icon
التغطية الحية

ضحايا جرائم حروب بوتين في سوريا وأوكرانيا يرصون الصفوف لمحاسبته

2022.10.21 | 12:50 دمشق

بوتين برفقة الجنرال سوروفيكين- المصدر: الإنترنت
بوتين برفقة الجنرال سوروفيكين- المصدر: إنترنت
Washington Post - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

ارتكبت قوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جرائم حرب لا تحصى في سوريا على مدار العقد الماضي. واليوم، يستعين بوتين بالأشخاص والأسلحة والأساليب نفسها التي استخدمها في تلك الجرائم ولكن هذه المرة في أوكرانيا. إلا أن ذلك سيتحول إلى خطأ جسيم، وذلك لأن السوريين والأوكرانيين ينظمون أنفسهم حتى يطالبوا بالعدالة لضحايا روسيا، ولمحاسبة مجرمي الحرب الروس، وعلى رأسهم بوتين.

ما بين غروزني وحلب.. وبوتشا

في الوقت الذي دحرت فيه القوات الأوكرانية الغزاة الروس وأخرجتهم من مدن مثل بوتشا وإيزيوم، بقيت المشاهد المروعة التي أميط عنها اللثام هناك تذكرنا بشكل مخيف بالفظائع التي ارتكبها بوتين في الماضي في مدن مثل غروزني وحلب. ولقد عين بوتين مؤخراً الجنرال سيرغي سوروفيكين الشهير بجنرال الهرمجدون (أي الحرب الأخيرة بين الخير والشر في العالم) نظراً لكل ما فعله في سوريا، ليصبح القائد الأعلى للقوات الروسية في أوكرانيا. أما شريك بوتين في سوريا، أي إيران، فقد نشرت طائراتها المسيّرة وجنودها في ساحة الحرب الأوكرانية. أي إن النتائج أصبحت مريعة ومرعبة بالنسبة للأوكرانيين.

أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة والمعنية بأوكرانيا يوم الثلاثاء الماضي تقريراً كشف بأن القوات الروسية ارتكبت جرائم حرب على نطاق واسع، شملت الغارات التي استهدفت البنية التحتية المدنية، والهجوم على المرافق الإنسانية، و"أسلوب الإعدامات الميدانية، والاحتجاز دون سبب قانوني، والتعذيب، وإساءة المعاملة، والاغتصاب، وغير ذلك من حالات العنف الجنسي التي ارتكبت في مناطق احتلتها القوات المسلحة الروسية.

واعتباراً من الشهر الماضي، وثقت شبكة تضم منظمات حقوقية أوكرانية ما يربو على 21 ألف حالة لجرائم الحرب، بحسب ما ذكرته أوليكسندرا ماتفيتشوك مؤسسة مركز الحريات المدنية في كييف، والذي حصل على جائزة نوبل للسلام في عام 2022.

في جلسة أقيمت يوم الأربعاء الماضي بمركز مورتارا للدراسات الدولية التابع لجامعة جورج تاون، ذكرت ماتفيتشوك أن: "روسيا حاولت أن تحطم مقاومة الشعب وأن تحتل بلده باستخدام أداة تؤلم المدنيين بشكل شديد، ونحن نوثق هذا الألم. وبالتوازي مع ذلك، نبحث عن استراتيجية معقدة ننشد من خلالها العدالة وذلك عبر محاسبة كل الجناة".

وهذه المرأة عضو في مجموعة أطلقت على نفسها شبكة سوريا وأوكرانيا، جمعت بين سوريين وأوكرانيين حول أهداف يأتي على رأسها التعاون على توثيق جرائم الحرب، وتقديم المساعدة الطبية، ومحاربة التضليل الإعلامي الروسي، وحماية المدنيين من القوات الروسية. كما يقوم الطرفان بتبادل المعلومات حول شخصيات روسية تلوثت أيديها بدماء سورية وأوكرانية.

وحول ذلك يعلق معاذ مصطفى المدير التنفيذي لفرقة العمل السورية للطوارئ بالقول: "لعل الجندي أو الضابط الروسي في أوكرانيا لم يقتل أي طفل هناك بعد، لكنه سبق أن فعل ذلك في سوريا، لذا لا بد من محاسبته إن ألقي القبض عليه.. ولهذا يجب علينا جميعاً أن نعمل معا، وهذا يصب في المصلحة القومية للولايات المتحدة وحلفائها، بل إنه الشيء الصحيح الذي يبنغي القيام به".

حصانة مزعومة

بيد أن المأساة في الموضوع هي أن تجاهل العالم لفظائع بوتين التي ارتكبها في الماضي في أماكن مثل الشيشان وسوريا قد جرّأته على توسيع نطاق تلك الممارسات في أوكرانيا، بحسب ما ذكره ستيفن راب السفير الأميركي السابق فوق العادة المعني بقضايا جرائم الحرب، إلا أن هنالك تصورا عاما شائعا حول حصانة بوتين من الملاحقة على جرائم الحرب التي ارتكبها بموجب القانون الدولي، إلا أن هذا التصور خاطئ، ولهذا يقول راب: "ما رأيناه هو خروج روسيا من الجرائم مثل الشعرة من العجين طوال سنين دون أن يقوم أحد بمحاسبتها.. أي إن الإفلات من العقاب لا ينتج عنه إلا إفلات آخر من العقاب، بيد أن المحكمة الجنائية الدولية تتمتع بسلطة قضائية حقاً، وبوسع المدعي العام أن يصدر لائحة اتهام بحق بوتين غداً".

إذ بموجب مبدأ مسؤولية القيادة، يصبح بوتين مسؤولاً بشكل مباشر عن تلك الجرائم وعرضة للملاحقة القضائية بحسب ما يراه راب، ويضيف بأن المحكمة الجنائية الدولية ليست المكان الوحيد الذي يمكن من خلاله محاكمة بوتين وغيره من مجرمي الحرب، وذلك لأنهم يمكن محاكمتهم أيضاً في محاكم أوكرانية، أو في محاكمة تقام لهم في دول ثالثة، وذلك عملاً بمبدأ الولاية القضائية الشاملة (إذ سبق أن تمت محاكمة مجرمي حرب سوريين في محاكم ألمانية مثلاً).

والآن، أصبحت جهات التحقيق والادعاء في أوكرانيا تتعلم الأساليب والطرق التي انتهجها من حققوا في جرائم الحرب المرتكبة في سوريا وأمضوا سنوات وهم يعملون على تطويرها. ومن بينهم ييفغيني فيندمان، وهو مسؤول سابق في البيت الأبيض وكولونيل متقاعد من الجيش الأميركي، حيث شارك هذا الرجل في الجهود الأميركية-الأوروبية التي يشار إليها باسم: المجموعة الاستشارية المعنية بالجرائم الفظيعة، والتي تحتل قلب تلك الجهود.

اقرأ أيضا: جرائم حرب.. هكذا عذبت روسيا الأوكرانيين في 10 مواقع    

وعن ذلك يحدثنا فيندمان فيقول: "يخضع كبار المسؤولين الروس للسلطة القضائية التي تتمتع بها المحكمة الجنائية الدولية أو للمحاكم الوطنية في أوكرانيا، أو أي جسم قضائي آخر، وبوسع تلك الكيانات أن تقوم بملاحقتهم قضائياً، سواء أأعجبنا ذلك أم لم يعجبنا... ولقد قام الأوكرانيون بالخطوات الأولى في ذلك الاتجاه... فهم يبحثون في حالات مسؤولية القيادة بحسب التسلسل".

هنالك أدوات عديدة بوسع الحكومة الأميركية أن تستعين بها لتسهم في تلك الجهود، إذ هنالك التأييد والدعم من قبل كلا الحزبين في الكونغرس وذلك للإعلان عن أن روسيا دولة ممولة وراعية للإرهاب، وهذا بكل بساطة ليس سوى مجرد اعتراف بالحقيقة العارية. كما يمكن للولايات المتحدة أن تدعم الدعوات التي تطالب دول البلطيق بإقامة محكمة دولية لمحاسبة بوتين وروسيا على جريمة عدوان دولية منفصلة والتي سبق أن استعانت بها الولايات المتحدة (وروسيا) لمقاضاة مجرمي الحرب النازيين في نورمبيرغ.

إن الجرائم الدولية التي ارتكبها بوتين لا تسقط بالتقادم، ولهذا عليه أن يدرك أنه طالما بقي حياً فإن ضحاياه وأهاليهم لن يكفوا عن المطالبة بالعدالة. ولهذا فإن أقل شيء بوسعنا فعله هو أن ندعم تلك الجهود، حتى يتمكن الضحايا في يوم من الأيام من رؤية بوتين وكل من ارتكبوا تلك الجرائم والفظائع التي أمر بتنفيذها وهم يحاكمون ويسجنون، تماماً كما يستحقون.

 المصدر: Washington Post