icon
التغطية الحية

عرضها النظام للمزاد.. حسرة مهجّري إدلب على بساتينهم مع اقتراب قطاف الفستق

2023.07.12 | 06:18 دمشق

الفستق الحلبي
أشجار الفستق الحلبي في شمال غربي سوريا
+A
حجم الخط
-A

يعيش مهجّرو ريفي إدلب الجنوبي والشرقي في حسرة على بساتينهم المزروعة بالفستق الحلبي، والتي استولت عليها قوات النظام السوري، قبل ثلاث سنوات تقريباً، عقب تقدمها إلى المنطقة، بدعم من الميليشيات الروسية والإيرانية.

هذه الحسرة تتزامن مع اقتراب موسم قطاف الفستق، ويبدو أن المحصول سيكون وفيراً هذا العام، بفضل عوامل المناخ والهطولات المطرية التي كانت بمعدلات مناسبة، وما يزيد حسرة المهجرين القرارات الجديدة للنظام التي تسمح بطرح بساتينهم في مزادات علنية لاستغلالها على أيدي المتنفذين من زعماء عشائر وأعضاء في "حزب البعث" وقادة وضباط في قوات النظام والأجهزة الأمنية.

وكان قرار طرح البساتين للمزاد هذه المرّة، لـ عامين متتالين بدلاً من عام واحد كما كان سائداً في المزادات السابقة خلال فترة ما بعد العام 2019، ويبدو أنّ للقرار الجديد عدة دلالات أهمها: منع المهجّرين من العودة إلى بلداتهم بعكس المزاعم المعلنة للنظام، خلال الأشهر الماضية.

مزادات بشروط جديدة

طرح "مجلس محافظة إدلب" التابع للنظام السوري، بساتين الفستق الحلبي التي تعود ملكيتها للمهجّرين، للاستثمار في مزادات علنية، ويشمل القرار البساتين في 39 بلدة وقرية بريفي إدلب الجنوبي والشرقي.

وعدّلت المحافظة شروط المزادات وعمليات الاستثمار (من ناحية الأسعار وطول مدة الاستثمار) بناء على تعليمات وزير الزراعة في حكومة النظام محمد حسان قطنا، الذي زار المقر المؤقت للمحافظة في خان شيخون جنوبي إدلب، أواخر حزيران الماضي.

الشجرة الذهبية

يطلق السوريون على هذه الثروة الاستراتيجية اسم "الشجرة الذهبية" لما تدرّه على المُزارعين من إنتاج وفير وأسعار منافسة، كما أنّ زراعتها منخفضة الكلفة بالنسبة إلى غيرها من أنواع الأشجار المثمرة، وهو ما أغرى المزارعين لتوسيع زراعتها في ريف إدلب قبل انطلاق الثورة السورية عام 2011.

وفي الفترة التي تلت سيطرت قوات النظام على مناطق شمالي حماة وجنوبي وشرقي إدلب وتهجير سكّان المنطقة، وزّع النظام عدداً من بساتين الفستق على زعماء الميليشيات و"الشبيحة"، خاصةً شمالي حماة في النصف الثاني من العام 2019 (مورك وكفر زيتا)، في حين تقاسم ضباط في "الفرقة الرابعة" و"قوات النمر" وزعماء ميليشيات عشائرية، بساتين الفستق في مناطق ريف إدلب.

ومنذ موسم العام 2021 تنبّه النظام لأهمية أراضي المهجّرين وما تدره من أرباح سنوية، خاصةً بساتين الفستق الحلبي، لذا سمح لـ"مجلس محافظة إدلب" الذي نقل مقره من حماة إلى خان شيخون بأن يخصّص مساحات واسعة من أراضي المهجّرين بما فيها بساتين الفستق لصالحه، بحيث يعود ريعها السنوي له بعد طرحها في مزادات علنية.

ومن خلالها يغطي مصاريف مقره المؤقت، وجانباً من الخدمات في خان شيخون وبعض البلدات (أبو الظهور والنيحة وسنجار) التي شهدت عودة بعض العائلات الموالية للنظام.

نوعان لاستغلال البساتين

قال ضيف الله المر -الرئيس السابق للمجلس المحلي في بلدة أم جلال- لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ "عمليات استغلال بساتين الفستق في مناطق جنوبي وشرقي إدلب، يمكن تصنيفها على نوعين: الأوّل يتم عن طريق مجلس المحافظة من خلال طرح البساتين في المزادات العلنية وهي غالباً شكلية ومعروف مسبقاً على من سيرسو المزاد، وهم غالباً ضباط في قوات النظام ومقربون منهم، وأعضاء في "حزب البعث" وموظفون بارزون في المحافظة والمديريات، وقادة ميليشيات عشائرية"، مردفاً: "يندرج تحت هذا النوع من الاستغلال القسم الأكبر من بساتين الفستق التي تعود ملكيتها للمهجّرين في البلدات (الحضرية) مثالها جرجناز".

أما النوع الثاني من عمليات الاستغلال فيسود في البلدات ذات الطابع العشائري، مثل: الخوين وأم جلال ومحيطهما من القرى، وهنا تُستغل البساتين من أبناء تلك البلدات الموالين للنظام (الشبيحة)، ولا تُطرح في مزادات علنية، فقط يترتب على "الشبّيح" المستثمر دفع مبلغ مالي لمسؤول في المحافظة ومسؤولين في المفرزة الأمنية لغض الطرف عنه.

وهناك أيضا بساتين تُستثمر ويصل ريعها إلى أصحابها المقيمين في مخيمات الشمال السوري، وهؤلاء لديهم أقرباء موالون وعلى تواصل معهم"، يشير "المر" قائلاً: "بستان الفستق الذي تملكه عائلتي في بلدة أم جلال يُستغل سنوياً من قبل شبيحة أبناء بلدتنا".

حسرة المهجرين

يتوزّع المهجّرون من البلدات التي ذكرها "مجلس المحافظة" في إعلانه عن المزادات العلنية على عشرات المخيمات في ريفي حلب وإدلب شمال غربي سوريا، ويتركزون في مخيمات احتيملات وكفر لوسين وروحين وأطمة وغيرها، ويرى محمد الصابر الإبراهيم - مسؤول سابق في المجلس المحلي لبلدة القراطي - أن وعود "حكومة النظام" حول منع التعديات على بساتين المهجرين ومنع قطع الأشجار وتعديل آلية استغلال أراضي المهجرين مزاعم كاذبة.

وأضاف خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ التعديلات الجديدة تخدم النظام وأتباعه من قادة الميليشيات والبعثيين، وفي الوقت ذاته تثبت حقيقة الإصرار الانتقامي والانتهاكات التي حصلت على مدى أعوام على يد الميليشيات و"الشبيحة".

وتابع: "بلدة القراطي صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها قبل التهجير 2000 نسمة، لكن بساتين الفستق الحلبي فيها واسعة، تعود ملكيتها لبعض العائلات المعارضة، وقد شهدت بعضها عمليات قطع وإتلاف انتقامي لأكثر من 10 هكتارات".

ويزيد عدد سكّان بلدة كفر سجنة قبل التهجير عن 18 ألف نسمة، وتشتهر ببساتين الفستق الحلبي المترامية على أطرافها، وعادة ما ترسو المزادات العلنية التي يطرحها "مجلس المحافظة"، على ضرار الخضر، أحد أبرز الشخصيات الموالية للنظام، والذي كان له دور في العمليات العسكرية، كما سخّره النظام لاحقاً في الترويج للمصالحة.

قرار تمديد استغلال بساتين المهجرين لعامين متتاليين يقضي على آمال العودة، شريحة كبيرة من المهجرين كانوا يتأملون العودة إلى بلداتهم بعد انسحاب قوات النظام وفق التفاهمات الروسية التركية، كما أن طول المدة يعني بالضرورة زيادة حجم الأضرار والانتهاكات المرتكبة بحق بساتين وأراضي المهجرين.

يتحدّث أحمد شحادة - مهجر من بلدة الرفة في ريف إدلب - بحسرة لـ موقع "تلفزيون سوريا، كيف ترك 50 دونماً مزروعاً بأشجار الفستق الحلبي، وكيف خسر مواسم عديدة كانت تدر عليه ثروة سنوياً، منذ دخول النظام والميليشيات الموالية إلى البلدة وسيطرتها على أراضي المعارضين وبساتينهم ومن ضمنها بستانه.

وتعرض بستان "شحادة" للقطع والتلف على يد ميليشيا "فوج المبارك" الذي يتزعمه أحمد الدرويش المبارك التابع لـ"قوات النمر" (الفرقة 25/ مهام خاصة)، ويقول عن ذلك: "لا أملك من بستاني وأشجاري التي ورثتها عن أبي إلا الصور والذكريات، بستاني اليوم أسير شبيحة النظام، كان مردوده جيد جداً، نظراً إلى عناية الأسرة به من جدي إلى أبي وصولاً إلي".

وأضاف: "عدد سكّان بلدة الرفة قبل التهجير لا يتجاوز 3 آلاف نسمة، أكثر من 95% منهم مهجر، ولا يوجد فيها إلا بضع عائلات موالية، وتتميز بانتشار واسع لبساتين الفستق الحلبي، والقسم الأكبر من البساتين وضع أحمد درويش زعيم "فوج المبارك" يده عليه، وأصبحت كأنها من أملاكه الخاصة".

المهجّر حسن الخلف يعتقد أن المساحات المزروعة بالأشجار في محيط بلدته جرجناز جنوبي إدلب، تقلّصت بشكل كبير بعد دخول قوات النظام والميليشيات إلى المنطقة، إذ طالت عمليات القطع أشجار الفستق الحلبي والزيتون وغيرها من الأشجار المثمرة، وكانت عمليات القطع إما للانتقام من المعارضين، أو لغرض بيعها كحطب للتدفئة.