بعد مرور أكثر من ثلاثة أيام على كارثة الزلزال في سوريا وتركيا، بات من الواضح أن النظام السوري يسعى بكل طاقاته وإمكاناته لانتهاز هذه الكارثة للتحكم بدخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا، ووقف مرورها عبر الحدود مع تركيا، بينما أعلنت "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سوريا عن مساعدات للمناطق المنكوبة، اشترطت دخولها تحت مسمى "تبرعات من الإدارة الذاتية"، في محاولة لاستغلال الكارثة لتحقيق غايات ومكاسب سياسية.
وفي وقت أعلنت السلطات التركية فيه أن دخول المساعدات عبر الحدود إلى سوريا يواجه مصاعب وعقبات لوجستية متعلقة بظروف الطوارئ جنوبي تركيا من جرّاء الزلزال، تبدو وكالات الأمم المتحدة ومؤسساتها الشريكة على الجانب التركي من الحدود تعيش حالة من التجاهل، حيث تتكدس المساعدات في مستودعاتها ومخازنها، لكنها لا تستطيع إدخالها إلى شمالي سوريا إلا عبر باب الهوى، المعبر الوحيد وفق تفويض مجلس الأمن.
ووسط هذا التنافس في الوصاية على المساعدات، يترك السوريون في شمال غربي سوريا لمواجهة مصيرهم وحدهم في ذروة الكارثة، مئات الآلاف منهم مشردون في أماكن مؤقتة، في حين يكافح متطوعو الدفاع المدني في إنقاذ من بقي حياً تحت الأنقاض والكتل الخراسانية بمعداتهم المتواضعة وأيديهم العارية، بينما الآليات والمعدات اللازمة لإنقاذ الأرواح والمساعدات المنقذة للحياة على مقربة منهم دون إمكانية الوصول إليها.
شمال غربي سوريا الأكثر تضرراً من الزلزال
ويشهد شمال غربي سوريا وضعاً صعباً للغاية، من جراء العقبات وشح الإمكانيات والآليات والمعدات اللازمة لعمليات الإنقاذ والفرق الطبية، فضلاً عن تشريد عشرات الآلاف من السوريين وتهدم الأبنية والمرافق في المنطقة التي يمكن وصفها بأنها الأكثر تضرراً من الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا.
وعلى الرغم من أن تركيا هي الضحية الأولى للزلزال، فإن شمال غربي سوريا هو الأكثر تضرراً، وحجم الكارثة هناك ينذر بعواقب أكثر كارثية، إذ فاقمت سنوات الحرب وهشاشة البنية التحتية، الاجتماعية والاقتصادية، من مأساة أكثر من أربعة ملايين مدني يقيمون في المنطقة، فضلاً عن القيود المفروضة على إدخال المعونات والمساعدات المنقذة للحياة وحصرها بمعبر باب الهوى المفتوح للمساعدات ضمن إطار تفويض مجلس الأمن.
في مقابل ذلك، وصلت إلى مناطق النظام السوري، عبر مطاري دمشق وحلب، عدة طائرات محملة بأطنان من المساعدات الإنسانية لمتضرري الزلزال في سوريا، بما في ذلك من مصر والإمارات والهند والعراق والجزائر ولبنان وإيران والصين وغيرها، إضافة إلى فرق الإنقاذ والفرق الطبية والمشافي المتنقلة.
ووسط حملات التضامن والتعاطف مع الكارثة، استغل النظام السوري الفرصة لتجديد مطالبه بضرورة التنسيق معه بشأن المساعدات، لم تظهر الدول الغربية أي استعداد لتلبية مطالبه أو التواصل معه، إلا أن ما يخدم النظام ويحاول استغلاله هو صعوبة إرسال المساعدات عبر الحدود من تركيا.
فرصة ينتهزها النظام
ويرى النظام السوري في كارثة الزلزال فرصة ينتهزها لتجديد مساعي السيطرة على المساعدات الإنسانية والعمليات الأممية في سوريا، ووقف دخولها عبر الحدود مع تركيا، والتحكم بوصولها عبر الخطوط إلى شمالي سوريا عبر حصر دخولها من خلاله.
وسبق أن طالب وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، برفع العقوبات وإرسال مساعدات فورية للمتضررين، معتبراً أن "العقوبات ليست عذراً لعدم فعل ذلك"، وأنها "تمنع عنا كل شيء، بما في ذلك شراء الدواء".
كما زعمت المستشارة الخاصة لرئيس النظام السوري، بثينة شعبان، أن حكومة نظامها "ترحب بأي مبادرة تقدمها الدول والمنظمات الدولية للمساعدة في مواجهة الآثار الكارثية للزلزال، بشرط أن يتم ذلك دون تسييس"، مؤكدة على أن "المناشدة تشترط وصول المساعدات إلى سوريا عبر التنسيق والتعاون مع النظام".
وأشارت شعبان إلى أن النظام "سيقبل المساعدة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في حال عرضوا تقديمها، لكنهم لم يعرضوا أي مساعدة رغم مناشدة رئيس منظمة الصليب الأحمر الدولي جميع دول العالم للمساهمة بذلك".
وزعمت مستشارة بشار الأسد أن "الغرب يقدم المساعدة لدعم الإرهابيين في المناطق الواقعة خارج سيطرة الدولة السورية، ويهمه بالدرجة الأولى حماية داعش وجبهة النصرة والخوذ البيضاء"، وفق تعبيرها.
تركيا: صعوبات في الوصول إلى سوريا
ومن الجانب التركي، أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أمس الأربعاء، أن بلاده تعمل على فتح معبرين حدوديين مع سوريا، بالإضافة إلى معبر باب الهوى، لتمكين تدفق المساعدات الإنسانية إلى شمالي سوريا.
وأشار جاويش أوغلو إلى أن الأضرار التي لحقت بالجانب السوري من الطريق المؤدي إلى معبر باب الهوى المفتوح للمساعدات الإنسانية في إطار تفويض مجلس الأمن، تسبب صعوبات فيما يتعلق بالجهود المبذولة بعد الزلزال.
وأوضح وزير الخارجية التركي أن "هناك بعض الصعوبات فيما يتعلق بمساعدة تركيا والمجتمع الدولي للوصول إلى سوريا، ولهذا السبب، تُبذل جهود لفتح معبرين حدوديين إضافيين".
وعلى الرغم من تصريحات الوزير التركي عن صعوبات وصول المساعدات إلى المعابر الحدودية مع سوريا، تؤكد مصادر محلية وصحفيون ومراسلو محطات تلفزيونية موجودون في منطقة معبر باب الهوى أن الطريق إلى داخل سوريا سالك ولا يوجد فيه أي أضرار تعرقل حركة النقل، بدليل دخول جثامين الضحايا السوريين الذي قضوا من جراء الزلزال في تركيا.
واشنطن لن تقدم المساعدات عبر النظام السوري
وفي الوقت الذي أكدت فيه الولايات المتحدة أنها لن تتواصل مع النظام السوري، قالت إنها ستقدم المساعدات للسوريين، بما في ذلك في مناطق سيطرة النظام السوري، عبر المنظمات غير الحكومية على الأرض، وليس عبر حكومة النظام، دون أن توضح الطريقة التي ستقوم بها تقديم هذه المساعدات.
وشدد المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، أن واشنطن ترفض انتهاز فرصة وقوع الزلزال للتواصل مع النظام السوري، موضحاً أنه "لدينا شركاء في المجال الإنساني على الأرض، يمكنهم تقديم المساعدة في أعقاب هذه الزلازل المأساوية"، ومؤكداً على أن "هؤلاء الشركاء، على عكس النظام السوري، موجودون هناك لمساعدة الناس بدلاً من تعنيفهم".
ومن جانبه، أعلن قائد القيادة المركزية للقوات الأميركية "سنتكوم"، الجنرال مايكل كوريلا، عن استعداد الجيش الأميركي لتقديم الدعم لجهود الإغاثة من الزلزال، موضحاً أن القيادة المركزية أنشأت فريق عمل لتسريع عملية الدعم للمتضررين من الزلزال في كل من تركيا وسوريا".
وأشار الجنرال الأميركي إلى أن القيادة المركزية "تنسق مع وزارتي الدفاع والخارجية والوكالة الأميركية للتنمية وشركائنا في قوات سوريا الديمقراطية بهذا الشأن"، مضيفاً أنهم "يعملون عن كثب مع قيادة القوات الأميركية في أوروبا بشأن خيارات إرسال الدعم إلى تركيا".
هل تدخل المساعدات من شمال شرقي سوريا؟
وعقب التصريحات الأميركية، أعلنت "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سوريا، عن إعداد قافلة مساعدات لمناطق شمال غربي سوريا، تشمل مساعدات إنسانية وإغاثية ومحروقات، لتعلن في وقت لاحق عن "تعقيدات من قبل الأطراف الأخرى تعيق وصول هذه المساعدات إلى المناطق المنكوبة".
وأفادت مصادر محلية بأن قافلة تضم نحو 100 صهريج محملة بمادة المازوت أرسلتها "الإدارة الذاتية"، بإشراف الولايات المتحدة، إلى شمال غربي سوريا، إلا أنها لا تزال تنتظر حتى الآن على معبر أبو جلود قرب منبج السماح بعبورها من قبل فصائل المعارضة السورية، التي ترفض استلامها على أنها "تبرعات من الإدارة الذاتية".
وسبق أن أكد القيادي في "الإدارة الذاتية"، عبد حامد المهباش، على أنه "منذ اليوم الأول للكارثة، صرحنا بأن كافة المعابر مفتوحة للمساعدات الإنسانية، وناشدنا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لفتح المعابر الدولية المحيطة بسوريا، لا سيما في ظل تأثر معبر باب الهوى بهذه الكارثة".
كما كان لافتاً دعوة وجهتها "الإدارة الذاتية" للأمم المتحدة لفتح معبر اليعربية، واستخدام مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" في شمال شرقي سوريا لإيصال المساعدات للمناطق المنكوبة في شمالي غربها.
وأفادت الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في "الإدارة الذاتية"، بيرفان خالد، بأن الأمم المتحدة لم ترد حتى الآن على الدعوة، مؤكدة على "تقديم كل التسهيلات لمرور المساعدات ومواد الإغاثة والمحروقات إلى المناطق المنكوبة".
كما أعلن قائد "قوات سوريا الديمقراطية"، مظلوم عبدي، استعداد "قسد" لمد يد العون والمساعدة للمناطق المنكوبة، فيما دعا "مجلس سوريا الديمقراطية" إلى مساعدة المناطق المنكوبة ومد يد العون والمساعدة في عمليات الإنقاذ وانتشال العالقين تحت الأنقاض.