أسقط الزلزال أحمد حلاق عن سريره، فهرب من شقته في البناء الطابقي الذي يقيم فيه، وعندها أحس بأن الأرض تميد من تحته كما الماء، ثم رأى مبنيين لحظة انهيارهما.
ويخبرنا وهو في سيارته بولاية قيصري وسط تركيا عما حدث فيقول: "وقع الزلزال عند الساعة الرابعة وخمس عشرة دقيقة بالضبط".
إذ دمر زلزال شدته 7.8 درجة يوم الإثنين الماضي أبنية وبنية تحتية على امتداد مئات الكيلومترات، وطال معظم الدمار الجنوب التركي وشمال غربي سوريا حيث أخذت أعداد الوفيات تتصاعد لتتجاوز 20 ألفا اليوم الجمعة.
يعمل حلاق في مجال الخياطة بمدينة فريدريكتون الكندية، بيد أنه كان في رحلة عمل إلى تركيا عندما هزها الزلزال، وحول ذلك يخبرنا بأن والدته وشقيقه وشقيقته وعشرة من أبناء وبنات أخيه وأخته أصبحوا بلا مأوى، إذ على الرغم من أن المبنى الذي يوجد فيه بيتهم لم ينهر، إلا أن الحكومة التركية حذرت من العودة إلى المباني قبل التأكد من سلامتها.
شارع في قيصري بعد زلزال يوم الاثنين
يخبرنا حلاق بأنهم يقومون بتشغيل السيارة من أجل التدفئة لأن الجو بارد، إلا أن الوقود لن يبقى للأبد، ثم إن الشعبين السوري والتركي باتا بحاجة ماسة للوازم الأساسية مثل الماء والغذاء والبطانيات الدافئة، ويضيف: "ارتفعت أسعار الغاز بشكل جنوني"، وذكر بأن خمس ليترات من الغاز تكفيهم للتدفئة لمدة ست أو سبع ساعات فقط.
ولهذا كان يخطط للعودة إلى فريدريكتون يوم السبت الماضي، لكنه قد يبقى في تركيا بما أن الوضع غير آمن.
أحمد حلاق وهو في زيارة لأهله بولاية قيصري التركية
يضيف حلاق أنه يحاول أيضاً مساعدة الأسر التي تعاني من ضيق في تلك الولاية، ولهذا يناشد الشعب الكندي ويطلب منه أن يمد يد العون أيضاً، وحول ذلك كتب عبر واتساب ليقول: "بوصفي مواطنا كنديا، أحتاج لمساعدة من قبل الشعب الكندي ليمد يد العون عبر تقديم كم كبير من الملابس الشتوية والأحذية لمن يقيمون في الحدائق، وآمل أن تصل مساعداتكم الإنسانية في أقرب وقت ممكن، إذ لا يمكنكم أن تتخيلوا حجم المصيبة البشرية التي أراها بأم عيني".
حجم الخراب بسبب الزلزال بولاية قيصري التركية
وأعلن وزير التنمية الدولية الكندي يوم الثلاثاء بأن الحكومة الكندية ستقدم 10 ملايين دولار كمساعدات مبدئية لتركيا وسوريا، بيد أنه ذكر أن الحكومة تنتظر أن يصلها أولاً تقييم من قبل فرق الاستجابة للكوارث التابعة للأمم المتحدة في تلك المنطقة، دون أن يتطرق للمدة التي تستغرقها عملية إعداد مثل هذا التقييم.
فقد 45 عزيزاً في الزلزال وأسرته تعيش داخل خيمة
حُرم سليمان أنكير من 45 شخصا من أهله وأصدقائه بعد الزلزال، وتعود أصول أنكير لمحافظة إدلب شمالي سوريا، لكنه ترك سوريا في عام 2012 وسافر إلى تركيا، حيث أقام بولاية مرعش لمدة سبع سنوات قبل أن يصل إلى كندا.
كانت مرعش وإدلب من بين المناطق الأشد تضرراً بسبب الزلزال، ولذلك يخبرنا أنكير بأن الكثير من جيرانه على جانبي الحدود قد توفوا، وبأنه خسر أعز أصدقائه، كما خسرت زوجته أختها، وفقد بعض أصدقائه أولادهم، وعن ذلك يقول: "خسرنا الكثير من الناس الذين كانوا نياماً لحظة وقوع الزلزال".
يخبرنا أنكير أيضاً بأن أنباء بلغته عن أمه ووالده وشقيقته الذين يعيشون كلهم في إدلب، وبأنهم جميعاً مايزالون أحياء، بيد أنهم أصبحوا يقيمون في العراء تحت خيمة، ويستخدمون مدفأة صغيرة للتدفئة والطهي مع وصول درجات الحرارة ليلاً إلى -6.
كانت تلك الأسرة تقيم في بيت مكون من طابق واحد بني قبل خمس سنوات، بعدما دمرت الحرب بيتهم السابق، ولهذا لم يتحقق هذا الرجل من حالة البيت، لكنه أخبرنا بأنه بقي يحاول أن يأتي بأمه وأبيه إلى كندا طوال ثلاث سنوات، ومايزال يعمل على تحقيق ذلك.
يذكر أن البنية التحتية قد تدمرت في تلك المنطقة، كما أن الاتصالات فيها صعبة للغاية، ولهذا يجلس هذا الرجل في بيته ويبحث في هاتفه الجوال وهو يقول: "إنني بحالة انتظار".
كما أنه لا يملك وثائق للسفر بما أنه لاجئ يخضع لإجراءات الحصول على الجنسية، ولهذا لا يمكنه أن يسافر إلى هناك ليقدم المساعدة لأهله، وهذا ما دفعه للقول: "لا يمكنني فعل أي شيء لصديقي ولأخي ولأبي ولأمي".
"خسروا كل شيء"
تخبرنا رهام أبازيد أن أسرتها كانت في تركيا عند وقوع الزلزال، وتقول: "كدت أجن عندما رأيت الصورة، ولم أستطع أن أصدق.. إذ لا بد أن يخطر ببالك المئات من الأشخاص الذين تعرفهم هناك".
بيد أن الأسوأ هو انقطاع الاتصالات، وقلة الأخبار الواردة من هناك، إذ عند الساعة السابعة صباحاً تلقت أول اتصال من أسرتها في سوريا بعد تواصلها مع أقارب لهم في تركيا.
تحدثنا أبازيد عما جرى فتقول: "كل ما أعرفه أن الجميع كانوا نائمين، وكانوا يشعرون بالأمان، ثم وقع الزلزال، فلم يتمكن من يقيمون في الطابق 15 أو 14 من النزول بسرعة كما فعل من يسكنون في الطابق الأول".
وذكرت أبازيد أن أسرة مكونة من 14 فرداً من أقاربها قد ماتوا جميعاً في ذلك الزلزال، ولهذا تقول: "من الصعب عليك أن يحدث ذلك لك وأنت لاجئ تحاول أن تعثر على مكان آمن لتعيش فيه برفقة أطفالك".
تخبرنا أبازيد بأنها سمعت أناساً يسألون عما بوسعهم فعله، إلا أنها لم تتمكن من تقديم إجابة لهم على الفور، وذلك لأن الأمل بات ضعيفاً اليوم، وهذا ما دفعها للقول: "إن كل ما يحلمون به اليوم هو أن يعودوا إلى بيوتهم، بيد أن ذلك مستحيل، لأنهم خسروا كل شيء، وبعضهم لا بد أن يموت في حال عودته، لذا فإن الأمل الوحيد هو أن يحدث لهم ما حدث لي عندما تلقيت مكالمة هاتفية أبلغت من خلالها بأني سأسافر إلى كندا".
المصدر: CBC