مع استمرار ارتفاع حصيلة الضحايا من جراء كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، طالب وزير الخارجية في حكومة النظام السوري، فيصل المقداد الدول الغربية بإرسال المساعدات للمتضررين، معتبراً أن "العقوبات ليست عذراً لعدم فعل ذلك".
وطالب المقداد الدول الأوروبية بإرسال مساعدات فورية مؤكداً على أن "المساعدات الآن من أوروبا ليست بحاجة إلى طلب وبيروقراطية، والمساعدات الإنسانية لا تخضع لعقوبات"، معتبراً أن "ما زاد في عمق الكارثة هو أن ظروف سوريا صعبة، لكونها تحارب الإرهاب ومن يدعمه"،
وزعم وزير خارجية النظام أن العقوبات "تمنع عنا كل شيء، بما في ذلك شراء الدواء"، مضيفاً أنه "مهما بلغ حجم المساعدات فنحن بحاجة للمزيد".
وفي حين أعلن النظام السوري وصول عدة طائرات محملة بأطنان من المساعدات الإنسانية لمتضرري الزلزال في سوريا، بما في ذلك من مصر والإمارات والهند والعراق والجزائر ولبنان وإيران والصين، إضافة إلى فرق الإنقاذ والفرق الطبية والمشافي المتنقلة، لم تدخل أي مساعدات حتى الآن إلى مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا، وهي المناطق الأكثر تضرراً بالزلزال، وفيها أعلى عدد من الضحايا.
شمالي سوريا: المساعدات متوقفة وصعوبات تواجه عمليات الإنقاذ
ومنذ لحظة الزلزال الذي ضرب منطقة كهرمان مرعش على بعد نحو 130 كيلومتراً من الحدود السورية، فجر أول أمس الإثنين في الساعة 4.17 بالتوقيت المحلي، تستمر حصيلة الضحايا بالارتفاع، إذ ما زال عدد كبير من الأشخاص تحت أنقاض آلاف المباني المدمرة في سوريا وتركيا.
وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، وصل عدد ضحايا الزلزال في سوريا إلى 2450 شخصاً، بينهم 1200 شخص في مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، و1250 شخصاً في مناطق سيطرة النظام السوري في حلب واللاذقية وحماة وطرطوس.
وتسبب الزلزال المدمر بتشريد عشرات الآلاف وتهدم آلاف الأبنية والمرافق، وفي شمال غربي سوريا بشكل خاص، تواجه عمليات الإغاثة والإنقاذ عقبات وصعوبات بالغة تزامناً مع شح الإمكانيات وعدم توافر الآليات والمعدات اللازمة للإنقاذ، وسط سوء الأحوال الجوية وتساقط الثلوج، في حين حذّر الدفاع المدني السوري من أن مئات العائلات ما تزال عالقة تحت الأنقاض، ما يعني أن أعداد الضحايا مرشحة للارتفاع بشكل كبير في شمالي سوريا.
وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن الزلزال أوقف نقل المساعدات الإنسانية عبر الحدود من تركيا إلى شمال غربي سوريا، بشكل مؤقت، بسبب الأضرار التي لحقت بالطرق، ومشكلات لوجستية أخرى.
وقالت متحدثة باسم "أوتشا" إن "بعض الطرق معطلة، وبعضها الآخر لا يمكن الوصول إليه، وهناك مشكلات لوجستية تحتاج إلى حل"، مضيفة أنه "ليس لدينا صورة واضحة عن موعد استئنافها".
كما تسببت الأضرار التي لحقت بمطارات المدن التركية القريبة من الحدود مع سوريا، وتضرر الطرق المؤدية إلى معبر باب الهوى، بتأخير الشحنات وعرقلة وصولها، حيث ينص تفويض الأمم المتحدة على دخول المساعدات من هذا المعبر فقط دون غيره.
المساعدات إلى أي مكان عبر "الدولة"
وانتهز النظام السوري وحليفته روسيا كارثة الزلزال لتجديد مساعيه للسيطرة على المساعدات الأممية إلى سوريا، والتحكم بوصولها عبر الخطوط إلى شمالي سوريا، في حين لا يثق المجتمع الدولي في أن حكومة النظام ستقدم مساعدات فعالة إلى مناطق سيطرة المعارضة، وتخشى أن يحولها لصالح الأشخاص والمؤسسات المرتبطة به.
وأعلن سفير النظام لدى الأمم المتحدة، بسام الصباغ، استعداد نظامه لإيصال المساعدات الإنسانية وتوفير الملاجئ والإمدادات الغذائية والأدوية في أي مكان في سوريا، بما في ذلك شمال غربي البلاد، مشترطاً أن تكون عبر "الدولة السورية"، ومؤكداً أن العقوبات الغربية تعرقل وصول المساعدات.
كما بدأت الأصوات المطالبة برفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على النظام السوري، بحجة التمكن من مواجهة تداعيات الكارثة، والسماح بوصول جميع المواد الإغاثية.
وفي الوقت الذي قالت فيه وسائل إعلام النظام إن عدداً كبيراً من شركات الشحن الجوي امتنعت عن الهبوط في المطارات السورية خشية العقوبات، طلبت فيه عدة دول من شركات الطيران السورية نقل أطنان من المساعدات على متن طائراتها المدنية غير المخصصة لشحن هذه المواد، تجنباً للعقوبات، وفق ما زعم وزير خارجية النظام.
وأعلن رئيس منظمة "الهلال الأحمر السوري"، العاملة في مناطق النظام، خالد حبوباتي، استعداد المنظمة لإيصال المساعدات الإغاثية لجميع مناطق سوريا، بما في ذلك مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا، داعياً الأمم المتحدة إلى تسهيل ذلك.
وقال حبوباتي "نحن على استعداد لإرسال قافلة مساعدات عبر الخطوط إلى المناطق المنكوبة في إدلب"، مطالباً فصائل المعارضة في شمالي سوريا بـ"فتح طريق لمرور القافلة".
وسبق أن تحدثت تقارير عدة عن فساد منظمة الهلال الأحمر في سوريا، وتوزيع المساعدات الإنسانية التي ترسلها باسم الشعب السوري إلى مؤيدي النظام السوري في المناطق الخاضعة لسيطرته، عبر الهلال الأحمر.
دعوات رفع العقوبات عن النظام
في غضون ذلك، تزايدت الأصوات المطالبة برفع العقوبات المفروضة على النظام السوري، حيث أطلق موالو النظام حملة على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة برفع العقوبات والسماح بوصول المساعدات إلى سوريا عبر النظام ومنه إلى شمالي سوريا، في حين ناشد رئيس منظمة "الهلال الأحمر السوري" "رفع الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا لمواجهة تداعيات الزلزال المدمر".
كما طالب مجلس كنائس الشرق الأوسط المجتمع الدولي بـ "برفع العقوبات فوراً عن النظام السوري، والسماح لجميع المواد بالوصول إليها من أجل ألا تتحول العقوبات إلى جريمة ضد الإنسانية".
ويحاول النظام السوري التحكم بالمساعدات وتوزيعها والسيطرة على اقتصاد العمليات الإنسانية في شمال غربي سوريا، في حين تؤكد الحكومات الغربية أن النظام لا يملك أي قدرة على تنفيذ أي من العمليات الإنسانية في شمال غربي سوريا.
من جانبها، تسعى روسيا إلى وقف دخول المساعدات إلى شمالي سوريا عبر الحدود مع تركيا، وحصر دخولها بحكومة النظام السوري، بينما يحاول موالو الأسد ومناصروه تشويه سمعة المنظمات المدنية والمتطوعين شمالي سوريا، واتهامهم بالإرهاب والاحتيال.
هل تمنع العقوبات وصول المساعدات إلى سوريا؟
وفيما عدا بعض الشروط أمام التحويلات البنكية لدفع مستحقات الموردين أو العمال المحليين لمنظمات الإغاثة، لا تعرقل العقوبات عمليات الإغاثة ووصول المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية إلى أي مكان في سوريا، حيث تتضمن جميع قوانين العقوبات، الأميركية والأوروبية والبريطانية، استثناءات وإعفاءات للمساعدات الإنسانية.
كما تنص المادة 305 من "قانون قيصر"، على وضع استراتيجية لتسهيل قدرة المنظمات الإنسانية على الوصول إلى الخدمات المالية، بهدف تسليم المساعدات في الوقت المناسب وبشكل آمن إلى المجتمعات السورية المحتاجة.
وعقب كارثة الزلزال ورداً على اتهامات النظام السوري، أكدت الولايات المتحدة الأميركية أن العقوبات المفروضة على النظام السوري تتضمن استثناءات لا تمنع وصول المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية وغيرها للشعب السوري، مشددة على أنها "لن نمنع أي دولة من تقديم هكذا مساعدات، وسنستمر من جهتنا بتقديم المساعدات للشعب السوري".
ردًّا على بعض التقارير الصحفية غير الدقيقة حول العقوبات الأمريكية، يهمنا التوضيح بأنّ العقوبات الأمريكية تتضمن استثناءات لا تمنع وصول المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية وغيرها للشعب السوري ولن نمنع أي دولة من تقديم هكذا مساعدات. وسنستمر من جهتنا بتقديم المساعدات للشعب السوري. pic.twitter.com/z3kt8NXWdf
— الخارجية الأمريكية (@USAbilAraby) February 7, 2023
من جانبه، استبعد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، تسليم المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر النظام السوري، موضحاً أنه "سيكون من المفارقات، إن لم يأتِ بنتائج عكسية، أن نتواصل مع نظام مارس معاملة وحشية لشعبه على مدار 10 سنوات حتى الآن، قتلهم بالغاز، وذبحهم، وكان مسؤولاً عن كثير من المعاناة التي تحملوها".
وأضاف برايس أنه "بدلاً من ذلك، لدينا شركاء في المجال الإنساني على الأرض، يمكنهم تقديم نوع من المساعدة في أعقاب هذه الزلازل المأساوية"، مؤكداً على أن "هؤلاء الشركاء، على عكس النظام السوري، موجودون هناك لمساعدة الناس بدلاً من تعنيفهم".
وأشار الدبلوماسي الأميركي إلى أن "الشعب السوري بحاجة إلى وصول المساعدات الإنسانية"، مضيفاً أن الجهات الفاعلة في المنظمات غير الحكومية "تحتاج إلى الوصول حتى تتمكن من الذهاب عبر الحدود لتقديم المساعدات الإنسانية".
وبالمثل من ذلك، أكد المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، بالاز أوجفاري، على أن الاتحاد الأوروبي يقدم المساعدات الإنسانية في جميع أرجاء سوريا من خلال شركاء الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، ويحاول زيادة التمويل للدعم الإنساني، مشيراً إلى أن النظام السوري "لم يطلب رسمياً حتى الآن من الاتحاد الأوروبي إرسال عمال إنقاذ أو عمال في المجال الطبي".
كما أشار وزير المساعدات البريطاني إلى أن "نظام العقوبات وُضع رداً على انتهاكات حقوق الإنسان وغيرها من الانتهاكات التي يرتكبها النظام وأعوانه"، مشدداً أن العقوبات "تحاول منع إعادة بناء البنية التحتية في المناطق التي يسيطر عليها النظام في غياب حل سياسي".
وأكد المسؤول البريطاني على أن المملكة المتحدة "ستعمل مع منظمة الدفاع المدني السوري، كما فعلت لسنوات عديدة في المنطقة"، مشدداً على فتح مزيد من نقاط العبور من تركيا إلى شمالي سوريا.
ودعت وزارة الخارجية الألمانية روسيا إلى الضغط على النظام السوري من أجل السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى ضحايا الزلزال شمالي البلاد، بسرعة ومن دون أي عقبات إضافية، مؤكدة على أنه "لا بد أن يمارس كل اللاعبين الدوليين، ومن بينهم روسيا، الضغط على النظام السوري لضمان وصول المساعدات الإنسانية للضحايا".