لطالما ارتبط اسم منظمة "الهلال الأحمر" بالمؤسسات التابعة للنظام السوري، تماثلت مرافقها الصحية والإنسانية والاجتماعية مع مثيلاتها الحكومية، التي تدار وفقاً لمنظومة الفساد والمحسوبية، وتسخير الموارد لصالح مقربي النظام ومثبتي حكمه، وتماهت إدارتها وهيكليتها التنظيمية مع رؤية نظام الأسد في حقبتيه.
وعلى مدى عقود ستة، شكّلت المنظمة واجهة إنسانية جالبة للأموال المجانية من الجهات المانحة، وغطاءً للاستيراد المشبوه بعيداً عن أنظمة العقوبات، فضلاً عن كونها ممراً للوصول إلى لوبيات العلاقات العامة في الغرب، فيما انحازت خلال السنوات الأخيرة في عملها الإغاثي والإنساني إلى جانب الحرب ضد السوريين، وارتبط نشاطها بشكل وثيق مع الأجهزة الأمنية، وشاركتها في حصار المناطق المعارضة وحرمانها من المساعدات الأممية والدولية.
وخلال الأيام الماضية، كشف ناشطون وحقوقيون سوريون أن المفوضية الأوروبية تنوي دعوة النظام السوري للمشاركة في مؤتمر المانحين في بروكسل، المزمع عقده في 16 آذار الجاري، والذي يهدف لحشد الدعم لسوريا وتركيا عقب كارثة الزلزال، مشيرين إلى أنه وقع الاختيار على رئيس منظمة "الهلال الأحمر العربي السوري"، رجل الأعمال خالد حبوباتي، باعتبار المنظمة طرفاً إنسانياً وشريكاً للأمم المتحدة في إيصال المساعدات.
فهل تشكل منظمة الهلال الأحمر وإدارتها طرفاً محايداً ونزيهاً، تضع حاجات السوريين الإنسانية والإغاثية، ومصالحهم الفضلى على رأس الأولويات؟
متطوعو الهلال.. تضييق وترهيب
تجب الإشارة، قبل الدخول في تفاصيل المنظمة، إلى أن الجسم الأساسي للهلال الأحمر قائم على المتطوعين، الذين تجاوز عددهم في العام 2014 أكثر من 12 ألفاً، كُثر منهم تدفعهم القيمة الإنسانية ومبادئ المنظمة السبعة، ومعظم هؤلاء استبعدتهم التدخلات الأمنية من هيكل المنظمة، وغادر العديد من المتطوعين المؤهلين والأكفاء من تلقاء نفسهم نتيجة الإقصاء المتعمد والضغوط التي مُورست عليهم.
وخلال السنوات الأولى للثورة السورية، تجاهل كثير من متطوعي الهلال الأحمر تعليمات إدارتهم وساهموا في الاستجابة الإنسانية والإغاثية لبعض المناطق المعارضة، وبشكل خاص في محافظتي ريف دمشق وإدلب.
بالإضافة إلى ذلك، سقط العشرات من متطوعي الهلال الأحمر قتلى ومصابين من جراء القصف والعمليات العسكرية التي شنها النظام السوري على المناطق الثائرة، وتعرض كثير من المتطوعين للتضييق والترهيب، واعتقل العشرات منهم، بعضهم ما زال معتقلاً حتى الآن، متهماً إياهم بنقل السلاح للجهات الإرهابية وإسعاف المسلحين.
وذكر تقرير لمركز "جسور للدراسات" أن المتطوع في فرع دمشق رائد الطويل يعتبر أحد أبرز الأمثلة على الممارسات الأمنية بحق متطوعي الهلال الأحمر ممن سمحوا لأنفسهم بتجاوز السقف الأمني لنشاطهم الإنساني، مشيراً إلى أن الطويل تطوع في المنظمة لأكثر من 18 عاماً، غادرها في العام 2010 لكنه عاد بعد اندلاع الثورة، وشغل منصب مدير قسم الإسعاف، ويعتبر مسؤولاً عن إنشاء نقاط طبية وإيصال مساعدات إلى مناطق معارضة.
ومن جرّاء ذلك، تلقى الطويل تهديدات متكررة، وتم اعتقاله من مقر الهلال الأحمر الرئيسي في حي أبو رمانة بدمشق أمام زملائه، وأفرج عنه بعد عام تقريباً إثر وساطات من منظمات أممية، بعد تعرض صحته للخطر واحتمال بتر ساقه، واشترط النظام أن يغادر الطويل البلاد، حيث توجه إلى لبنان ومنها إلى بروكسل حيث يقيم الآن.
الهلال الأحمر: من النفع العام إلى عباءة مؤسسات النظام
يعود تأسيس "الهلال الأحمر العربي السوري" إلى العام 1942، بموجب مرسوم جمهوري، وتم تسجيلها في العام 1943 في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كجمعية ذات نفع عام دون أن تحمل صفة رسمية، حيث كانت منظمة "الصليب الأحمر" التي أنشأتها فرنسا تقوم بمهامها في سوريا، وتم الاعتراف بالهلال الأحمر بعد الاستقلال بشكل رسمي، وانضمت، بعد إعلان امتثالها للمبادئ السبعة، لتحالف الصليب الأحمر والهلال الأحمر في العام 1965.
بعد استيلاء "البعث" على السلطة، وفي العام 1966، صدر مرسوم جمهوري أعاد تأسيس الهلال الأحمر ونظم عملها بتبعية مباشرة لنظام الحكم تحت سلطة الحزب، وأنشأت المنظمة مرافق صحية تستجيب للخدمات الصحية والإغاثية المجانية، وأعلنت مهمتها بتلبية نداء الطوارئ والكوارث على المستوى الوطني، وعرفت نفسها بأنها "منظمة إنسانية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، وذات شخصية اعتبارية".
ويتبع للمنظمة 14 فرعاً رئيسياً و 75 شعبة تتوزع في المحافظات السورية، ولها نظام داخلي ونظام أساسي ينظم عملها، بما في ذلك انتخاب وتشكيل مجالس الإدارة في الفروع ومجلس الإدارة العام والمكتب التنفيذي والرئيس، ويبلغ عدد المتطوعين في المنظمة في جميع المحافظات أكثر من 12 ألف متطوع، وفق ما ذكرت دراسة أعدها مركز "جسور للدراسات".
وعلى الرغم من المهمة الإنسانية وشعارات احترام حقوق الإنسان التي تنادي بها، إلا أن المنظمة لم تستطع الخروج عن عباءة المؤسسات الحكومية في سوريا، التي أقل ما توصف به المحسوبية والترهل الإداري، فضلاً عن الفساد والارتهان لتدخلات الأجهزة الأمنية والضباط والمسؤولين النافذين.
كما فشلت مبادئ المنظمة الإنسانية ونظامها الداخلي في سلامة العملية الانتخابية ونزاهتها، حيث بقي رئيسها السابق، عبد الرحمن العطار، نحو 35 عاماً في منصبه، وعُين رئيسها الحالي، خالد حبوباتي، بموجب قرار صادر من رئيس حكومة النظام السوري، فيما عُطّلت انتخابات مجالس الفروع، وجرى تعيينهم على أساس الولاء للنظام ورضا الأجهزة الأمنية.
وعبر رئيسيها، السابق والحالي، استغل النظام السوري الهلال الأحمر كآلية للسيطرة على الجهود الإنسانية في سوريا، حيث كان يُشترط على جميع المنظمات غير الحكومية التي تسعى للعمل في سوريا توقيع مذكرة تفاهم مع الهلال الأحمر، والحصول على موافقتها على الأنشطة والفعاليات، وفق تقرير أصدره "المركز السوري للعدالة والمساءلة".
شريان اقتصادي للنظام السوري
مطلع العام 2012، ولإحكام سيطرته على العمل الإنساني والمساعدات، شكّل النظام السوري "اللجنة العليا للإغاثة"، تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتنص مهامها على التنسيق بين المنظمات الإنسانية العاملة في سوريا، وعلى رأسها الهلال الأحمر.
ومع بدء الأمم المتحدة للعمليات الإنسانية والإغاثية في سوريا، ربيع العام 2012، اشترط النظام أن يقوم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" بتركيز جميع عملياته في دمشق، مستنداً في طلبه على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلق بولاية "أوتشا"، الذي ينص على "تقديم المساعدة بموافقة البلد المتضرر، الذي له الدور الأساسي في المبادرة والتنظيم وتنسيق وتنفيذ المساعدات الإنسانية داخل أراضيه".
كما طالب النظام السوري جميع الوكالات الأممية والمنظمات الإنسانية بتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع الهلال الأحمر، تنص على حظر تقديم المساعدات الإغاثية والزيارات الميدانية والبرامج الإنسانية من دون إذن المنظمة.
خلال تلك الفترة، تضمنت جهود العمليات الإنسانية والإغاثية في سوريا تدفقات هائلة من الأموال، ووفق بيانات "الأوتشا"، تدفق إلى سوريا نحو 216 مليون دولار في العام 2012، وفي العام التالي زاد هذا المبلغ إلى أكثر من 3 مليارات دولار، واستمر في الارتفاع خلال السنوات اللاحقة، فيما يتم تنسيق الأموال وإدارتها من خلال الهلال الأحمر.
في العام 2014، حذّر تحالف منظمات الإغاثة الطبية السورية "أوسوم" من أن نحو 90 إلى 95 % من المساعدات الإنسانية المرسلة إلى سوريا عبر الهلال الأحمر خُزنت في مستودعات تتبع النظام، وأعيد توجيهها لدعم جيش النظام وميليشياته، بينما نفت المنظمة هذه الاتهامات معتبرة أنها "خاطئة ومسيّسة وغير مؤكدة".
وذكر تقرير نشرته مجلة "فورين أفيرز" أن منظمة الهلال الأحمر أسهمت بطريقة غير مباشرة عبر المساعدات الأممية في دعم النظام السوري بنحو 30 مليار دولار، استخدمها لدفع رواتب عناصره ومستلزمات أجهزته الأمنية، عبر تسخير المنظمة كبوابة للحصول على تلك الأموال.
علاوة على ذلك، ساعدت الهلال الأحمر على الاستفادة من عمليات الأمم المتحدة الإنسانية عبر التلاعب بأسعار الصرف، حيث يتم دفع الأموال وطلبات شراء الأدوية والسلع والخدمات المحلية وفق سعر الصرف الرسمي، وهو أقل بنسبة 30 إلى 40 % من سعر السوق، ويشير مصدر متخصص بالتتبع المالي إلى أن هذه التلاعب أنتج ما لا يقل عن مليار دولار لصالح النظام حتى العام 2018.
وأكدت دراسة بحثية عن نظام المساعدات الدولية، أصدرها معهد "نيولاينز للدراسات الاستراتيجية والسياسية" الأميركي، أن منظمة الهلال الأحمر السوري لعبت دوراً رئيسياً في تحويل المساعدات الإنسانية في سوريا إلى النظام السوري، حيث يتم تضمين الأجهزة الأمنية والعسكرية في جميع مستويات عمليات المنظمة.
وأوضحت الدراسة أن النظام السوري يستخدم مساعدات الأمم المتحدة لدعم عناصر جيشه وقواته الأمنية والميليشيات المتحالفة معه، بالإضافة إلى الداعمين السياسيين والتجار ورجال الأعمال، من خلال عمليات الهلال الأحمر.
وفي حين أن العقوبات الغربية المفروضة على النظام السوري مصممة بشكل أساسي لإضعاف الآلة الأمنية للنظام وداعميه، وتجفيف مصادر تمويلهم، إلا أن المساعدات الأممية منحته شريان حياة اقتصادي لدعم حربه على السوريين، ويشرف على تدفق هذا الشريان منظمة الهلال الأحمر.
ووفق أحد موظفي الهلال الأحمر، نقلت عنه الدراسة، فإن المنظمة تسير جميع قوافلها وشاحناتها الإنسانية تحت إشراف الفروع الأمنية، ولا سيما فرعي الأمن السياسي والعسكري، ويتم التنسيق مع عناصر حواجز التفتيش المنتشرة في البلاد، الذين لديهم النفوذ للحصول على كل ما يريدون من الشاحنات.
كما أعلنت 15 منظمة إنسانية وصحية وحقوقية، بما فيها مديرية صحة حلب، ، في آذار 2020، رفضها القاطع للتعامل مع الهلال الأحمر، أو استقبال المساعدات عبرها، حتى عودتها إلى المبادئ الإنسانية السبعة المعترف بها دولياً.
وفي بيان لها، اتهمت المنظمات الهلال الأحمر بـ "خداع الرأي العام، وإصدار تقارير كاذبة ومخادعة حول التزامها بالمبادئ الأساسية للحركة الدولية، والتي من أهمها الحياد والاستقلالية"، مؤكدة على أنها "لم تلتزم بالقوانين الإنسانية يوماً في ظل النظام السوري، وإنما ارتبط نشاطها بشكل وثيق بالأجهزة الأمنية، وأيدت علناً أو ضمناً حرب الإبادة التي يمارسها النظام السوري على شعبه".
انتهاكات المبادئ السبعة
تشير متابعة عمل الهلال الأحمر خلال السنوات الماضية، والتقارير الموثقة التي تؤكد سرقة المساعدات الإنسانية والفساد في توزيعها، إلى أن المنظمة الإنسانية خرقت المبادئ السبعة التي اعتمدها تحالف منظمات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في بروكسل في العام 1965، ما أبعد عن المنظمة السورية صفة الحياد والنزاهة، ووضعها جنباً إلى جنب مع من ارتكب انتهاكات بحق الشعب السوري.
وتنص المبادئ السبعة على (الإنسانية، عدم التحيز، الحياد، الاستقلالية، الخدمة الطوعية، الوحدة، العالمية)، ويمكن تلخيص الانتهاكات التي ارتكبتها منظمة "الهلال الأحمر السوري في هذه المبادئ فيما يلي:
الإنسانية
على خلاف المبدأ الذي ينص على سعي المنظمة لحماية الأرواح والصحة واحترام حقوق الإنسان، انحازت الهلال الأحمر إلى النظام السوري ومؤيديه، وامتنعت عن تقديم الخدمات لأفراد ومجموعات يحتاجون إليها لأنهم يعارضونه.
عدم التحيّز
عمدت الهلال الأحمر إلى التمييز في خدماتها بناء على آراء المستفيدين السياسية، وكان واضحاً نشاط فرق المنظمة بين المناطق المؤيدة للنظام السوري والمناطق التي شهدت حراكاً معارضاً، وأكد عدد من متطوعي المنظمة أنهم تلقوا أوامر بعدم التدخل لمعالجة وإسعاف الجرحى والمصابين من جراء انتهاكات قوات النظام السوري بحق المعارضين.
الحياد
وثقت تقارير حقوقية انتهاكات واسعة في صفوف المنظمة، كتعيين أفراد في مواقع قيادية بناء على توصيات من الأجهزة الأمنية أو ضباط الجيش، وتنمّر متطوعون موالون للنظام على زملائهم ممن لم يكونوا واضحين بمواقفهم، وتم إقصاء بعض المتطوعين بناء على آرائهم السياسية، كما اتهم متطوعون في المنظمة العديد من زملائهم بالوشاية ضدهم لدى الفروع الأمنية.
الاستقلالية
يعتبر هذا المبدأ الأكثر انتهاكاً، حيث عمد النظام إلى التدخل في شؤون المنظمة وآليات عملها، وتسخير مواردها وكوادرها في خدمة أهدافه ومؤيديه.
الخدمة الطوعية
عمدت الأجهزة الأمنية إلى توظيف أفراد ليس لهم علاقة بالعمل الإنساني في مراكز قيادية طمعاً بالرواتب العالية، بالإضافة إلى تقارير تؤكد سرقة المساعدات والمعونات وإعادة بيعها في الأسواق عبر وسطاء.
الوحدة
سمح النظام السوري بدخول العديد من منظمات الهلال الأحمر إلى البلاد، وبشكل خاص في المناطق الخارجة عن سيطرته في شمالي سوريا، من بينها الهلال الأحمر التركي والقطري والكويتي، ومؤخراً الهلال الأحمر الإماراتي في مناطق سيطرته.
العالمية
يمكن اعتبار ارتباط منظمة "الهلال الأحمر السوري" الوثيق بالنظام السوري وأجهزته الأمنية، وتنصلها من مسؤوليتها الإنسانية تجاه المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ابتعاداً عن مبدأ العالمية، الذي ينص على تمتع كل الجمعيات الأعضاء في الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر بالمساواة والاشتراك في المسؤولية.
عبد الرحمن العطار: واجهة رامي مخلوف ومستورد لمكونات غاز السارين
في العام 1981، تولى رجل الأعمال عبد الرحمن العطار رئاسة الهلال الأحمر، واستمر برئاستها حتى استقالته في العام 2016، وأمضى 35 عاماً متحالفاً مع النظام السوري ومنفذاً لأوامره، ويتهمه معارضون باستخدام منصبه للاحتكارات الاقتصادية، والسماح للأجهزة الأمنية مطلع الثورة السورية باستخدام مواقع المنظمة لاحتجاز وتعذيب المعتقلين.
ويُعرف العطار، الذي توفي مطلع العام 2018، كأحد أبرز أقطاب المال والأعمال في سوريا، فهو ينحدر من أسرة ثرية، وأسس مجموعة من الشركات في مجالات السياحة وتجارة المواد الغذائية والإنتاج الزراعي والحيواني والأدوية والبناء وتمثيل الشركات والوكالات الأجنبية، فضلاً عن علاقة وطيدة مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الذي عينه قنصلاً فخرياً في البرتغال.
وكشفت وثائق "ويكيلكس" أن عبد الرحمن العطار حقق ثروته بسبب قربه من النظام السوري ووجوده على رأس منظمة الهلال الأحمر، وتذكر إحدى الوثائق نقلاً عن أحد المقربين منه في العام 2010، أنه كان "شخصية كبيرة، وواحد من أغنى وأقوى الرجال في سوريا، استفاد من مركزه للإثراء وتوسيع أعماله".
كما تذكر وثيقة أخرى من العام 2008، أن عبد الرحمن العطار كان واجهة مالية وتجارية لابن خال بشار الأسد، رامي مخلوف، تتلخص مهمته في التحايل والتهرب من العقوبات، وبشكل خاص ليكون واجهة لشركة طائرات كان مخلوف يعتزم تأسيسها.
في العام 2018، كشف تحقيق أجرته منصة "RTS" السويسرية أن عبد الرحمن العطار استفاد من منصبه كرئيس للهلال الأحمر ورئيس لشركة "المتوسط للصناعات الدوائية" واستورد، في العام 2014، خمسة أطنان من مادة "الأيزوبروبانول"، وهي مركب عضوي يستخدم في صناعة أدوية مسكنة، كما يستخدم في صناعة غاز السارين السام، بالإضافة على 280 كيلو غراماً من مادة "ثنائي إيثيل أمين"، والتي لها نفس الاستخدام الكيميائي.
وأشار التحقيق إلى أن أربعة أطنان من أصل خمسة من مادة "الأيزوبروبانول" و 280 كيلوغراماً من مادة "ثنائي إيثيل أمين" استوردها العطار من سويسرا لم تصل أبداً إلى وجهتها، ورغم أن التحقيق لم يؤكد أن الأطنان المفقودة من المادة الكيميائية وصلت إلى يد النظام السوري، إلا أنه لم يستبعد ذلك نظراً لروابط العطار مع النظام السوري، وذلك في تجاوز للحظر الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على تصدير هذه المواد للنظام السوري.
وأكدت شركة "المتوسط للصناعات الدوائية" أن الكمية من المادتين استخدمت في صناعة علاجات طبية بترخيص من شركات متعددة الجنسيات، إلا أن تحليل عينات أجراه خبراء حكوميون فرنسيون أثبتت أن سلاح غاز السارين الذي استخدمه نظام الأسد في مدينة خان شيخون في العام 2017، صنع بشكل خاص من مادة "الأيزوبروبانول".
في العام 2016، تحدثت مصادر من داخل النظام السوري أن عبد الرحمن العطار أُجبر على الاستقالة، وأصدر رئيس مجلس الوزراء حينها، عماد خميس، تعديلاً في المادة 20 من النظام الداخلي للمنظمة، سمح من خلاله لرئيس الحكومة اختيار رئيس المنظمة وتعيينه، وهو ما حصل بتعيين خالد حبوباتي نهاية العام 2016.
خالد حبوباتي: من نوادي القمار إلى العمل الإنساني
ولد خالد حبوباتي في أسرة دمشقية ثرية، ورث عن والده، من بين أشياء أخرى، مجموعة من نوادي القمار والمطاعم، أبرزها "نادي الشرق" وسط العاصمة دمشق، الذي كان ملتقى النخبة السورية من رجال الأعمال والمسؤولين والدبلوماسيين، وهناك وطد علاقاته مع رواد النادي ممن يوصفون بأنهم مفاتيح عالم المال والأعمال والأوصياء على الاقتصاد السوري، ومن أبرزهم شقيق رئيس النظام باسل الأسد، وابن خالته رامي مخلوف، وأصبح من ضمن دوائرهم المقربة.
يقول أحد المطلعين على سيرة حبوباتي أن الرجل كان يحمل هاجس إعادة افتتاح نوادي القمار التي تملكها عائلته، وأغلقتها حكومة عبد الرحمن خليفاوي في العام 1977، وكان ينتظر وعداً قطعه له باسل الأسد بافتتاحها عندما تسنح الفرصة بذلك، لكنه توفي قبل الوفاء بوعده.
يضيف المصدر أن حبوباتي طرح مشروع نادي القمار على رامي مخلوف، لكن الأخير رفض خوفاً من تبعاته على سمعته، وعوضاً عن ذلك، عرّف حبوباتي على الفنان التشكيلي ياسر حمود، وهو أحد أصدقاء بشار الأسد المقربين، ونصحه بالتفاهم معه حول ذلك.
في العام 2010 أسس حبوباتي وحمود شركة "المحيط" تحت بند "تجارة الألعاب وتطوير المطاعم والفنادق والموتيلات"، بعد أن باع "نادي الشرق" لرجل الأعمال موفق قداح بـ 20 مليون دولار، وبدأ الرجلان الإعداد لافتتاح "كازينو دمشق" بالقرب من مطار دمشق الدولي، وتم افتتاح بالفعل نهاية العام نفسه.
في ذلك الوقت، أثار الإعلان عن افتتاح نادي القمار جدلاً وانتقادات واسعة، خاصة في الأوساط الدينية الدمشقية، فيما يشير المصدر المطلع إلى أن مسؤولين وضباطاً نافذين في النظام السوري حرضوا شخصيات عامة ورجال دين، أبرزهم الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، الذي توجه بشكل مباشر إلى بشار الأسد وطلب منه إيقاف المشروع، ليتم إيقافه فعلاً مطلع آذار من العام 2011.
بعد إغلاق الكازينو، اختفى خالد حبوباتي من الحياة الاقتصادية في سوريا، وانتقل ليلعب أدواراً خفية لصالح النظام، حيث عمل كمبعوث خاص للأسد لإعادة استقطاب رجال الأعمال والمستثمرين الذين غادروا البلاد، وقدم لهم ضمانات بعدم المحاسبة أو مصادرة الأموال، وفق ملفه الشخصية في منظمة "مع العدالة".
ونقلت المنظمة عن مقربين من رجال أعمال سوريين، من بينهم فراس طلاس وعماد غريواتي وموفق القداح، قولهم إن حبوباتي قصدهم أكثر من مرة، وقدم لهم ضمانات من بشار الأسد بالعودة إلى سوريا، وعودة جميع أموالهم وأعمالهم، مقابل الاعتذار علنا من النظام.
بعد إقالة عبد الرحمن العطار نهاية العام 2016، عاد اسم خالد حبوباتي للظهور، وتم تعيينه رئيساً للهلال الأحمر رغم أنه ليس عضواً في المكتب التنفيذي أو مجلس الإدارة أو حتى أحد كوادرها.