وسط ارتفاع غير مسبوق بالأسعار وتآكل القدرة الشرائية للسوريين، حل شهر رمضان هذا العام بطقوس مختلفة، وسط مخاوف من صدمة للجمعيات الخيرية التي كانت العديد من الأسر تعتمد عليها، لتعذر قدرتها على جذب التبرعات نتيجة تحييد التضخم لشريحة واسعة من المرتاحين مادياً.
لم تستطع كثير من الأسر في مناطق سيطرة النظام السوري "تموين" حاجيات الشهر كما جرت العادة بأن يكون هذا الإجراء طقساً من طقوس الشهر، عبر النزول إلى الأسواق والتبضع، فقد وقفت الأسعار المرتفعة في وجه الكثيرين، وحرمتهم من تأمين ما تتطلبه السفرة عادةً سواء على الإفطار أو السحور.
بدون فتوش
الأسرة المؤلفة من 5 أشخاص، لو احتاجت أن تصنع صنفاً واحداً على الإفطار من الرز وقليل من اللحم واللبن، تحتاج إلى 18 ألف ليرة كيلو شرحات دجاج أو نصف كيلو لحم بقري كأدنى تقدير، و2 كاسة رز (نصف كيلو تقريباً) بـ 3500 ليرة، وكيلو لبن بـ 2500 ليرة، وبذلك ستصل الكلفة إلى 24 ألف ليرة، ومع إضافة باقي المستلزمات للطبخة الواحدة من زيت نباتي أو سمن واستهلاك غاز، مع قليل من العصير، ترتفع الكلفة إلى 30 ألف ليرة.
ولو فكرت العائلة إضافة طبق من السلطة فستزيد الكلفة 10 آلاف ليرة مع إضافة قليل من الزيت علماَ أن وسطي سعر الخيار والبندورة 4000 ليرة، وبذلك تصل كلفة وجبة الإفطار إلى 40 ألف ليرة، لكن طبق السلطة أو الفتوش التقليدي على الموائد الرمضانية سيكون مستبعداً هذا العام وفقاً لكثير من الأسر.
وبإضافة وجبة السحور التي غالباً لا تخلو من البيض كونه أكثر العناصر الغذائية إشباعاً وشيوعاً في رمضان، فإن كلفة سلق 5 بيضات تصل إلى 2500 ليرة (البيضة بـ 500 ليرة)، ولو وضع صنف واحد فقط من النواشف المعتادة مثل اللبنة بمقدار نصف كيلو لـ 5 أشخاص (الكيلو بـ 10 آلاف ليرة)، تكون كلفة السحور بأدنى تقدير 7500 ليرة، ومع إضافة الشاي والسكر ترتفع أكثر.
من دون حلويات
وستستغني غالبية الأسر بحسب استطلاع لموقع تلفزيون سوريا، عن الحلويات التي تعدّ تقليدا رمضانيا، وذلك نتيجة لارتفاع أسعارها فقد وصل سعر الوربة بفستق على سبيل المثال إلى 2500 ليرة، وستستغني الأسر أيضاً عن التمر الذي وصل سعر الكيلو من النوع الوسط إلى 18 ألف ليرة.
ووفقاً لما ذكر أعلاه، تكون كلفة اليوم الواحد من رمضان نحو 37500 ليرة باستثناء السلطات وتنويع الأطباق والأصناف على المائدة، ما يعني تخلي الأسر عن طقس تنوع الوجبات. وبهذا المبلغ تكون كلفة 30 يوم إفطار وسحور بالحدود الدنيا في رمضان مليوناً و125 ألف ليرة، في حين أن وسطي رواتب القطاع العام 90 ألف ليرة سورية، والخاص 350 ألف ليرة.
وستتجه بعض الأسر إلى جعل الفول بلبن أو زيت، أو التسقية (فتة بسمنة أو زيت) كطبق رئيسي نتيجة ارتفاع الأسعار الكبير، أو الإكثار من طهي المعكرونة، في حين ستتجه أسر أخرى لاختصار السحور، والاعتماد على وجبة الإفطار فقط، وسط استطلاع الموقع.
"ما في عزايم ولا سكبة"
وكما استغنت الأسر عن عاداتها الغذائية في رمضان، فستستغني عن عاداتها الاجتماعية التي تتمثل بالولائم وتبادل أطباق الطعام بين الجوار (السكبة)، لعدة أسباب، حيث أكدت أم وحيد لموقع تلفزيون سوريا وهي ربة منزل في الستين من العمر، أن "إرسال طبق طعام للجيران بات محرجاً للطرفين، فقد تكون الوجبة غير كافية أو محتوياتها مخجلة، إضافة إلى أنها ستجبر الطرف الآخر على رد الطبق وقد يكون ذلك حملاً ثقيلاً عليه".
وباتت الولائم بالنسبة لأم وحيد وغيرها، أمراً مستبعداً، فقد تصل كلفة عزيمة 10 – 12 شخصاً، لنحو 400 ألف ليرة، نتيجة ضرورة تنويع الأطباق لـ 3 أنواع على الأقل والتركيز على ما "يشبع العين والمعدة" بحسب أم وحيد، حيث من المعتاد أن يكون اللحم أساساً فيها، في حين وصل سعر كيلو الصفيحة الجاهزة على سبيل المثال إلى 60 ألف ليرة وقد تحتاج لـ 2 كيلو، ولو احتجت 2 كيلو لحم لطبخة إضافية فهذا يعني 80 ألف ليرة، و2 كيلو صدورة دجاج لطبق ثالث بـ36 ألف ليرة، أضف إلى ذلك الفتات والسلطات والتمر، ومستلزمات الطهي من زيت وسمنة ورز أو فريكة أو برغل، وما يتبع الضيافة من قهوة وشاي وعصائر.
بحسب أم وحيد (العزيمة عزيمة أو بلا) وبالتالي، ولو فرضنا أننا قمنا بخفض الكميات إلى النصف وفقاً لحديثها، فقد تكون الكلفة بأدنى تقدير 200 ألف ليرة. و"من منا قادر على دفع هذا المبلغ لسفرة يوم ساعة واحدة"؟ لذلك سترفض أم وحيد أي عزيمة من قبل أي قريب، كي لا تحرج بردها بالمثل.
المساعدات في خطر
وتخشى الأسر التي تعتمد على المساعدات في مثل هذا الشهر، من عدم قدرتها على الحصول على ما كانوا يحصلون عليه في السنوات الماضية، فقد أكد "عماد. م" وهو شاب سوري في ألمانيا، أنه قد لا يستطيع التبرع هو وأصدقاؤه للعائلات المحتاجة كما كل عام، مشيراً إلى أن "التضخم في أوروبا ارتفع كثيراً، ولا نكاد نستطيع تأمين قوت يومنا".
وفي العام الماضي، انخفض عدد المطابخ التي كانت تقدم وجبات رمضانية مجانية للمحتاجين، وقد اقتصر العمل على جمعية أو اثنتين، وهذا العام وفي ظل ارتفاع الأسعار، قد يكون عدد الوجبات اليومي قليلا لكل مطبخ، وستكون كمية اللحم "مخجلة" في حين سيتم الاعتماد على الأرز والمنكهات إن بقيت الأسعار مرتفعة بهذا الشكل والتي جعلت عدد المستفيدين أكبر من المتبرعين، إضافة إلى انكفاء متبرعين سابقين عن التبرع نتيجة لتضخم نفقاتهم الشخصية وتوجيه ما كانوا يتبرعون به لصالح موائدهم الخاصة، بحسب "رائد. ف" وهو شاب جامعي اعتاد التطوع مع الجمعيات الخيرية كل رمضان.