ليس النظام السوري وحده من يستثمر سياسيا زلزال 6 من شباط، إذ أصبح "التضامن الإنساني" طريقا مباشرا لإيصال الرسائل السياسية، حيث يزور اليوم دمشق، وزير الخارجية المصري سامح شكري بعد انقطاع دام أكثر من 11 عاما أي منذ قمع الأسد للثورة السورية. وعقب الزلزال بدأ النظام السوري بالمطالبة بإلغاء العقوبات الدولية المفروضة عليه ومحاولات العودة إلى "الحضن العربي"، مستغلا التداعيات الإنسانية للزلزال، لكن الثمن قد يكون علاقته مع طهران.
دبلوماسية الزلزال في سوريا
المتحدث باسم المصالحة السورية التابعة للنظام عمر رحمون، أكد لبرنامج "ماتبقى" الذي يبثه تلفزيون سوريا، أن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان سيزور دمشق من دون أن يحدد موعدا للزيارة، لكنه أشار إلى أن الزيارة ستعقب زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري.
وقالت وكالة أنباء النظام الرسمية "سانا"، إن "شكري" وصل إلى العاصمة دمشق اليوم في زيارةٍ "للتأكيد على التضامن مع سوريا بمواجهة تداعيات الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا، يوم 6 شباط الجاري".
وبحسب بيانٍ صادر عن المتحدّث باسم الخارجية المصريّة أحمد أبو زيد، فإنّ "وزير الخارجية المصري سامح شكري يتوجّه إلى سوريا وتركيا، للمرة الأولى منذ عقد، بعد فتورٍ ساد العلاقة بين القاهرة وكلا البلدين".
وأضاف البيان - نقلته وكالة "فرانس برس" - أنّ "شكري سيزور سوريا وتركيا، بهدف نقل رسالة تضامن من مصر مع الدولتين وشعبيهما الشقيقين عقب كارثة الزلزال، واستعدادها لتقديم يد العون والمساعدة للمتضررين في المناطق المنكوبة".
والسبت، زار وفد من "الاتحاد البرلماني العربي" العاصمة السورية دمشق، والتقى رئيس النظام السوري بشار الأسد.
اقرأ أيضا: ما علاقة تركيا بالمبادرة الإقليمية لحل القضية السورية؟
ويضم الوفد رئيس الاتحاد محمد الحلبوسي ورؤساء مجلس النواب في الإمارات العربية المتحدة والأردن وفلسطين وليبيا ومصر، إضافة إلى رؤساء وفدي سلطنة عُمان ولبنان، والأمين العام للاتحاد البرلماني العربي، إلا أن السعودية وقطر والمغرب لم تكن ممثلة في الوفد الذي ادعى رحمون تمثيله لكل البرلمات العربية.
واعتبر رحمون أن العنوان العريض لزيارة الوفد البرلماني إلى دمشق "إنساني بحت" بسبب الزلزال، لكن الزيارة تحمل رسائل سياسية، رغم أن ممثلي البرلمانات العربية هذه من الدول المطبعة أصلا مع النظام السوري.
هل سيزور وزير الخارجية السعودي دمشق؟
كشف رحمون عن وجود تقدم في الموقف السعودي من النظام لافتا إلى "إجراء لقاءات أمنية في مصر حتى قبل وقوع الزلزال.. لكن الزلزال سرع هذه العملية" مؤكدا على لقاء قريب "سوري سعودي".
وحول إمكانية عودة النظام إلى جامعة الدول العربية والمشاركة في قمة الرياض في آذار المقبل، نفى رحمون وجود معلومات لديه حول هذه النقطة معتبرا أن "قطار التطبيع موجود وسرّعه الزلزال.. وزير الخارجية السعودي ذهب إلى أوكرانيا كمقدمة لزيارة سوريا.. ".
وبرأيّ رحمون فإن زيارة "بن فرحان" المتوقعة إلى دمشق سيتمخض عنها عودة سوريا لجامعة الدول العربية وتقديم العون لمواجهة تداعيات الزلزال ومناقشة عودة اللاجئين والنازحين إلى سوريا.
النظام السوري والتخلي عن إيران
في 15 شباط الجاري، زار وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، دمشق وقال إن زيارته "محطة انطلاق لحل الأزمة في سوريا"، مؤكداً وقوف بلاده "جنباً إلى جنب مع سوريا بعد كارثة الزلزال". وحمل الصفدي شروطا عروبية لإعادة سوريا إلى الحضن العربي، وتتمثل في الابتعاد عن إيران وقطع تهريب المخدرات والكبتاغون إلى الخليج العربي وتطبيق القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن.
وردا على ذلك قال رحمون: "إذا كان المطلوب ابتعاد سوريا عن إيران لتكون فريسة وحيدة في الميدان فهذا لن يكون... سوريا علاقتها مع إيران هي علاقة دولة بدولة وهي مستمرة وأصلا علاقة هذه الدول أقوى من علاقة سوريا..".
وتابع قائلا "تتحدث السعودية عن القرار 2254 إذا كانت طلبات السعودية تتعلق بإيران شيء وإذا كانت تتعلق بالربيع العربي شيء.. آخر لن ننفصل ولن نقطع علاقتنا بإيران لا يمكن لأحد أن يفرض على سوريا ذلك.. العرب لهم مصالح في سوريا قطعت واليوم يريدون استردادها..".
وتعتبر دوائر القرار في الرياض والقاهرة وعَمان أن الزلزال الذي ضربَ شمال غربي سوريا قد يُعزز من نفوذ إيران أكثر في سوريا. هذا ما عبر عنه وصول قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني إلى مدينة حلب قبل وصول بشار الأسد إليها.
ماذا ستقدم دمشق للرياض؟
رحمون أضاف أن "سوريا لن تقدم ماتريده المعارضة السورية"، وتابع "ستفتح الأبواب لاستقبال السوريين الموجودين في الخارج في الأردن وتركيا ولبنان.. ولكن ليس مقابل هيئة حكم انتقالي.. قد يكون هناك دراسة لحكومة مشكلة من الطرفين موالاة ومعارضة.. هناك العديد من الطروحات تحت سقف الدولة.. الأسد باق لنهاية ولايته هذا أمر مفروغ منه.. ولن نقبل إملاءات من أي طرف بالقوة أو بالإجبار .. سوريا تقبل بالحوار مع العرب وقد تقبل بصيغة ما أنا كمتحدث باسم المصالحة أقبل بحكومة موحدة إذا تم طرحها وأطالب الدولة بالقبول بها..".
أما المطالب الخليجية، وخصوصاً السعودية فهي عالية السقف بالنسبة للنظام السوري. إذ يُمكن اختصار هذه المطالب كالآتي:
- بدء العمل على الحل السياسي تحت قرار مجلس الأمن الدولي 2254
- تعديل طبيعة العلاقة القائمة بين النظام السوري وإيران والحد من نفوذها العسكري والأمني والسياسي في سوريا.
- إطلاق سراح الموقوفين المُعارضين من سجون النظام السوري، وكشف مصير عشرات آلاف المفقودين.
- فتح قنوات التواصل الجدي مع المُعارضة السورية.
- تسهيل وصول المُساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري.
- ضمان العودة الآمنة للنازحين السوريين، وعدم التعرض للمُعارضين.
- وقف تصدير المُخدرات من مناطق الساحل والجنوب السوري إلى الدول العربية عبر الأردن، وتفكيك الشبكات المسؤولة عن هذه العمليات.
ونُقِلَت هذه المطالب إلى الأسد عبر قناتيْن: الأولى قناة سياسية عبر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي. أما الثانية فكانت عبر اللقاءات الأمنية التي تجمع مسؤولين من النظام بآخرين سعوديين، وكان آخر لقاء بين الطرفيْن مطلع شهر شباط في العاصمة السورية دمشق.