استيقظ الأهالي في مناطق النظام الثلاثاء الماضي، على قرارٍ سبّب لهم حالةً من الصدمة، بعدما أعلنت حكومة الأسد إلغاء التوقيت الشتوي واعتماد التوقيت الصيفي على مدار العام، زاعمة أن العمل بالنظام الجديد ستكون له فوائد كثيرة للدولة والمواطنين، بينما وجد معظم السوريين أن هذا القرار سيكون له سلبيات عديدة توثر على حياتهم اليومية.
وجرت العادة في سوريا أن يتم تأخير الساعة 60 دقيقة مع دخول فصل الشتاء، في أواخر تشرين الأول من كل عام، ثم يُعاد تقديمها 60 دقيقة في مطلع نيسان من كل عام، إلا أن الأسد قرر إلغاء العمل بالنظام السابق، واعتماد التوقيت الصيفي بشكلٍ دائم.
قرار لمصلحة حكومة النظام
حكومة النظام زعمت أن إلغاء العمل بنظام التوقيت الشتوي، له فوائد كبيرة على مستوى توفير الطاقة، وأيضاً على المستوى الاقتصادي والسياحي.
وأوضح رئيس الجمعية الفلكية التابعة للنظام، محمد العصيري، لصحيفة الوطن الموالية، أن الدراسات أثبتت أن اعتماد التوقيت الصيفي يُوفر نحو 3,5% من الطاقة، نتيجة استثمار أكبر فترة ممكنة من الإنارة من ضوء الشمس، مشيراً إلى أن من فوائد التوقيت الصيفي من الناحية الاقتصادية أنه يفتح المجال أمام المحال التجارية والأسواق والفعاليات السياحية لممارسة عملها ساعات أطول، وإتاحة الفرصة للمواطنين للتسوق لفترة أطول خاصةً في الشتاء.
وأفاد المحلل الاقتصادي، محمد بكور، لموقع "تلفزيون سوريا"، أن "النظام يعيش أزمة اقتصادية خانقة، ويُفتش عن أي حلول لتوفير النفقات، ما دفعه لإلغاء التوقيت الشتوي لتوفير مبالغ مالية على تشغيل الانارة والتدفئة، كون النهار سيزداد طولاً بمقدار ساعة، وبالتالي فإن الأسد أصدر هذا القرار لخدمة مصالحه، من دون أن يحسب نتائج هذا القرار الطائش على المواطنين".
أعباء مالية جديدة
قبل إلغاء التوقيت الشتوي كانت الشمس خلال أشهر الشتاء، تشرق بين السادسة والنصف والسابعة إلا ربع، وبالتالي فإن المواطنين كانوا يذهبون إلى أعمالهم في الضوء، ولكن الآن أصبحوا مضطرين للخروج صباحاً وسط الظلام الدامس، لكون الشمس ستشرق بين السابعة والنصف والثامنة إلا ربع، خاصةً في شهري كانون الأول والثاني.
إلغاء التوقيت الشتوي قد يُكبّد المواطنين أعباءً ماليةً جديدة، والتي تحدث عنها الباحث الاقتصادي، يونس الكريم قائلاً: "خلال الفترة المقبلة سيستيقظ الناس صباحاً وما زال الظلام دامساً في بيوتهم، لذا مع غياب التيار الكهربائي، سيضطرون لتشغيل المولدات والشواحن والبطاريات لتأمين الإضاءة، إلى جانب حاجتهم لمصادر التدفئة، وهذا يُكبدهم مصاريف مالية".
وأضاف الكريم لموقع تلفزيون سوريا: "مع اعتماد التوقيت الصيفي دائماً، سيزداد طول النهار، وبالتالي يصبح المواطن بحاجة لوجبات طعام أكثر، وهذا يؤدي لتحميله نفقات إضافية، أو سيعاني من الجوع".
وتابع الكريم قائلاً: "سابقاً مع التوقيت الشتوي كان النهار قصيراً، ولم يكن هناك وقت لاستقبال الضيوف مساءً، أما الآن فسيصبح النهار أطول، وسيضطر السوريون المنهكون اقتصادياً لاستقبال الضيوف، وهذا يتطلب منهم تأمين مستلزمات إكرام الضيف، في وقتٍ لا يستطيع أغلب المواطنين تأمين لقمة عيشهم".
مزيد من الأمراض والحوادث المرورية
معظم الأهالي المقيمين في مناطق النظام السوري، عبّروا عن استيائهم من إلغاء التوقيت الشتوي، لأن ذلك سيؤدي إلى خروج الطلاب والموظفين لأعمالهم في الظلام.
يقول أبو عدنان من سكان صحنايا بريف دمشق: "مع إلغاء التوقيت الشتوي سيضطر جميع الطلاب والموظفين للذهاب إلى عملهم في الظلام، وبالتالي سيكون الطقس شديد البرودة قبل طلوع الشمس، ما يتسبّب في زيادة الأمراض، خصوصاً الأطفال الصغار الذين يخرجون مع أمهاتهم الموظفات إلى الحضانات أو المدارس".
أبو عدنان لفت الانتباه كذلك إلى مشكلة كبيرة ستتفاقم مع إلغاء التوقيت الشتوي، وهي أن الفترة ما بين الفجر وطلوع الشمس، والتي سيخرج فيها الناس إلى وظائفهم ومدارسهم، يزداد فيها الضباب والصقيع على الأرض، ما يتسبّب في زيادة الحوادث المرورية.
اضطرار المواطنين خلال الفترة المقبلة للخروج في فترة الصباح الباكر وقبل طلوع الشمس، سيجعلهم يعانون كثيراً من تأمين المواصلات، كون كثير من أصحاب السرافيس قد لا يخرجون لعملهم باكراً خلال فترة الظلام، إضافةً إلى أن معظم السائقين سيضطرون للقيادة ببطء خشية الانزلاق بسبب الصقيع في الشتاء، ما يخلق أزمة مرورية خانقة، تؤدي إلى تأخير الموظفين والطلاب عن مهامهم.
"هبة"، طالبة جامعية من أهالي مدينة حلب، تحدثت عن مشكلات أخرى ستظهر بسبب إلغاء التوقيت الشتوي، حيث قالت: "أغلب الفتيات والنساء اللواتي كنّ يذهبنّ لوحدهنّ إلى عملهنّ أو جامعاتهنّ، لن يجرؤن الآن على الخروج صباحاً في العتمة، خوفاً من الخطف والتحرّش، كما أن الكلاب الضالّة تنشط في هذه الفترة، وقد تهاجم الناس صباحاً مستغلةً غياب الضوء، وهذه مشكلة حقيقية ستشلّ حركة المواطنين وتعطلهم عن أعمالهم".
مشكلات اجتماعية
اعتماد التوقيت الصيفي دائماً، سيؤدي لظهور مشكلات اجتماعية أيضاً، ففي الشتاء سيتأخر أذان الفجر للساعة السادسة والربع، وبالتالي فإن الموظفين الذين يقيمون في أطراف المدن أو المناطق الريفية، سيُحرمون من أداء صلاة الفجر، لكونهم سيضطرون للذهاب إلى عملهم قبل الساعة السادسة.
أم رياض، من سكان حي الزاهرة في دمشق، لفتت الانتباه إلى مشكلة أخرى سيعاني منها الأهالي بسبب إلغاء التوقيت الشتوي وتأخر طلوع الشمس، حيث إن هذا سيجعل الأمهات يعانين من صعوبة إيقاظ أطفالها للذهاب إلى مدارسهم، لكون اشتداد الظلام حينذاك.
وأضافت أم رياض أنه "سابقاً أغلب الأهل كانوا معتادين على تدريس أبنائهم صباحاً بعد أداء صلاة الفجر، حيث يكون هناك ساعتان من الوقت قبل الذهاب إلى المدارس، إضافةً إلى أنه في هذا الوقت يكون العقل في قمة نشاطه، أما مع إلغاء التوقيت الشتوي فسيتأخر موعد صلاة الفجر لبعد السادسة، وبالتالي بالكاد تلحق الأم تحضير الفطور لأطفالها وإرسالهم للمدرسة، ولن يكون لديها الوقت الكافي لتدريسهم في هذه الفترة الذهبية".
كذلك عبّر الفلاحون عن استيائهم من إلغاء التوقيت الشتوي، حيث إن ذلك سيتسبّب في تأخير طلوع الشمس حتى الساعة الثامنة صباحاً، وهذا يؤثر على المزروعات التي تحتاج إلى ضوء الشمس باكراً، إضافةً إلى أن هذا القرار سيؤدي إلى تأخر الفلاح في ذهابه إلى العمل، ما يعني تأخير وصول الخضار والفواكه إلى سوق الهال، وبالتالي تأخر وصولها إلى الأسواق.
يذكر أنه في الثمانينات من القرن الماضي، ألغى نظام حافظ الأسد التوقيت الشتوي لعامٍ واحد فقط في عهد حكومة عبد الرؤوف الكسم، لكن الاستياء الشديد من قبل السوريين، اضطر الأسد إلى إعادة العمل مجدداً بنظام التوقيتين الصيفي والشتوي.