تسبب "قانون الشرف الجديد" الذي دخل تطبيقه حيز التنفيذ قبل أسابيع بحالة من الخوف والقلق في صفوف اللاجئين السوريين في السويد، كونه قد يودي بالأبوين إلى السجن بحال منعهم ابنهم أو ابنتهم المراهقة من ممارسة "حريتهم الشخصية" كالذهاب إلى المسبح أو إلى المقهى مع الأصدقاء مثلاً.
وبدأ تطبيق قانون الجديد لمكافحة ما يعرف بـ "الاضطهاد المرتبط بالشرف" في السويد في 1 شهر حزيران الماضي، والقانون قديم لكن تم تشديد العقوبة للمخالفين له.
وينص القانون الجديد على أن منع المراهق من الدردشة أو السباحة أو الذهاب إلى مقهى سيؤدي إلى الحبس لمدة عام على الأقل وذلك في حال كان بحجة "الحفاظ على شرف العائلة" أو سمعة الجماعة.
ويمنع القانون الجديد المشار إليه أي شخص من ممارسة "القمع" أو "الإكراه" من أجل "الحفاظ على شرف شخص أو أسرة أو أقارب أو أي مجموعة أخرى".
والحد الأدنى للعقوبة في حال مخالفة القانون هو الحبس لمدة عام واحد في حين أن الحد الأقصى لمخالفته هو السجن 6 سنوات بتهمة الانتهاك المرتبط الشرف.
"القانون تلبية لاحتياجات المرأة"
وقالت المدعية العامة المتخصصة بـ"الجرائم بداعي الشرف" يسيكا فينا للتلفزيون السويدي: "كانت العقوبة في بعض الحالات تصل لبضعة أشهر قبل التشريع الجديد، والآن العقوبة مدتها عام واحد كحد أدنى"، مشيرةً إلى أن "الجديد في القانون هو أنه يطول مجموعة جديدة".
واندرج هذا النوع من الجرائم تحت القانون المتعلق بالانتهاك الجسيم في السابق، وكان ينطبق فقط على الانتهاكات التي يتم ارتكابها من قبل الأقارب داخل الأسرة، أمّا القانون الجديد فيشمل أشخاصاً آخرين كأقارب العائلة وأصدقائها، فيما اعتبرت فينا "القانون الجديد تلبية للمرأة الجديدة" حسب تعبيرها.
وتسبب القانون الجديد بحالة من الخوف في صفوف اللاجئين السوريين الذين يتخوف عدد كبير منهم أساساً من السوسيال إزاء ما يقوم به اتجاه أطفال اللاجئين الذين كانوا حديث الإعلام في الأشهر الماضية.
ويقول اللاجئ السوري "عباس . ك" (40 عاماً) وهو أب لطفل يعيش مع زوجته المطلقة: "أنا متخوف جداً من تطبيق هذا القانون وتأثيره على حياتنا".
ويتساءل عباس "ما هي الآلية التي سيتم تطبيق القانون فيها (..) هل ستكون ذات الآلية التي يتم اتباعها من قبل السوسيال إزاء أطفالنا"، مضيفاً "بتنا نخشى أن نقول لأطفالنا كلمة ممنوع".
ويتابع "مطلقتي من ديانة أخرى ربما تخبر السوسيال في المستقبل أنني أمنع ابني من شيء ما بحجة أنه عيب أو حرام وبالتالي قد يحرمني السوسيال من ابني وقد يودي ذلك بي للسجن.. لا أعرف كيف سيطبقون هذا القانون.. أنا حقاً خائف من أن أفقد ابني".
بدوره، يقول اللاجئ السوري محمود لموقع تلفزيون سوريا: "لم نعد نعرف كيف نربي أطفالنا.. الحكومة السويدية تتدخل في تفاصيل حياتنا"، مضيفاً: "نحن عائلة متدينة ونمارس ديننا في كل تفاصيل حياتنا".
ويتابع: "تربينا على كلمة حرام وعيب ولا نستطيع أن نحذف هذه المصطلحات من نظام حياتنا".
ويتساءل محمود "ماذا يتوقعون مني أن أقول لابنتي إذا قالت لي أريد أن أمارس الجنس مع صديقي (..) هل إذا قلت لها أن هذا حرام أو عيب قد يتم سجني لا أعرف"، ويضيف "ما يردعنا في حياتنا هو الدين والأخلاق والعرف كيف يريدون منا إلغاء كل هذه المعاني من حياتنا والالتزام بما يريدونه لنا".
ويتعلق ما يسمى "الاضطهاد المرتبط بالشرف" حسب موقع Hedersfortryck.se بتقديم سمعة المجموعة على احتياجات الفرد وحقوقه.
ومن الأمثلة على "الاضطهاد المرتبط بالشرف" بأن لا يسمح للمراهق/المراهقة بالمشاركة في جميع المواد والأنشطة المدرسية، ألا يسمح له/لها بالمشاركة في الأنشطة الترفيهية أو ألا يحصل الفرد على حرية اختيار أصدقائه أو لا يسمح له بأصدقاء من الجنس الآخر أو لا يسمح له بارتداء ملابس معينة.
ومن الأمثلة أيضاً أن يكون هناك شرط معلن أو غير معلن بأن تكون الفتاة عذراء قبل الزواج أو أن يكون تأثير أولياء الأمور أو الأقارب القسري على قرارات الفرد في اختيار شريك حياته.
انتقادات للقانون
وقبيل إقرار القانون حذرت عدة هيئات سويدية من أنه قد يؤدي إلى "التمييز"، حيث اعتبرت محكمة "أوميو" أن هناك خطراً من أن يُحاكم الأشخاص من "أصل معين أو دين معين" بشدة أكبر من "السويديين الأصليين" على الأفعال نفسها، فالقمع نفسه قد يمارس على المراهق دون دافع الشرف.
كما شددت لجنة كلية الحقوق في جامعة استوكهولم على أن القانون ينطوي على مخاطر تؤدي إلى "وصم مجموعات معينة".
بدوره، رفض مجلس القانون "Lagrådet" اقتراح الحكومة بسن القانون الجديد، ورأى المجلس أن القانون المقترح ينطوي على خطر التمييز ضد مجموعات معينة ويحوي مدة عقوبة "غير معقولة".
أما المدعية العامة يسيكا فينا فقالت إن القانون يعاقب "على القمع المرتبط بالشرف بغض النظر عن دين أو أصل الشخص".
بدوره المحامي العراقي المختص بقضايا اللجوء مجيد الناشي، قال لموقع تلفزيون سوريا إن "القانون ينطبق بشكل رئيسي على القاصرين الذين يتعرضون لضغط من ذويهم وكان الضغط يتعلق بالشرف أو الدين أو الخلفية الثقافية أو الدينية أو العرقية وفي حال كان الأمر متكرراً وأزعج المراهق فحينذاك سيتم تطبيق ذلك القانون"، مشيراً إلى أن القانون ليس غريباً أو جديداً لكن الآن تزداد قيمة العقوبة فيه وتحدد كفقرة قانون خاصة بهذا الأمر وأيضاً بات يشمل أناساً أكثر مثل الأقارب أو أصدقاء العائلة عدا أفراد العائلة مثل الأخ أو الوالدين".
وعن رفض مجلس القانون السويدي للقانون كونه يستهدف فئات معينة في المجتمع، قال الناشي "ليس غريبا من الحكومة أن تتبنى قرارا أو قانونا بالرغم من انتقادات ورفض مجلس القانون السويدي له كون المجلس هيئة استشارية ودوره أن ينبه من المخاطر التي يمكن أن تنشأ بسبب القوانين ولكن البرلمان بالنهاية هو من يشرع القوانين".
وعن تخوف الجاليات المسلمة خصوصاً السورية، منها قال "من الطبيعي أن تتخوف الجاليات القادمة من دول الشرق الأوسط أو الدول الإسلامية كون المشمولين الأكثر بهذا القانون هم القادمين من الشرق الأوسط أو الدول الإسلامية"، مضيفاً "لكن القانون مكتوب بصيغة عامة ولهذا السبب سيكون من الصعب إثبات أنهم فقط المشمولون باعتبار أنه سوف يشمل فئات أخرى دينية أو اجتماعية لكن هذا الأمر المحاكم سوف تحدده بمرور الوقت.. هل يشملهم أم يعتبر قانونا عاما وأعتقد أن مثل هذه القضايا قد تصل إلى المحكمة الأوروبية حتى يتم البت فيها إذا كان موجها ضد شريحة معينة".
"القانون يخيف الأهالي"
وانتقد المحامي السويدي من أصول عراقية القانون وقال "أنا كمحامٍ لي مأخذ عليه واعتبر أن هذا القانون ليس في محله لأنه سيخلق قلقا وخوفا عند الأهل أكثر من الفائدة التي من الممكن أن يجنيها".
وأضاف "الأمر لن يتغير كثيراً لكون القانون تغير والأطفال إذا كانوا مضطهدين من قبل سوف يبقوا مضطهدين والقانون لن يغير شيئا والعكس هو الصحيح"، مشيراً إلى أن القانون سيشكل "ضغطا أكثر على الأهل وسيخافون من تربية أطفالهم ولن يعرفوا كيف يتصرفوا معهم الأمر الذي سيتسبب بمشكلة".
وأشار إلى أن "القانون ليس مرتبطا باللاجئين السوريين بل يشمل الجميع والخوف مبرر لأن اللاجئ يأخذ فترة طويلة لكي يعرف كيف يتعامل مع البلد الجديد وقوانينه فممكن أن يشعروا بالخوف ولكن مع هذا ليس هناك حاجة لتضخيم الأمر نحن بحاجة لتعلم صيغة الحوار مع الأطفال وبذلك ننجح في تجنب هذا الشيء".
وعن طريقة التعايش مع هذا القانون، قال الناشي إنها "تكون من خلال تعلم طريقة الحوار مع القاصرين فبدلاً من استعمال تعابير لا تفعل هذا الأمر لإنه عيب أو حرام ولا تفعل هذا الأمر خوفاً من كلام الناس يجب أن استعمل تعابير أفضل مثل لا تفعل هذا الأمر لإن ذلك يضرك أو لأن الوقت متأخر وهؤلاء الأصدقاء أصدقاء سوء وممكن أن يؤذوك ومن الممكن أن يعلموك أشياء سيئة من دون الإشارة إلى الخوف أو العيب بل الأمر أكثر لأنني أهتم فيك أنت كمراهق أو طفل ولهذا السبب أريد أن أمنعك من هذا الشيء".
هل زادت نسبة المغادرين من السويد بسبب القانون؟
وفيما إذا كانت لديه إحصائية عن الذين غادروا أو الراغبين في مغادرة السويد، قال "لا توجد إحصائيات عن الأشخاص الذين يرغبون بمغادرة السويد خوفاً من القانون الجديد وكثير من الأشخاص اتصلوا بي وذكروا هذا الأمر ومقارنة بعدد سكان السويد وعدد الأجانب القادمين من دول كسوريا أو العراق والدول الأخرى فما زال العدد محدود كونه في حال الانتقال إلى بلد آخر في أوروبا فمن المرجح أن نوع المشكلات نفسه سوف يواجههم عاجلاً أم أجلاً والخروج خارج الاتحاد الأوروبي لن يكون سهلا للمعيشة فأعتقد أن الأعداد ما زالت محدودة".
وأضاف "يتصلون بي أناس بشكل أسبوعي ويقولون لي إنهم راغبون بمغادرة السويد ولكن هذا لا يعني أن هناك أرقاما ضخمة "، مشدداً على أنه "من المؤكد أن هناك أناسا قلقين من القانون الجديد".
اقرأ أيضا: "بسبب عنف محتمل".. السويد تواجه الغضب ضد "السوسيال" بتفعيل إدارة الأزمات
وفيما إذا كانت هناك كلمات على غرار حرام أو عيب بات ممنوعا استخدامها في السويد قال "من الصعب أن نعرف أن كلمة عيب أو حرام باتت ممنوعة الآن أم لا لكن من الأفضل أن نتجنب الأمر فالشخص ليس مضطراً أن يستخدم أي كلمة قد تفسر أنها تخويفية الأفضل أن يستخدم كلمات على غرار أن هذه مصلحتك يا ابني .. هذا الشيء غير جيد، هذا أفضل من استخدام تعبيرات تخويفية بالعقاب أو ما شابه".
وأضاف "أعتقد أنه في البداية لن تواجهنا قضايا فقط لأن الشخص قال عيب أو حرام سوف يحاسب بل ستكون القضايا التي فيها ضرب أو تعذيب هذه هي القضايا التي سيبدؤون بها والقانون سوف يتوضح بمرور الوقت".
وقال إنه "من الصعب أن نعرف كيف سيطبق القانون وبأي طريقة وأي كلمات ممنوعة وبأي طريقة وفي أي صيغة قيلت وفي أي سياق كان الكلام وكم عدد المرات التي تكررت فيها حتى تعتبر أمرا غير مسموح به وستتبين هذه الأمور مع مرور الوقت عن طريق المحكمة".