لم تمنع المخاطر على "طرق الموت" المئات من الأطفال السوريين من الوصول إلى هولندا "دون ذويهم" بحثاً عن مستقبل لهم ولعائلاتهم. حيث أعلنت إحدى البلديات الهولندية أنها ستستقبل ثمانين طفلاً قدموا مؤخراً ضمن موجة اللجوء التي تشهدها البلاد منذ أشهر.
بلدية هولندية تستقبل 80 طفلا سوريا
وقالت بلدية تيلينغن إنها ستستقبل مؤقتاً ثمانين طفلاً فروا إلى هولندا من دون ذويهم، مشيرة إلى أن الموقع المجاور لمحطة الإطفاء في باركلان في منطقة ساسنهايم مناسب لهم.
ولفتت البلدية إلى أنه نظراً إلى أن الموقع لا يزال بحاجة إلى تكييف وتأثيث، لذلك فمن المحتمل أن يتم افتتاح الملجأ في النصف الثاني من شهر تشرين الثاني.
أعمار الأطفال تتراوح بين 14 و17 عاماً بحسب ما نشرت الوكالة المركزية لطالبي اللجوء "كوا" مشيرة إلى أنهم "أطفال لاجئون من سوريا".
وكانت رئيسة البلدية كارلا بروير قد قالت: "الآن بعد أن أصبح الموقع في ساسنهايم مناسباً لإيواء مؤقت، يمكن للبلدية المساهمة في حل مشكلة اللجوء"، مشيرة إلى أن البلدية "بذلت كثيرا من الجهد من أجل سلامة الضيوف المؤقتين والمقيمين لدينا".
وبحسب ما ذكرت وسائل الإعلام الهولندية ستبقى تلك المجموعة هناك نحو ثلاثة أشهر ومع ذلك ستبقى الكبائن في مكانها لمدة عام، مع خيار التمديد لمدة ستة أشهر أخرى.
اقرأ أيضا: لماذا ستزداد فترة انتظار طالبي اللجوء في هولندا؟
ووفقاً لوسائل الإعلام الهولندية سيكون الاستقبال بسيطاً لكن ظروف هؤلاء الأطفال ستكون جيدة وآمنة قدر الإمكان.
وتشير البلدية إلى أنه سيكون هناك كبائن للنوم والمعيشة وتتسع كابينة النوم لأربعة أشخاص، ولكن "كوا" ستضع شخصين في كل كابينة.
وستنظم البلدية العديد من الأنشطة للأطفال وسيخضعون للإشراف كما سيوجد أيضاً "أمن" على مدار الساعة.
وتلقى نحو 500 من السكان الذين يعيشون بالقرب من الثكنات ورجال الأعمال المحيطين بالموقع رسالة حول قرار البلدية باستقبال اللاجئين السوريين.
مقترح يرفض استقبال الأطفال
بدوره تقدم حزب "قائمة سخينك" المحلي بمقترح لعدم استقبال الأطفال السوريين في البلدية، لكن مجلس البلدية رفض المقترح.
ووصف حزب "قائمة سخينك" القرار بأنه "غير ديمقراطي"، معبراً عن خشيته من الإزعاج، ويقول المقترح إن "القصص عن الإزعاج والجريمة والاضطرابات من تير آبل معروفة جيداً وربما سنواجه مثل هذه المشكلات مع ملجأ الطوارئ".
ورفضت عدة أحزاب أبرزها "ديمقراطي 66" و"خرون لينكس" وحزب "الشعب"، مقترح سخينك، وقالت "إن هولندا تشهد أزمة استقبال منذ أشهر، وتير آبل ممتلئ"، مضيفة بأن البلدية تأخذ على عاتقها مسؤوليتها من خلال توفير مأوى مؤقت للأزمات".
وقالت عمدة المدينة كارلا بروير عن اقتراح سخينك: إن "عدم قبول اللاجئين أمر مخزٍ"، مضيفة "هولندا دولة متحضرة التزمت باستقبال من فروا من العنف".
والشهر الماضي، انتقل ما لا يقل عن 150 طفلاً من طالبي اللجوء إلى مركز استقبال تير آبل إلى مكان آخر من البلاد، وفقاً لمؤسسة "نيدوز" التي ترعى هذه الفئة من طالبي اللجوء.
وانتقد رئيس مجلس الإدارة مؤسسة "نيدوز" تانو كلين أوضاع الأطفال في تير آبل، ووصفها بالصعبة وقال: "إنه أمر لا يمكن تفسيره حقاً.. الأطفال يضطرون للنوم على الكراسي دون أُفق أو معرفة لما سيحدث لهم".
وذهب خمسون طفلاً منهم إلى مراكز إيواء في جنوب البلاد قبل ما يقارب الشهر، حيث سيمكنهم البقاء لعدة أسابيع على الأقل.
ومنذ بداية أزمة اللجوء التي تشهدها البلاد مؤخراً وصل عدد كبير من الأطفال السوريين القصر دون ذويهم إلى هولندا.
وذكر الموقع الرسمي لدائرة الهجرة والتجنيس "IND" أن عدد طلبات اللجوء المقدمة من قبل الأجانب القصر غير المصحوبين في شهر آب أغسطس الماضي وصل إلى 588 وكان معظمهم من سوريا حيث وصل عددهم إلى (367)، إضافة إلى (89) إريتريا و(24) من الصومال و(18) من اليمن و(16) من العراق.
وفي شهر تموز، بلغ عدد طلبات اللجوء المقدمة من قبل الأجانب القصر غير المصحوبين إلى 449 منهم 243 من سوريا.
قصص الأطفال السوريين تبكي الموظفين
وفي تموز الماضي، ذكر تقرير أن موظفي IND الذين يتعين عليهم التحقق من قصص اللجوء للأطفال غير المصحوبين بذويهم يعانون من هذه الجلسات ويصفوها بـ"القاسية للغاية".
وقالت إحدى أولئك الموظفات المحققات وتدعى جويس لصحيفة "دي فولكس": "أخبرني أحدهم ذات مرة أنني أبدو مثل والدته وانفجر في البكاء (..) وكان علي أنا أيضاً أن أحارب دموعي!".
ويأتي أكثر من نصف القاصرين من سوريا التي لا تزال تشهد حربا منذ أكثر من عشر أعوام.
ومقارنة بعام 2020، زاد عدد القاصرين المتقدمين للحصول على اللجوء في هولندا بأكثر من الضعف، من 985 على التوالي في عام 2020 إلى 2191 في عام 2021، وهذا ما يقرب من عشرة في المئة من إجمالي عدد طلبات اللجوء في عام 2021.
وخلال الأشهر الماضية شهد مركز إيواء تير آبل ازدحاماً كبيراً حيث نام مئات الأشخاص في الخيام وعلى الكراسي في انتظار تسجيلهم.
وكان "مجلس أوروبا" قد قال في رسالة إلى مجلس الوزراء الهولندي إن حقوق الإنسان لطالبي اللجوء معرضة للخطر.
وتشير مفوضة حقوق الإنسان دنيا مياتوفيتش، من بين أمور أخرى، إلى وفاة طفل رضيع في مركز التسجيل المكتظ في تير أبيل.
وعلى الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان سبب الوفاة له علاقة بالظروف، فإنها تؤكد على ضرورة أن "الأشخاص المعرضين للخطر بشكل خاص" يجب أن يتلقوا رعاية لائقة في أسرع وقت ممكن.
وعلى مدار الأشهر الماضية وصل الآلاف من طالبي اللجوء خصوصاً السوريين إلى هولندا بحثاً عن الأمان لهم ولأطفالهم الأمر الذي تسبب باكتظاظ مراكز الإيواء.
وعلى إثر الأزمة أعلنت الحكومة الهولندية عن عدة إجراءات لحل أزمة اللجوء التي تشهدها البلاد منذ أشهر وكان أبرزها التشديد "المؤقت" للم شمل أُسر طالبي اللجوء حيث قد تصل فترة انتظار طالبي اللجوء للم شمل ذويهم إلى مدة عام ونصف.
ومنذ بداية العام الجاري، وصل أكثر من 13 ألف لاجئ سوري إلى هولندا، وعلى مدار العشرة أعوام الأخيرة فر من الحرب في سوريا عشرات آلاف اللاجئين السوريين إلى هولندا وحصل عدد كبير منهم على الجنسية الهولندية، في حين ينتظر البقية الحصول عليها بعد أن يستوفوا الشروط اللازمة وأبرزها امتحانات اللغة.
ويقدر عدد السوريين في هولندا بأكثر من مئة وستة وعشرين ألف شخص بحسب التقارير الرسمية.