يشتكي أهالي محافظة إدلب من غلاء غير مسبوق في سوق العقارات، إذ وصلت بارتفاعها لتعادل العقارات في المدن التركية، بحسب الأهالي، الذين اضطر بعضهم للسكن في مناطق خطرة نسبياً كخطوط التماس لعدم قدرتهم على السكن في المراكز الرئيسية للمحافظة.
هذا الأمر دفعنا لسؤال المدنيين، إذ يشكّل المهجّرون النسبة الأكبر منهم، ليكون موضوع حلقة الثلاثاء الاقتصادي لهذا الأسبوع، فهل بات للأمان ضريبة يدفعها المدنيون؟
يرجح ضيفنا حيان حبابة - مستشار اقتصادي في إدلب - أنّ عوامل عدة تتحكم في هذه الأسعار، أوّلها زيادة الطلب والاكتظاظ الكبير بسبب المراكز الحيوية المتوفرة، وتجمع المنظمات في مركز مدينة إدلب، وهذا ما يزيد الرغبة في الاستقرار بالمنطقة، مردفاً: "إذا ما تحدثنا عن الأمان، تعتبر إدلب من المناطق الأكثر استقراراً شمال غربي سوريا مقارنة بغيرها في أرياف حلب مثلاً".
ومن عوامل التحكّم في الأسعار، ارتفاع أسعار مواد البناء أيضاً، فمثلاً بلغ سعر الحديد 800 دولار للطن الواحد، بينما كان قبل سنة 500 دولار، والإسمنت 90 دولاراً للطن وكان قبل عام 60 دولاراً، مما أوصل سعر المتر الواحد في المركز ليتراوح بين 350 و400 دولار".
سوق المحروقات في إدلب
أما عن التغيّرات في سوق المحروقات فيقول "حبابة"، إنّ هذه التغيرات من ارتفاع وانخفاض مع زيادة الشركات المستثمرة، لن يكون لها تأثير كبير لكونها قصيرة ومؤقتة، بل الأزمات العالمية هي مَن تلقي بظلالها على سوق العقارات كالحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنّ المورّد الرئيسي لمواد البناء إلى الشمال السوري هي تركيا، التي بطبيعة الحال تستورد من أوكرانيا.
وبخصوص السؤال عن مؤشرات الحالة الاقتصادية في إدلب كالبطالة والفقر (ونفاد المدخرات وانخفاض القدرة الشرائية)، ما إن كانت هي سبب أيضاً في ارتفاع الأسعار؟ يجيب "حبابة"، أنّ هذه المؤشرات لن تزيد الأسعار بل على العكس، فمثلاً نفاد المدخرات سيغيّر بشكل السوق، إذ صاحب العقار يتجه للبيع أو للتأجير بهدف سد حاجاته الأساسية، مما يزيد المعروض في الأسواق وبالتالي نزول الأسعار.
وفيما يتعلق بالإيجارات، يُرجع "حبابة" سبب ارتفاعها في المناطق الحيوية، إلى الوجود الكبير للمنظمات والعاملين فيها داخل هذه المناطق، والتي من المعلوم أن رواتب موظفيها تُدفع بالدولار الأميركي، ما يزيد من طمع أصحاب العقارات باستغلال حاجة الموظفين للسكن قريباً من مكان عملهم، وتسعير العقار بالدولار الأميركي وبسعر أعلى من أطراف المدينة، وهذا ما يمنع وصول باقي السكّان إلى المركز بعد رفع السعر لما يقارب السوق التركي في بعض الأحيان.
كذلك التنقّل الدائم وعدم الاستقرار للعاملين في المنظمات يحول دون شرائهم العقار، مما يدفع أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في العقارات وبناء العقارات للتأجير غير الاضطراري بحسب السعر الذي يريده، لأنّ معظم المنظمات العاملة في المنطقة استأجرت شققاً سكنية لتكون مقاراً لعملها، وهذه أيضاً من العوامل التي رفعت الأسعار.
ختاماً ينصح المستشار الاقتصادي في إدلب حيّان حبابة، أنّ مَن لديه عقار فليُبقي عليه لكون الاستثمار في مجالات أُخرى غير متاح وغير آمن، فضلاً عن عدم وجود بنية استثمارية نتيجة عدم الاستقرار السياسي، وعلى سبيل المثال، التأجير بـ100 دولار أميركي شهرياً مقبول، إذا كان حجم الاستثمار عشرة آلاف دولار في العقار.
أمّا بالنسبة لـ"حكومة الإنقاذ" (الذراع الإداري لـ"هيئة تحرير الشام") فلا تستطيع بقرارتها العامة وضع لجنة تخمين للإيجار وغيره من القوانين النظرية التي تنظّم سوق العقارات، فبدلاً من هذه العناوين العريضة كان الأنجع أن تضع "الإنقاذ" سقفاً أعلى للإيجار وتقييم وضع العقار بحسب المنطقة ونوعية العقار ومساحته، أي وضع تفاصيل دقيقة لكل عقار حتى يتم ضمان حق المستأجر وصاحب العقار في آن معاً.