أثار قرار حكومة النظام السوري إلغاء العمل بالتوقيت الشتوي واعتماد التوقيت الصيفي على مدار العام، جدلاً واسعاً في مناطق سيطرته، التي تعاني من أزمات اقتصادية متعددة.
ولم توضح حكومة نظام الأسد أسباب إلغاء العمل بالتوقيت الشتوي المعتمد منذ عقود في سوريا الذي يبدأ في الشهر الثاني من الموسم الدراسي.
وكانت سوريا تعتبر من دول الشرق الأوسط التي تعتمد نظام التوقيت الصيفي والتوقيت الشتوي، إذ تبعد عن خط الطول الأول، غرينيتش، بمسافة خطي طول إلى الشرق، بفارق ساعتين عن التوقيت العالمي، وينضم إليها لبنان والأردن.
وكان يبدأ العمل بالتوقيت الشتوي يوم الجمعة الأخير من شهر تشرين الأول، ويتم تأخير الساعة مدة 60 دقيقة، في حين يبدأ العمل بالتوقيت الصيفي يوم الجمعة الأخير من شهر آذار ويتم تقديم الساعة مدة 60 دقيقة.
هذا القرار أحدث صدمة لدى كثير من سكان مناطق سيطرة النظام السوري، باعتبار أنهم اعتادوا على العمل وفق توقيتين، إلى جانب ما يسبب ذلك من مخاوف الخروج إلى الدوام في أوقات العتمة في ظل انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.
ما سبب إلغاء التوقيت الشتوي في سوريا؟
وقال مصدر في مجلس الوزراء التابع لنظام الأسد، إن "السبب الرئيسي وراء اعتماد التوقيت الصيفي بشكل دائم هو تقليل استهلاك الطاقة ومحاولة زيادة الإنتاج".
وأضاف المصدر (فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية) في حديث إلى موقع "تلفزيون سوريا" أن القرار اقترحته الحكومة منذ عدة سنوات، ولكن لم يجر تنفيذه لأسباب بيروقراطية وتدخل جهات عليا في توقيفه.
وأشار إلى أن "الحكومة لا تنظر إلى رفض أو قبول المجتمع السوري لأي قرار يتم اتخاذه، فهذا تحصيل حاصل كما هو معروف في سوريا".
وأشار إلى أن "الحكومة عجزت خلال السنوات الخمس الماضية بشكل أساس على تأمين كميات كافية من المحروقات، ما أثر على وضع الطاقة والكهرباء، ويرجع ذلك إلى ازدياد نسب الفساد والسرقة، وغلاء الأسعار مع انهيار قيمة الليرة السورية أمام الدولار".
وأكّد المصدر أن القرار سيصب في مصلحة الحكومة لأنه سيقلل من استخدام الإضاءة والتدفئة في المؤسسات والشركات والدوائر التابعة لها، ما يخفض من النفقات ويزيد من الأرباح ويقلل من الأعباء المترتبة عليها".
ما رأي السوريين في إلغاء التوقيت الشتوي؟
واستطلع موقع "تلفزيون سوريا" آراء عدد من السوريين في قرار حكومة نظام الأسد في إلغاء العمل بالتوقيت الشتوي، حيث تباينت الآراء، وإن كان معظمها ضد القرار.
وقالت منى الشرباتي، إن القرار غريب صراحة، فمن غير المعقول أن نرسل أبناءنا إلى المدارس حين تكون الشوارع عتمة، حيث تكون الطرقات مظلمة مع انقطاع الكهرباء بشكل دائم ما يشعرنا بعدم الأمان.
وأضافت الشرباتي لموقع "تلفزيون سوريا" أنهم يقولون إن ذلك لتوفير الكهرباء والطاقة والمحروقات، أنا أشعر أن ذلك غير حقيقي، بل هو لسرقة البنزين والمازوت مع دخول الشتاء.
من جانبه، قال قتيبة عبد الرحيم، أذكر أن رئيس الوزراء عبد الرؤوف الكسم (1980 - 1987) ألغى التوقيت الشتوي وأثبت القرار حينئذ فشله الذريع، لأن الأصل في سوريا هو العمل بالتوقيت الشتوي وليس الصيفي".
وأضاف في حديث لموقع "تلفزيون سوريا" أن تقليد الدول الأخرى يجب أن يكون مدروساً وليس اعتباطياً، يعني نحن بخط استواء مختلف عن أوروبا، وغروب وشروق الشمس لدينا بساعات مختلفة لذلك توقيف العمل بالتوقيت الشتوي لا أظنه صائباً".
واعتبرت عُلا عطية أن القرار جيد، لأنه لن نضطر للاستيقاظ أكثر من مرة من أجل صلاة الفجر أو إعداد الفطور للأولاد، حيث نخرج مباشرة من دون انتظار، ويبقى العام كله بروتين واحد.
وأضافت عطية لموقع "تلفزيون سوريا" أنه ربما قد يكون الأمر للعمال والموظفين الذين يعملون لساعات طويلة شاقاً لأن أعمالهم قد تزيد ساعة في حال كانوا يغلقون مع حلول الليل وليس بعدد ساعات عمل محددة.
هل من سلبيات للتوقيت الصيفي؟
وقال رئيس الجمعية الفلكية في سوريا محمد العصيري إن شروق الشمس يتأخر بالتوقيت الصيفي في فصل الشتاء والتي تتراوح ما بين السادسة وحتى السابعة كأقصى حد، ولكن مع ساعات الفجر الأولى تكون الإضاءة انتشرت في الفضاء ولذا يكون هناك ضوء ولو لم تشرق الشمس بمعنى لا يكون هناك ظلام كما يظن بعضهم، وفق صحيفة "الوطن" المقربة من النظام السوري.
وأضاف أن الدراسات أثبتت أن اعتماد التوقيت الصيفي يوفر نحو 3.5 في المئة من الطاقة بسبب أنه يتم استثمار أكبر فترة ممكنة من الإضاءة من ضوء الشمس، مشيراً إلى أن من فوائد التوقيت الصيفي من الناحية الاقتصادية أنه يتم فتح المجال أمام المحال التجارية والأسواق والفعاليات السياحية لممارسة عملها ساعات أطول.
وتعاني مناطق سيطرة النظام من أزمة محروقات منذ سنوات، زادت حدتها خلال الأشهر الأخيرة، حيث يجد المواطنون صعوبة في توفير البنزين والمازوت وغيرها من المشتقات النفطية، إلى جانب انعكاس ذلك على قطاع الكهرباء عبر زيادة ساعات التقنين.
وكان النظام تحدث في حزيران الماضي، عن انفراجات قريبة لأزمة المحروقات في مناطق سيطرته، عقب وصول ناقلتين من النفط الإيراني إلى بانياس، إلا أن المواطنين لم يلتمسوا أي فوارق بهذا الخصوص.
ماذا عن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام؟
وسبق أن ألغت المجالس المحلية في المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري، في كل من شمالي وشرقي حلب والرقة والحسكة، ألغت آلية تقديم وتأخير الساعة، منذ سنوات، تماشياً للتوقيت مع الأراضي التركية التي تعتمد التوقيت الصيفي طوال أيام السنة.
أما "حكومة الإنقاذ" في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب ومحيطها، و"الإدارة الذاتية" في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، فكانتا تعملان بآلية تقديم وتأخير الساعة التي تعتمدها حكومة النظام السوري.
متى بدأ تطبيق التوقيت الصيفي تاريخياً؟
والتوقيت الصيفي هو تغيير التوقيت الرسمي في بلاد أو مناطق معينة مرتين سنوياً ولمدة عدة أشهر من كل سنة. تتمُّ إعادة ضبط الساعات الرسمية في بداية الربيع، حيث تقدم عقارب الساعة ستين دقيقة. أما الرجوع إلى التوقيت العادي، أي التوقيت الشتوي، فيتم في موسم الخريف.
والهدف من زيادة ساعةٍ للتوقيت الرسمي هو تبكير أوقات العمل والفعاليات العامة الأخرى، لكي تنال وقتاً أكثر في أثناء ساعات النهار التي تزداد تدريجياً من بداية الربيع حتى ذروة الصيف، وتتقلَّص من هذا الموعد حتى ذروة الشتاء.
وتنبع ظاهرة ازدياد ساعات النهار في موسمي الربيع والصيف وتقلصها في الخريف والشتاء من ميل محور دوران الكرة الأرضية بنسبة 23.4 درجة مقارنة بمستوى مساره حول الشمس.
وكان الأميركي بنجامين فرانكلين أول من طرح فكرة التوقيت الصيفي في عام 1784، ولكن لم تبد الفكرة جديةً إلا في بداية القرن العشرين، حيث طرحَهَا من جديدٍ البريطاني وليام ويلت الذي بذل جهوداً في ترويجها. وقد انتهت جهوده بمشروع قانون ناقشه البرلمان البريطاني في عام 1909 ورفضه.
وتحقَقت فكرة التوقيت الصيفي لأول مرة في أثناء الحرب العالمية الأولى، حيث أجبرت الظروف البلدان المتقاتلة على وجود وسائل جديدةٍ للحفاظ على الطاقة. فكانت ألمانيا أول بلدٍ أعلنت التوقيت الصيفي، وتبعتها بريطانيا بعد فترة قصيرة.