منذ الزلزال الكبير كما بات يسمى والذي ضرب جنوبي ووسط تركيا وسوريا، عاش أهل مدينة مرسين التركية، الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، ثلاثة تحديات كبيرة لم يعرفوها من قبل. الأول الخروج بأقل الخسائر من الزلزال نفسه، والثاني إرسال المساعدات للمناطق المنكوبة بالزلزال، والثالث استقبال أعداد كبيرة من النازحين من المناطق الأشد تضرراً.
يوم واحد، أو يومين على أبعد تقدير، هو الوقت الذي احتاجه أهل مدينة مرسين، وكثير منهم لاجئون ومجنسون سوريون، لإدراك أنهم كانوا محظوظين جداً، وأنهم نجوا من زلزال مرعب بقدر يكاد لا يذكر من الخسائر مقارنة بباقي الولايات، اقتصر على تصدع بعض الأبنية، ورعب وصدمات نفسية، وتعطل بعض الخدمات، والاضطرار للعيش خارج بيوتهم، ليلة أو ليلتين، في السيارات والشوارع وأماكن التجمع ومراكز الإيواء، بانتظار أن يهدأ الزلزال، ويتم التأكد من سلامة بيوتهم.
وفي اليوم الثالث أدرك أهل مرسين أنهم أقرب مدينة ناجية من الزلزال، فكل المدن الواقعة شرقي مدينتهم، وخاصة أضنة وأنطاكيا ومرعش وغازي عنتاب، لحق بها دمار هائل يفوق الخيال. لم تسقط مرسين في الهاوية، ولكنها كانت على حافتها مباشرة.
وبدأ العمل في مرسين لتنظيم إرسال المساعدات للمدن المنكوبة. مؤسسات الدولة، والأحزاب، والجمعيات، والمؤسسات الدينية، وكثير من السوريين، جمعوا كل ما يستطيعون جمعه، وحملوا كل ما يمكن حمله، وأرسلوه إلى المناطق المنكوبة. وهناك أدركوا حجم الكارثة التي حلت بجيرانهم.
وفي اليوم الرابع بدأت مدينة مرسين تستقبل أعداداً كبيرة من القادمين من المدن المنكوبة، الباحثين فيها عن الأمان والمأوى وشيء من الدفء، والحاملين لشهادات مروعة عما عاشوه في مدنهم ساعة الزلزال وما تلاها.
مرسين وشهادات لناجين من الزلزال
تحولت آلاف البيوت والمباني في الولايات التي ضربها الزلزال إلى ركام من الأنقاض كما تعطلت شبكة الغاز الطبيعي إضافة لتضرر خدمات الاتصالات. ما جعل البقاء فيها مستحيلا لذلك بدأ ساكنوها بالتوجه إلى الولايات الآمنة ومنها ولاية مرسين. حيث انتشرت العشرات من العوائل أمام مراكز الإيواء والمساجد .
التقى موقع تلفزيون سوريا عددا من الناجين في مرسين، ويقول حسن محمد صعيدي وهو لاجئ سوري مقيم في أنطاكيا :"أصوات مرعبة سمعتها وقت حصول الزلزال، أصوات جعلتني أفزع من سريري لأنقذ زوجتي وأطفالي. فتحت الباب وهربت أنا وعائلتي إلى الخارج، لينهار بعدها بثوانٍ سقف المنزل. المحزن أنني غادرت المدينة في حين كان ما زال آلاف الأشخاص من أهلها تحت الأنقاض، لم تصل إليهم فرق الإنقاذ بعد، حتى لحظة خروجي من المكان".
عبد الهادي النجار سوري آخر نزح من أنطاكيا إلى مرسين، روى لنا قصته مع الزلزال: "حملت طفلي وركضت به، أمسكت بالدرابزون (حديد الدرج) بقوة، ضممت طفلي، حميته بجسدي، حتى إذا مت، ينتشلوا ابني حيا".
أحمد زاهر حوا القادم لمرسين من عين الزلزال مدينة كهرمان مرعش يصف باقتضاب ما عاشه في أثناء الزلزال: "هزة مرعبة جدا لدرجة أنني لم أستطع الوقوف على رجلي في البداية، وبعدما وقفت، خرجت للشارع، رأيت غبارا يختلط بالمطر، رأيت بناية مهدمة. ركضت لبيت خطيبتي لأبحث عنها، وفي الطريق لم أعد أميز بين البنايات، وجدت البناية التي تسكن فيها نصفها مهدم، لكنها نجت ونجا أهلها".
سيدة سورية من الغوطة الشرقية، مقيمة في أنطاكيا قالت: "صحوت مرعوبة من النوم، ظننت أنني في الغوطة بدمشق، وأن المبنى يهتز نتجة سقوط صاروخ من النظام السوري. الحجارة كانت تتساقط علينا من كل الاتجاهات، لدرجة أننا لم نعد نستطيع رؤية بعضنا من الغبار. احتجت لوقت حتى أدركت أنه زلزال وليس صاروخ، وحتى الآن لا أصدق أنني والحمد لله نجوت أنا وأولادي".
اقرأ أيضا: سوري خسر 45 شخصاً من أقربائه وأصدقائه في زلزال سوريا وتركيا
"بدي بيتنا يلي لونه بني.. بيتنا الخربان أنا كتير حبيته" كلمات قاتلها الطفلة عائشة ذات السنتين، والهاربة مع والديها من الزلزال. وتضيف والدتها ريم سالوخة اللاجئة السورية في أنطاكيا: "كأنه يوم القيامة، صحيت على قوة الزلزال وحملت عائشة وأختها وهربت بهما إلى الحمام، تبعني زوجي حاملا طفلينا الآخرين. بدأنا بالصراخ والبكاء، ثم استسلمنا للموت. عندما هدأ الزلزال هربنا للخارج ووقفنا تحت المطر والبرد والظلام لساعات. جارتي وابنها وأمها كانوا تحت الركام في مبنى مدمر مقابل لبيتنا. ثم جاء جارنا التركي وأركبنا بسيارته حتى توقفت الهزات".
خارج أحد مراكز الإيواء في مدينة مرسين، يقف الشاب السوري أحمد وعائلته الهاربة من الزلزال، قال لنا: "عندما وصلنا إلى مدينة مرسين أخذونا إلى السكن الجامعي لنسكن فيه، لكننا رفضنا أن ندخل المبنى، خفنا أن ينهار علينا كما حصل معنا في أنطاكيا".
كيف استقبلت مرسين الناجين؟
استقبلت مدينة مرسين الناجين من مناطق الزلزال المنكوبة على صعيدين، الأول رسمي، حيث وضعت الحكومة التركية أعداداً منهم في صالة المعارض وآخرين أسكنتهم في السكن الجامعي (وهؤلاء تم إخلاؤهم بانتظار تأمين أماكن أخرى لهم). والثاني أهلي، حيث عملت كل فعاليات المجتمع على تأمين أماكن لسكن النازحين، وضمان حاجياتهم الأساسية.
وعن مشاركة السوريين في استقبال وإغاثة القادمين إلى مرسين، يقول المحامي السوري براق الخليل: "تم تشكيل فرق من المتطوعين السوريين لمساعدة المنكوبين، وحولت عدة جمعيات خيرية سورية موجودة في مرسين مقارها لمستودعات لجمع المساعدات العينية، ولمراكز إيواء للنازحين، وفتح كثير من الأهالي بيوتهم ومحالهم التجارية وممتلكاتهم لاستقبال العائلات المتضررة، وقام بعضهم باستئجار صالات كبيرة، كصالات الأعراس والمستودعات، وحولوها لمراكز إيواء".
وأضف أن "سوريين قدموا المساعدات لمراكز الإيواء، وتشكل أسطول من السيارات المتطوعة التي تقوم بنقل العائلات القادمة إلى مراكز الإيواء وبنقل المساعدات من المتبرعين والجمعيات إلى مراكز الإيواء والمنازل التي يقيم فيها المتضررون.. لقد تحولت الجالية السورية إلى خلية نحل تضم جيشا من الشابات والشبان الذين يجمعون المساعدات ثم يوصلونها لمن يحتاجها، إضافة لتسجيل البيانات المتعلقة بحاجات العائلات المتضررة".
مرسين.. مبادرات سوريّة لمساعدة المتضررين من الزلزال
أطلق السوريون في مدينة مرسين التركية مبادرات فردية ملفتة في الأيام التي تلت الزلزال للمتضررين شملت تبرعات عينية ومادية.
ومن بين المبادرات اللافتة للسوريين في مرسين، تحويل مكتبة "أمواج" السورية مقرها لجمع الثياب والأطعمة وإرسالها للمتضررين. يقول علاء الدين الزهراوي أحد العاملين في المكتبة:" مبادرتنا بدأت بالطلب من الناس التبرع بالثياب والطعام للمتضررين، من خلال صفحتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد الحصول عليها، القيام بتوصيلها للمتضررين السوريين والأتراك، إما عن طريقنا، أو عن طريق متطوعين. وتفاجأنا بالكمية الكبيرة التي وصلتنا من التبرعات وحول شبان سوريين مقار عملهم لمطابخ ميدانية، لإعداد وتوزيع وجبات الطعام على المنكوبين والموجودين في مراكز الإيواء".
ويقول خالد أبو خروب وهو صاحب معمل مواد غذائية في مرسين:" قمنا بتوزيع مواد غذائية وإعانات مالية على المنكوبين بشكل مباشر".
كما أطلق فريق "إنسان" التطوعي في مرسين في اليوم الأول من الزلزال حملة استجابة طارئة لإغاثة المنكوبين النازحين، وعمل على تنظيم عمل الفريق في أربع اتجاهات. وبحسب منهل الشيخ عثمان المشرف العام للفريق، "قمنا بالتنسيق بين مراكز الإيواء وجمع التبرعات المالية والعينية كما فتحنا باب التطوع لاستقطاب متطوعين لينضموا للكادر الرئيسي"، مشيرا إلى أن عمل الفريق يبدأ يوميا من الساعة التاسعة صباحا حتى الواحدة ليلا، وتابع "نعمل جنبا إلى جنب مع باقي الجمعيات والفرق التطوعية العاملة في المدينة لنكون سندا لأهلنا النازحين السوريين والأتراك".