف المركزي (التابع للنظام السوري).
وتسبب سعر الصرف المتراجع بشكل يومي إلى لجوء التجار لتسعير السلع بأسعار أعلى، خصوصاً أنه لا يمكن التسعير إلا بالليرة السورية في مناطق سيطرة النظام.
بما لا يتجاوز السنة
ولا يقتصر التقسيط على الأدوات الكهربائية، بل إن أصحاب محال المفروشات من غرف نوم وجلوس وطعام لجؤوا للبيع عبر التقسيط حتى يشتري الناس من عندهم وخصوصاً المقبلين على الزواج.
ومع دخول موسم الصيف، أعلن أبو الهدى، مالك أحد متاجر بيع المفروشات بريف دمشق، البيع عبر التقسيط من خلال عقد وكفيل، مؤكداً أنه من دون تقسيط قد لا يدخل محلي زبون أو اثنان باليوم.
وقال أبو الهدى لموقع "تلفزيون سوريا"، إن ارتفاع أسعار المفروشات الجديدة والمستعملة وانخفاض نسبة الشراء لأدنى المستويات، اضطرتنا للدخول بمشكلات التقسيط وتحصيل الأقساط من الناس، ولكن لا حلول أخرى أمامنا.
وأضاف أن اللجوء إلى التقسيط يدفع المقبلين على الزواج لشراء ما يحتاجونه بمبلغ أكبر، ولكن جميعنا يعلم أن الدولار سيرتفع والليرة ستنخفض، ولذلك سيكون من يشتري هو الرابح أكثر من التاجر.
ويكاد يكون هناك إجماع بين جميع التجار وأصحاب المحال في دمشق وريفها على أن مدة التقسيط لا يجب أن تتجاوز السنة الكاملة لعدة أغراض، أي أن براداً وغسالة وفرناً معاً تحصل على تقسيط لسنة واحدة، والدفع يبدأ بعد شهرين أو ثلاثة أشهر، أما القطعة الواحدة فلا يتجاوز التقسيط الثلاثة أشهر إلى ستة أشهر بأحسن الأحوال.
التقسيط يشمل حتى الأساسيات
وفي ظل الوضع الاقتصادي المضطرب، أصبح تجار الغذائيات والسمانة يبيعون بالتقسيط لجيرانهم، ومن يثقون بهم، على أمل أن تنفرج أحوال الجميع.
وفي إطار ذلك، قالت فاطمة، وهي معلمة كيمياء بمدرسة حكومية وتعمل بالدروس الخصوصية، خصوصاً فترة امتحانات التاسع والبكالوريا، لولا أن جارنا أب محمد يبيعني بالتقسيط بعض الحاجيات مثل الرز والسكر والسمن والأساسيات الأخرى لكان الوضع صعباً جداً.
وأضافت لموقع "تلفزيون سوريا" أن راتبها لا يتجاوز الـ 100 ألف ليرة سورية، وما تحصله من أجرة الدروس الخصوصية هو السبيل الوحيد للبقاء على الحياة إلى جانب أطفالها.
وأشارت إلى أن السمان أبو محمد لا يضع زيادة بالأسعار في حال تأخرنا بالدفع لأسابيع ولكن أسمع من زميلاتي بالمدرسة أن بعض التجار يزيدون بالمبلغ في حال تأخر المشترون بالتقسيط عن السداد بالوقت المحدد، وهي ما يشبه الربا بالأموال.