في الوقت الذي يعاني فيه النظام من ضائقة مالية شديدة، يشن رئيس النظام حملة متصاعدة عبر دهم واعتقال عشرات رجال الأعمال، بل حتى استهداف من وقف إلى جانبه خلال الحرب التي امتدت لعقد من الزمان.
لم يكن الموظفون الخمسة الذين اعتقلتهم المخابرات السورية من بيوتهم في ليلة واحدة خلال العام المنصرم من المعارضين أو الجواسيس أو المشكوك بولائهم رئيس النظام، بشار الأسد، بل كانوا مجرد أهداف ضمن مرحلة جديدة يائسة في معركة الأسد من أجل البقاء، والتي يسعى من خلالها لاقتناص الأموال ومصادرتها.
كان الرجال الخمسة متنفذين لدى ثاني أكبر شركة للهواتف الخلوية في سوريا، أي شركة إم تي إن سوريا، بحسب ما أورده مطلعون على الحادثة، فجاء اعتقالهم ضمن حملة شعواء شنها رئيس النظام للاستحواذ على أصول إم تي إن، إلى جانب وضع يده على أي مصدر مهم للإيرادات ضمن اقتصاد سوريا المدمر.
وبالنهاية تم تركيع شركة إم تي إن بعد أربعة أشهر من ممارسة الضغوط عليها، إذ أتت بعد تلك الاعتقالات مطالباتٌ لها بدفع ملايين الدولارات، إلى جانب التهديد بفسخ ترخيص عمل الشركة، وظهور قرار محكمة مُريب تم بموجبه تعيينُ أحد الأشخاص الموالين للأسد كمسؤول عن إدارة تلك الشركة.
ولهذا أعلنت تلك الشركة التي يقع مقرها في جنوب أفريقيا خلال شهر آب المنصرم تخلِّيَها عن السوق السورية في ظل ظروفٍ وصفها مديرها التنفيذي بـأنها "لا يمكن أن تحتمل". إلا أن أبراج الخلوي التابعة لإم تي إن ما تزال تعمل، وما يزال المشتركون فيها البالغ عددهم ستة ملايين مشترك يدفعون فواتيرهم شهرياً.
ويعلق على ذلك أحد المتنفذين السوريين الذي اشترط عدم ذكر اسمه مخافة التعرض للعقاب، فيقول: "ولكن إلى أين تذهب الأموال؟ لا أحد يدري، بصراحة لا أحد يعرف إلى أين".
قبضة الأسد الحديدية بعد الحرب
تكررت حوادث مشابهة على مدار السنتين الماضيتين، وذلك عندما قام الأسد ونظامه الذي يعاني من ضائقة مالية شديدة باقتحام واعتقال العشرات من أصحاب المشاريع التجارية، والتي شملت شركات أجنبية ومشاريع عائلية خرجت سالمة من الحرب السورية التي امتدت لعقد من الزمان وظلت تعمل في المناطق التي يسيطر عليها النظام، بحسب ما ذكره مسؤولون أميركيون وغربيون، بالإضافة إلى سوريين على اطّلاع مباشر على ما يمارسه النظام، إلا أن أيّاً من حكومة النظام أو رئاسة الجمهورية في سوريا لم تتقدّما بأي رد عندما طُلب منهما التعليق على الموضوع.
ثم إن الشركات التي خرجت بسلام من الحرب تعرضت لغزو من قبل فرق تضمّ مدققي حسابات وعملاء تابعين للنظام، أخذوا يبحثون في الحسابات بحثاً عن خروق وتجاوزات بالنسبة للضرائب والجمارك وغير ذلك من الحجج التي يمكنهم من خلالها فرض غرامات ضخمة على تلك الشركات، كما تعرض أصحاب المشاريع التجارية الذين وقفوا مع الأسد إلى الاحتجاز، ناهيك عن الضغوط التي مورست عليهم ليدفعوا المال إلى جمعيات خيرية مزعومة، ما هي إلا صناديق تفرغ محتوياتها في جيوب الأسد.
وقد وصف مسؤول سوري يقيم في دبي حالياً تلك التحركات بأنها أشبه: "بطريقة المافيا في الاستيلاء على الأموال".
إلا أن أشد الحالات وقاحة والتي ترقى إلى ليّ عنق الشركات هي تلك التي تم من خلالها إرغام كبار المتنفذين فيها على ترك مناصبهم ليحل محلهم موالون للأسد، وعلى رأسهم الموالي يسار إبراهيم، أحد المقربين من الأسد الذين لمع اسمهم حديثاً في البلاد، والذي أصبح يتحكم بشركة إم تي إن خلال سنتين من صعود نجمه، إلى جانب غيرها من الشركات التي استهدفها الأسد بحملته.
لم تسلم حتى عائلة الأسد من تلك الحملة، إذ خلال العام الفائت، جرد الأسد ابن خاله رامي مخلوف من الشركات والأصول التي كانت جزءاً من محفظته الاستثمارية الضخمة والتي يقدّر عدد من الخبراء السوريين قيمتها بـ10 مليارات دولار.
هذا ولقد تكثفت حملة النظام الساعية لمصادرة الثروات منذ ذلك الحين فقط، ما دفع مسؤولين أميركيين وخبراء سوريين للقول بأن ما دفعه للقيام بتلك الحملة هي تلك الضغوط المالية الشديدة التي يعاني منها النظام بعدما أفلسته الحرب، وجعلته مديوناً بدين ثقيل لكلّ من إيران وروسيا، ناهيك عن انهيار القطاع المالي في دولة لبنان المجاورة، واستمرار الدول الغربية بفرض عقوبات اقتصادية عليه.
يرى مسؤولون وخبراء بأن الأسد يحتاج إلى المال لدفع رواتب الجيش وقوات الأمن لديه، ولشراء الوقود والغذاء لتلبية احتياجات العاصمة وما حولها من المناطق التي ما تزال تحت سيطرة النظام، وكذلك ليكافئ بعض الشخصيات من النخب السورية التي ظلّت على وفائها وولائها له طوال فترة الحرب.
بناء على تلك المعطيات، أخذت نهاية اللعبة تتكشف، إذ يرى مسؤولون أميركيون وخبراء سوريون بأن الأسد قد شدد سيطرته على الأجهزة الأمنية في الدولة وعلى اقتصادها لأنه يريد أن يخرج من الحرب بقبضة أقوى وأشد إحكاماً على السلطة مقارنة بما كان وضعه عليه عند بداية الحرب. ولكن بعد مرور عقد على النزاع، بقي الأسد في منصبه ليحكم دولة مقسمة ومدمّرة بعدما أصبحت نصف الأراضي السورية تقريباً خارج سيطرة النظام، كما تحولت مدن بكاملها إلى خرائب وأطلال، فضلاً عن خسارة العملة السورية لـ85% من قيمتها منذ بداية الحرب.
ويعلق على ذلك روبرت فورد الذي شغل منصب السفير الأميركي في سوريا بين عامي 2011-2014 فيقول: "خلال الحقبة التي تتقلص فيها كعكة الاقتصاد، يصبح القتال على الموارد أشد وأشرس". كما أن حالة اليأس "تمنح الأسد نفوذاً أكبر" بحسب رأي فورد، وذلك مع انخفاض عدد المنافسين المحتملين الذين لديهم ما يكفي من المال أو الموارد المالية أو ما شابهها "لخوض المنافسة على السيطرة التي يتمتع بها الأسد".
يصوّر الأسد استيلاءه على الأصول بأنه تجسيد لما وعد به من محاربة للفساد، إذ قال في يوم تجديد تولّيه منصبَه في تموز الماضي لولاية رئاسية جديدة مدّتها سبع سنوات: "لن يكون هناك أي تأجيل لهذه العملية أو أي تساهل مع أي شخص متورط.. لأن القضاء على الفساد ضرورة اقتصادية واجتماعية ووطنية".
يرى عمار وقاف، وهو رجل أعمال سوري يقيم في لندن ويدعم النظام في سوريا، بأن المتنفذين المستهدفين "هم مستفيدون من الامتيازات التي حُرم منها الناس العاديون، ولهذا ترى الدولة بأنه من العدالة أن تطلب منهم أن يدفعوا أكثر من غيرهم".
غير أن النتيجة تضاف إلى الإرث المرير الذي خلّفه الربيع العربي، بعدما بث الأمل في النفوس بإمكانية حدوث إصلاح سياسي في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، مع زيادة الفرص الاقتصادية. إلا أن ما حدث في سوريا أتى عكس ذلك بالضبط، إذ اكتشف الأسد وبطانته المقربة أساليب جديدة للتمسك بالسلطة وللحفاظ على نمط حياتهم النخبوي كما كان، في الوقت الذي يعاني فيه سواد الشعب من أزمة إنسانية تزداد حدّتها يوماً بعد يوم.
أصبح أكثر من 90% من السوريين يعيشون في فقر اليوم، بحسب ما ذكرته الأمم المتحدة، كما أن معظم المشافي والمدارس والطرقات خارج العاصمة دمشق قد استحالت إلى ركام. وزاد الجفاف الذي ضرب البلاد من المخاوف التي تتوقع حدوث مجاعة، حيث قدرت منظمات إنسانية بأن حصول 12 مليون سوري على ما يكفيهم من الغذاء بات على المحك.
وتقدّر الأمم المتحدة كلفة إعادة إعمار سوريا بـ250 مليار دولار على الأقل، في حين تقف العقوبات الأميركية كأكبر حجر عثرة أمام الاستثمارات الأجنبية، إذ لوّحت إدارة بايدن بأن العقوبات ستبقى إلى أن يوافق الأسد على إجراء إصلاحات سياسية حقيقية.
بيد أن طريقة التعاطي مع شركة إم تي إن وغيرها من الشركات يمكن أن تقوض أيّ أمل بتدفق المال إلى سوريا، إذ يقول متنفذ وصف كيف تم الاعتداء على تلك الشركة: "لن يفكّر مستثمر أجنبي عاقل وحكيم بالقيام بأي شيء في سوريا في ظل بيئة العمل الحالية".
الحكم الممتد لزمن طويل عبر السرقة والاستيلاء على مال الغير
إن عناصر الأسد الذين يشبهون عناصر المافيا ويقومون بتنفيذ خطته قد تجاوزوا أمر الاستيلاء على الشركات بأشواط، فقد تحول النظام الحاكم في سوريا إلى مهرب للمخدرات اتهمه مسؤولون أميركيون وغربيون بإنتاج كميات ضخمة من أمفيتامين الكبتاجون في مصانع موجودة في مناطق موالية للنظام على الساحل السوري. ففي عام 2020، قامت سلطات دول أوروبية وعربية باحتجاز شحنات تقدر قيمتها في الأسواق بـ3.4 مليار ات دولار أميركي، أي أكبر من ميزانية سوريا السنوية بحسب ما أورده مركز تحليل وأبحاث العمليات، وهو عبارة عن مركز استشاري مختص بدراسة الأخطار والتنمية في مختلف بقاع العالم.
كما وجّهت أصابع الاتهام للنظام أيضاً بتحويل ملايين الدولارات التي أتت على شكل مساعدات إنسانية مخصصة للفقراء من السوريين.
فقد وثقت دراسة نشرها مؤخراً مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية على سبيل المثال، كيف حوّلت حكومة الأسد أكثر من نصف الأموال التي دخلت إلى البلاد بالدولار عبر المنظمات الإنسانية إلى جيوبها، فتسببت بزيادة مصطنعة في أسعار الصرف مقارنة بالليرة السورية، بما أن المنظمات الإغاثية تعتمد على شراء اللوازم بالليرة السورية وكذلك الأمر بالنسبة لنفقاتها التشغيلية. كما حول المصرف المركزي في سوريا ما لا يقل عن 100 مليون دولار ما بين عامي 2019- 2020، حسبما خلصت إليه الدراسة التي أجراها ذلك المركز، وذلك عبر قبول المبالغ الواردة بالدولار من قبل المنظمات الإغاثية وتحويلها إلى الليرة السورية بقيمة أقل من قيمتها في السوق المفتوحة.
بل حتى قبل الحرب، كانت سوريا تعتبر دولة قائمة على الحكم من خلال السرقة ضمن أوساط واسعة، بما أن عائلة الأسد اغتنت عبر استغلال سيطرتها على الأصول التي تملكها الدولة، مع فرض شراكات طفيلية على المشاريع التجارية في البلاد.
بيد أن ذلك النهج قد انقلب رأساً على عقب خلال العامين المنصرمين، بعدما انقلب الأسد على من كانوا مقربين موثوقين منه، إلى جانب تخلّيه عن أي مظاهر زائفة لتغطي على أية شراكة في مجال الأعمال.
ومن بين أهم الجهات المستهدفة كان قطاع الاتصالات، وهو مصدر ريع موثوق واستثنائي في البلاد حيث يقوم حتى أفقر السوريين باقتناء هواتف خلوية على الرغم من عدم توفر الكهرباء لديهم أو حصولهم على مياه نظيفة.
الضغوط على شركات الخلوي
شرع النظام باستهداف الشركات التي تعمل في مجال الخلوي ابتداء من عام 2018، بحسب ما ذكره سوريون على اطّلاع وثيق بالموضوع.
وفي إحدى الحالات التي وقعت في مرحلة مبكرة، تم إخطار شركة تقوم بتزويد خدمات الدعم لأهم شركتي خلوي في البلاد بأن عقود عملائها سيتم إنهاؤها في حال عدم تنازل مالكي تلك الشركة الصغيرة عن إدارتها.
كان لدى تلك الشركة أكثر من مئتي موظف وعائدات تصل إلى ملايين الدولارات سنوياً بحسب ما ذكره متنفذ سوري اطلع على تلك الحادثة، وقد تم تشجيع بعض كبار المديرين على البقاء في مناصبهم، فاستمر المشروع بالعمل على نطاق واسع لبضع سنوات، بيد أن شركة جديدة استحوذت على عقود الشركة، واسمها شركة البرج الاستثمارية، بحسب ما ذكر ذلك المتنفذ. وكانت شركة البرج تخضع ليسار إبراهيم وهو رجل أعمال رأسمالي كسب ود الأسد خلال السنوات القليلة الماضية. إلا أن شقيقة إبراهيم، واسمها نسرين، قد تم إدراجها ضمن سجلات الشركة على أنها المديرة التنفيذية لشركة البرج، وذلك بحسب ما ذكره سوريون اطلعوا على تلك القضية.
وحول عملية الاستحواذ تلك يخبرنا أحد المسؤولين التنفيذيين فيقول: "كنا نأمل أن نصبح في يوم من الأيام جزءاً من سوريا الجديدة، أي أن نساهم في عملية إعادة الإعمار بعد زوال هذا النظام. إلا أنه لم يعد لدينا أي أمل بالعودة"، وقد تحدث هذا الرجل شريطة عدم الكشف عن اسمه وطالب بعدم نشر اسم الشركة لأن أقاربه وموظفيه ما يزالون يعيشون في سوريا مِن دون وجود مَن يحميهم هناك.
سرعان ما حوّل نظام الأسد انتباهه نحو الشركات الأكبر التي تهيمن على قطاع الخلوي.
دخلت شركة إم تي إن السوق في عام 2008 بعد استحواذها على شركة أطلقها رجل أعمال لبناني، وهو نجيب ميقاتي، والذي أصبح يشغل اليوم منصب رئيس الوزراء في لبنان. استثمرت إم تي إن بقوة في السوق السورية، حيث امتلكت قرابة 45% من سوق الخلوي في سوريا.
وفي أواخر عام 2019، أخطرت هيئة الرقابة والتفتيش على قطاع الاتصالات في سوريا شركة إم تي إن بأن رخصتها التي تمتد لعشرين عاماً والتي حصلت عليها قبل أربعة أعوام فقط سيتم إلغاؤها من دون دفع مبلغ 40 مليون دولار. وعندما اعترضت إم تي إن على ذلك، شدد النظام ضغوطه عليها، بحسب ما ذكره مسؤول تنفيذي سوري آخر حول هذا الموضوع.
وفي شهر أيار من العام الماضي، تم اعتقال المسؤولين التنفيذيين في تلك الشركة، إذ تم احتجاز هؤلاء الموظفين الخمسة الذين يشغلون أرفع المناصب في تلك الشركة، وكانت بينهم امرأة واحدة، عبر حملات دهم متزامنة تمت عند الساعة الثانية صباحاً، ثم سيق هؤلاء إلى سجن يخضع لإدارة فرع الأمن الداخلي التابع لمديرية المخابرات العامة في سوريا، بحسب ما ذكره سوريون اطلعوا على تلك القضية. أما الموظف السادس فقد اقتيد إلى السجن في اليوم التالي عندما كان في مكتبه بدمشق.
وقد كان بين هؤلاء الموظفين كبار المديرين في فرع إم تي إن بسوريا، من دون أن يشمل الاعتقال المدير التنفيذي للشركة، الذي فرّ من البلاد في العام نفسه قبل تلك الحادثة. خضع الموظفون الذين تم اعتقالهم للاستجواب لمدة ثلاثة أسابيع تقريباً كما تعرضوا للتهديد بأرواحهم وعائلاتهم قبل أن يتم إطلاق سراحهم بحسب ما ذكره سوريون، إذ يقول أحد من اطلعوا على تلك القضية: "لم يكن الهدف الرئيسي وراء ذلك هو الحصول على معلومات، بل كانت رسالة تم إيصالها لأصحابها".
بدأت شركة إم تي إن بالتفاوض على بيع 75% من أسهمها ضمن فرعها في سوريا لشركة تدعى تيلي إنفيست تخضع لسيطرة يسار إبراهيم، المقرب من الأسد، والذي استحوذ على 25% من الأسهم الباقية وانتزعها من مستثمر سعودي.
إلا أن الصفقة المبرمة مع تيلي إنفيست قد تم إرجاؤها بسبب التخوف من قدرة يسار على تأمين المال اللازم لتلك الصفقة بحسب ما ذكره أحد المتنفذين، بعد ذلك انهارت الصفقة مع فرض الولايات المتحدة لعقوبات على يسار إبراهيم في أواسط عام 2020، حيث وصفته وزارة الخزانة الأميركية بأنه أحد أعوان الأسد، وبأنه "يستعين بشبكاته المنتشرة في عموم الشرق الأوسط وغيره، حيث أبرم إبراهيم صفقات فاسدة أغنت الأسد، في الوقت الذي يموت فيه السوريون بسبب نقص الغذاء والدواء".
ولهذا قلقت إم تي إن، التي تعمل في 21 دولة في عموم أرجاء أفريقيا والشرق الأوسط، لما قد تتعرض إليه من عقوبات مالية أميركية في حال تم رصد أي تعامل تجاري لها مع سوري يخضع للعقوبات الأميركية، بحسب ما ذكره أحد المتنفذين.
عندما انهارت تلك الصفقة، تحركت حكومة الأسد لتسيطر على إم تي إن معتمدة على أساليب أخرى، ففي دعوى قضائية، اتهمت هيئة الرقابة السورية شركة إم تي إن بخرق بنود الرخصة التي لديها وبالتهرب من الضرائب، وغير ذلك من التهم، فصدر الحكم بوضع تلك الشركة تحت تصرف حارس قضائي تعيّنه المحكمة.
إلا أن الشركة دحضت تلك المزاعم وطعنت في الحكم أمام محكمة سورية، لكنها خسرت القضية، حيث ذكر الناطق باسم إم تي إن في جنوب أفريقيا بأن الشركة "ترفض التعليق على هذا الموضوع".
بعد ذلك عهدت المحكمة بدور الحارس القضائي لشركة تيلي إنفيست، أي الشركة عينها التي يسيطر عليها يسار إبراهيم والتي حاولت أن تتفاوض مع إم تي إن على شراء أسهمها لكنها فشلت في ذلك.
استسلمت تلك الشركة الجنوب أفريقية فأعلنت عن انسحابها من ذلك المشروع الذي كانت قيمة أرباحه السنوية تصل إلى نحو مليار دولار قبل الحرب، وعلى الرغم من تقلص الأرباح بشكل كبير خلال فترة النزاع. ومع ذلك كان لدى تلك الشركة ستة ملايين مشترك عندما أعلن مديرها التنفيذي رالف موبيتا في آب الماضي بأن شركة إم تي إن ستتخلى عن مشروعها في سوريا، بعدما فقدت السيطرة على العمليات بموجب تصرف ظالم ضدها.
تفكيك امبراطورية رامي مخلوف
في الوقت الذي كان فيه الأسد يلاحق شركة إم تي إن، أخذ يرتب الأمور ليستولي على أموال أحد أفراد عائلته من خلال عملية أجرأ من سابقاتها بكثير.
يعدّ رامي مخلوف سليل عشيرة راقية تزوج الأسد الأب، الذي حكم سوريا لسنين طويلة، منها. وعبر إطلاق العنان له ليفعل ما يشاء باقتصاد البلاد على مدار عقدين من الزمان تقريباً، استغل رامي نفوذه لبناء إمبراطورية ذاع صيتها لكون قيمتها أصبحت تعادل مليارات الدولارات، على الرغم من أنه ساد الاعتقاد بشكل كبير بأنه كان يتحكم بتلك الثروة التي تعود لابن عمته، أي رئيس النظام.
كانت أهم الأصول التي يمتلكها رامي تتجسد في شركة سيريتل وهي شركة خطوط خلوية هيمنت على السوق في البلاد، بالرغم من امتلاكه لأسهم مربحة في قطاع النفط السوري، إلى جانب أسهمه وحصصه في المجال المصرفي والقطاع العقاري.
أصبح استغلال رامي لسلطة الدولة لا يخفى على أحد، مما جعل اسمه يندرج ضمن قائمة العقوبات الأميركية قبل اندلاع الحرب في سوريا بسنة واحدة، حيث اتهمته الولايات المتحدة بـ"التلاعب بالنظام القضائي السوري والاستعانة بموظفي المخابرات السوريين لتخويف منافسيه في قطاع الأعمال". كما وصفت وزارة الخزانة الأميركية رامي مخلوف بأنه "أحد أهم أقطاب الفساد في سوريا".
وخلال العام المنصرم، بدأ الأسد بالتنديد علناً بشخصية ابن خاله المبذر عبر استخدام عبارات تشبه تلك التي استخدمتها وزارة الخزانة الأميركية.
تعرض رامي للهجوم في الوقت الذي سعى فيه الأسد لإلقاء اللوم عليه بسبب تعمق الأزمة التي عصفت باقتصاد البلاد المتهاوي بالأصل، كما أن انهيار النظام المصرفي في دولة لبنان المجاورة حرم آلاف السوريين من الحصول على مدّخراتهم وساهم في تدهور قيمة العملة في البلاد.
إلا أن السوريين يرَون أن هنالك أسباباً أخرى لمحاسبة رامي، إذ إن تباهي أسرته بما تملكه من ثروة، واعتياد أبنائه نشرَ صورهم وهم يركبون سيارات فارهة عجيبة الشكل على إنستغرام، أثار سخطَ السوريين الذين عضّهم الفقر بنابه.
وهنالك تخمينات انتشرت بين أوساط المغتربين السوريين تفيد بأن أسماء، زوجة الأسد، المولودة في لندن والتي عملت لدى مصرف جي بي مورغان الشهير قبل زواجها في عام 2000، صارت تؤكد بشكل أكبر سيطرتها على أموال النظام وذلك لضمان وتأمين ثروة لأول ثلاثة أحفاد أنجبتهم لتلك العائلة.
بدأ تقطيع أوصال إمبراطورية مخلوف في عام 2019، عندما تم تعيين أسماء لتتحكم بأصول جمعية البستان "الخيرية" التي يديرها رامي والتي تدّعي أنها تقوم بدعم عائلات الموالين للنظام الذين قتلوا في الحرب، بيد أن شهرتها أتت عبر لعب دور الوساطة في تمويل الميليشيات الخاصة. وفي عام 2017، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على جمعية البستان لأنها تقوم "بتجنيد وتعبئة أفراد ليقوموا بدعم ورفد قوات الجيش السوري"، كما أن تلك الجمعية كانت مركزاً "لشبكة خاصة واسعة تضم ميليشيات ومؤسسات مرتبطة بالجهاز الأمني" بحسب ما ذكرته وزارة الخزانة الأميركية.
وأسماء هذه التي نجت من سرطان الثدي في عام 2019، تترأس الأمانة السورية للتنمية التي تلعب دور وسيط رئيسي في أموال المساعدات الأممية التي تتدفق على البلاد، وتعتبر مصدر رعاية أساسياً لعائلة الأسد، مما جعل قرار تلك الأمانة بمنزلة قولٍ فصل بشأن المستفيدين من تلك المساعدات.
ذكر العديد من رجال الأعمال السوريين الذين فروا من البلاد بسبب الحرب بأن أسماء هي من دفعت للاستحواذ على عائدات قطاع الخلوي في سوريا مع تحييد رامي مخلوف، وذلك لتضمن موقعاً متميزاً لابنها الأكبر، حافظ، في حال خلف والده في يوم من الأيام.
وهكذا، تعرض رامي خلال العام الفائت لأكبر ضربة بحياته عندما جرّد من حصصه في شركة سيريتل، التي تعدّ كبرى الشركات التي تحقق أرباحاً في البلاد، كونها تسيطر على 55% من سوق الخلوي في سوريا.
ولذلك لجأ رامي بعد تعرضه للذل والمهانة إلى التوسل طلباً للرحمة من ابن عمته ضمن سلسلة من الفيديوهات التي ظهر فيها وهو يصرخ ونشرها على فيس بوك، إذ قال بأن سيريتل كانت تعطي الدولة أكثر من نصف إيراداتها بصورة دورية، وبأنها لم يعد بوسعها أن تدفع المزيد من دون أن تتعرض للانهيار. كما عبر عن تشكيكه بقيام الأجهزة الأمنية التي استغلّها ببراعة لتقف في وجه خصومه في مجال الأعمال باقتحام شركاته ودَهْمِها في الوقت الحالي، وأخذ يتوسل للأسد حتى ينهي "معاناته" المالية، وألقى باللائمة على "الحاشية" المقربة من الأسد وذلك لأنها "أظهرته بصورة المخطئ".
وفي أحدث فيديو له نشر في شهر تموز، أخذ رامي يشتم المالكين الجدد لشركة سيريتل ويتهمهم باللصوصية، كما شبه نفسه بموسى بطريقة غير مباشرة، وذلك عندما أشار إلى أنه سيخلص فقراء سوريا من نهب "المتربّحين من الحرب" الذين استولوا على شركته. بيد أن رامي لم يردّ عندما طلب منه التعليق على الموضوع.
شركات وهمية وتكديس العقارات والممتلكات
تعبّر تلك الفيديوهات عن سقوط رامي المدوّي، وفراغ غير متوقع في المنصب الذي شغله ذلك الرجل الذي تحكّم بأموال الأسد.
خضع العديد من السوريين ممن لديهم مطامح في هذا المنصب لتجارب واختبارات بغية شغله، كان بينهم سامر فوز، الذي اغتنى خلال الحرب عبر شراء العديد من الممتلكات والعقارات التي كان من بينها فندق فور سيزونز بدمشق، الذي استمر بتحقيق أرباح عبر تقديم خدمات الإطعام لمديري المنظمات الإغاثية ولوفود الأمم المتحدة التي تزور البلاد.
ورث سامر فوز، البالغ من العمر 48 عاماً، شركة قابضة عن أبيه تصف نفسها في منشورات ظهرت على الشابكة بأنها: "مجموعة دولية تعمل ضمن سلسلة واسعة من القطاعات" بدءاً من المستلزمات الصيدلانية وصولاً إلى محطة تلفزيونية لبنانية. ولدى سامر فوز بيوت في دبي واللاذقية بسوريا، بحسب ما أوردته الحكومة الأميركية، وهو مواطن سوري يحمل جنسية تركية وأخرى تابعة لدولة سانت كيتس ونيفيز في الكاريبي.
يرى السوريون الذين يعرفون ما يمارسه سامر فوز من أعمال بأنه جمع جلّ ثروته عبر استغلال علاقاته والتملّق للأسد خلال فترة النزاع في سوريا.
كما استخدم سامر فوز طائرة خاصة ليقطع منطقة الخليج العربي ذهاباً وإياباً، وليجلب الدعم للأسد من قبل الجهات المانحة، بحسب ما ذكره سوريون اطلعوا على نشاطاته. ولقد أمهل فوز أيضاً أثرياء سوريا الذين فرّوا من النزاع حتى يقوموا إما ببيع شركاتهم له أو أن يخسروا كل شيء.
ومن بين السجلات المالية السورية التي تم الكشف عنها ضمن وثائق باندورا، والتي حصل عليها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، ثمة وثائق تظهر كيف استعان سامر فوز بالنظام المالي خارج سوريا لتأسيس شركات وهمية خلال الحرب وحتى يمتلك يختاً وطائرة وغير ذلك من المقتنيات. كما أظهرت الوثائق بأن فوز غيّر اسم إحدى شركاته التي أقامها في الخارج في عام 2017 من "فوز القابضة" إلى "سكاي كابيتال المحدودة" ولعلّ ذلك يعود لرغبته بعدم إثارة أي انتباه حولها.
إلا أن تعاظم نفوذه وتورطه في عملية وقحة في المجال العقاري جعل منه هدفاً لوزارة الخزانة الأميركية، فقد كان أهمّ مستثمر خاص في مشروع عقاري حمل اسم ماروتا سيتي، والذي يتضمن مخطط بناء لناطحات سحاب فاخرة في إحدى ضواحي دمشق، حيث ستقام تلك الناطحات على أرض صادرَها النظام وقام بتجريف الآلاف من بيوتها التي كان يقطنها سوريون هربوا من جحيم الحرب، بالجرافات.
بلغت قيمة عقد ذلك المشروع 312 مليون دولار، بحسب ما ذكرته وزارة الخزانة الأميركية، وبدا بأنه وسيلة لاستقطاب الأموال من المستثمرين في منطقة الخليج. إلا أن المشروع تعثر بعدما تعرض الداعمون السوريون لموجة من العقوبات الأميركية، وكان فوز من بينهم، إذ اتهمته وزارة الخزانة الأميركية بـ"الاستفادة مما جرى من فظائع خلال النزاع السوري وتحويلها إلى مشروع يدرّ أرباحاً"، لكن فوز رفض التعليق على الموضوع عندما طلب منه ذلك.
واجبات صاحب الأموال
أفل نجم سامر فوز بعد ذلك مع ظهور شخصية جديدة من أغنياء الحرب مدعومة من قبل الأسد.
حيث تربع يسار إبراهيم، وهو رجل أعمال عمره 38 عاماً لم يكن أحد يعرفه قبل الحرب، على عرش قائم على عمليات ابتزاز طالت كبرى الشركات السورية، وصار يمارس ذلك من مكتب يقع داخل مجمع القصر الرئاسي التابع للأسد، وذلك بحسب ما ذكره متنفذون وخبراء سوريون.
ثمة روايات متضاربة حول الأمور التي ساعدت على صعود نجم يسار وتعاظم نفوذه، إذ يرى أحد الخبراء المتخصصين في الاقتصاد السوري بأن والد يسار كان يعمل مستشاراً لدى حافظ الأسد، وبأن عائلة إبراهيم تنتمي للطائفة العلوية التي تنتمي لها العائلة الحاكمة، حيث يقول ذلك الخبير: "إنه علوي وهم موالون لبشار وليس لأسماء" كونها سنيّة المذهب.
إلا أن خبراء آخرين يعتقدون بأن أسماء هي الراعي الأساسي ليسار، ويعود ذلك لعلاقاتها الوثيقة باثنتين من شقيقاته، إذ يقول جويل رايبورن الذي بقي حتى العام الماضي يشغل منصب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا: "لقد كسب ثقة أسماء عبر تلك العلاقة، ورويداً رويداً، تولى مهام صاحب الأموال لديها".
وأياً كانت الطريقة، يحتل يسار إبراهيم اليوم قلب أهم شركات النفط والغذائيات والإنشاءات وغير ذلك من القطاعات، وقد تعرضت إحدى تلك الشركات، واسمها حقول سال أوفشور، للعقوبات الأميركية في عام 2019، ووصفتها وزارة الخزانة الأميركية بأنها: "شركة واجهة" لجماعة حزب الله المقاتلة في لبنان.
والأهم من ذلك هو أن يسار جمع بين يديه سلطة شبه احتكارية في سوق الخلوي بسوريا، بعدما أزاح العائلة المالكة لشركة خدمات الدعم، وانتزع السيطرة على شركة سيرتيل من ابن خال الأسد واستولى على إم تي إن بعد استسلام تلك الشركة في شهر آب الماضي.
يصوّر النظام تلك العمليات على أنها حملة ضد الفساد، بما أن هذه الخطة كسبت بعض الدعم الشعبي برأي الخبراء. وفي هذا السياق، قدم يسار إبراهيم نفسه كفاعل خير بالنسبة للشركات المستهدفة، حتى في الوقت الذي كان يسعى فيه لإزاحة مالكيها ومصادرة أموالها.
يقول أحد المتنفذين السوريين بأن يساراً استدعى كبار الموظفين في شركة دعم الاتصالات التي تم الاستيلاء عليها ليمثلوا أمامه في مكتبه، حيث حاول أن يكسب ولاءهم عندما أخبرهم بأنه تدخل ليخلّص الشركة من مديريها الفاسدين، وسعى ليُقنع الموظفين بأنه "شخص طيب وراقٍ ووطني"، إلا أنه في الحقيقة ليس أكثر من "متنمّر" يعمل "فتوّة" لدى الأسد.
إلا أن يساراً لم يرد عندما طلب منه التعليق على الموضوع عبر طلب أرسل إليه من خلال رئاسة الجمهورية السورية، حيث يعمل مستشارا اقتصاديا وماليا هناك.
يذكر أن يسار وشقيقتيه رنا ونسرين خضعوا للعقوبات الأميركية خلال السنة الماضية وذلك لممارستهم عمليات النهب في ظل النظام، وهذا التصنيف أجبرهم على مسح أسمائهم من بين أسماء أعضاء مجلس الإدارة في شركة سريتل وغيرها من الشركات. غير أن موقفهم تجاه الأسد لم يتغيّر، إذ خلال الخريف الماضي، أرغم سامر فوز على تسليم حصته في فندق الفور سيزون ليسار إبراهيم بحسب ما ذكره سوريون على اطّلاع بتلك الحادثة.
ويقول كرم الشعار وهو مستشار مختص بالشأن السوري ومدير قسم الأبحاث لدى مركز العمليات والسياسة في تركيا: "إن نجم عائلة إبراهيم في صعود هائل، ومن المحيّر أن نعرف إلى أي مدى يصل تأثيرهم ونفوذهم". ومع ذلك يرى كرم الشعار بأن مكانتهم ما تزال متقلقلة كما هي حال من سبقهم، وذلك لأن عائلة الأسد "تستعين بأشخاص من أمثاله كبيادق، أو كواجهة للنظام، وعندما يتعاظم نفوذ هؤلاء الأشخاص، يتم قطع دابرهم، والاستعاضة عنهم بأشخاص آخرين".
غالبية السوريين تعيش في حرمان
تشهد سوريا اليوم "كارثة إنسانية تعدّ الأكبر على مستوى العالم" بحسب ما ذكره مسؤول أميركي رفيع المستوى، وذلك لأن الغالبية العظمى من السكان يعيشون على أقل من 1.90 دولار باليوم و6.2 ملايين نسمة تم تصنيفهم "كنازحين في الداخل" من قبل الأمم المتحدة، ما يعني أنهم ظلّوا في سوريا لكنهم أجبروا على ترك بيوتهم بسبب النزاع الذي استخدم فيه الأسد الغاز السامّ والبراميل المتفجرة ضد شعبه.
وخلال الأشهر الماضية، ظهرت مؤشرات متزايدة تدل على أن قادة وزعماء آخرين في الشرق الأوسط، سبق لهم أن عملوا على الإطاحة بالأسد، قد أذعنوا له بعد بقائه في السلطة. غير أن مسؤولين أميركيين وخبراء سوريين يرَون بأن احتمالات عودة سوريا إلى سابق عهدها قبل الحرب ما تزال بعيدة، إذ حذرت إدارة بايدن الدول في الشرق الأوسط من فكرة دعم الأسد مالياً أو بأي وسيلة أخرى. وفي الوقت الذي ساعدت فيه روسيا وإيران على إنقاذ الأسد عسكرياً عندما أوشك على الهزيمة في الحرب، لم تبد كلاهما أي رغبة بتغطية النفقات المتوقعة لعملية إعادة إعمار سوريا.
وفي هذه الأثناء، تواصل حياة السوريين العاديين تدهورها، فغلاء الأسعار جعل معظم المواد الغذائية الأساسية بعيدة المنال بالنسبة للمواطن العادي. وفي دمشق، أصبحت طوابير الوقود تمتد لمسافات طويلة وتبدأ من الصباح الباكر حتى ساعات متأخرة من الليل، كما أصبح انقطاع التيار الكهربائي أمراً شائعاً ومألوفاً في تلك البلاد.
تقول سلوى وهي مواطنة من دمشق رفضت الكشف عن اسمها الكامل: "إننا نعاني من فقر مدقع، فالأسعار مرتفعة، والناس لا يستطيعون دفع الإيجارات، الجميع يرغب في السفر، بل إنهم على استعداد للتخلي عن أي شيء مقابل السفر من البلاد".
بيد أن النظام بقي يقوم بعمليات ابتزاز مبطنة، حيث ادّعت وزارة المالية في حكومة الأسد بأن الإيرادات الحكومية قد تضاعفت ثلاثة أضعاف خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام. إلا أن الأسد قد يكون يعمل على تقويض مستقبل البلاد على المدى البعيد بحسب رأي كرم الشعار، الذي يقول: "إنه يعتقد أن بوسعه إجبار رجال الأعمال على فعل ما يريده، إلا أن هذه الطريقة لا تشبه الطريقة التي تدور بها عجلة الاقتصاد في شيء، وذلك لأنهم سيهربون منه بكل بساطة".
يذكر أن البلاد شهدت موجة هجرة فعلية لأصحاب المشاريع التجارية، يقدّر عددهم بالآلاف بحسب تقارير إعلامية سورية، إذ أخذ هؤلاء معهم ما تبقى من رؤوس أموالهم ونقلوا خبراتهم إلى مصر أو غيرها من الدول العربية.
ومع ذلك، ما يزال الأسد مختبئاً في أحد الأحياء الراقية بدمشق، تلك المدينة التي لم تتضرر كثيراً بسبب النزاع، كما أن النخب التي تربّحت من الحرب ما تزال تأكل في مطاعم هذه المدينة وتشرب في حاناتها.
بل حتى آل مخلوف يبدو وكأنهم يحاولون التمسك بمظاهر نمط حياتهم القائم على امتيازات كبيرة، إذ ما يزال رامي مخلوف يعيش في فيلا يملكها بإحدى ضواحي دمشق. أمّا ابنه علي فقد انتشرت صورته عبر وسائل التواصل الاجتماعي في شهر تشرين الأول الماضي، حيث ظهر خلف عجلة القيادة في سيارة فيراري تصل قيمتها إلى 300 ألف دولار، كان يقودها في بيفرلي هيلز.
المصدر: واشنطن بوست