في أحدث القرارات المثيرة لحيرة وقلق المواطنين السوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام، رفعت "المؤسسة العامة السورية للمطبوعات" أسعار الكتب المدرسية لمرحلتي التعليم الثانوي والمهني، لتتجاوز قيمة تلك الكتب 50 في المئة من معاشات شريحة واسعة من الموظفين.
قرار "مؤسسة المطبوعات" الذي جاء قبيل أيام من انطلاق العام الدراسي الجديد (2022- 2023)، من شأنه أن يزيد عبئاً مادياً جديداً على أصحاب الدخل المحدود من المواطنين المقيمين داخل مناطق سيطرة النظام، خاصة لمن لديه أكثر من طالب في المرحلة الثانوية أو التعليم المهني، التي كانت كتبها وكتب بقية المراحل توزّع بالمجان خلال جميع العقود الماضية نظراً لمجانية التعليم في سوريا.
ويضاف إلى تكاليف تلك الكتب، المبالغ الطائلة التي يدفعها المواطن لقاء القرطاسية والحقائب واللباس المدرسي وبقية المستلزمات، والتي تصل تكاليفها -للطالب الواحد- إلى نحو نصف مليون ليرة سوريا في العام الواحد، في ظل الغلاء المعيشي غير المسبوق وانتشار الفقر بين المواطنين الذين بات تمويلهم الرئيس لتأمين قوتهم اليومي يعتمد على ما يصلهم من حوالات خارجية، بحسب اعتراف مسؤولي النظام أنفسهم.
عذر وتبرير أقبح من ذنب!
المدير العام لمؤسسة المطبوعات علي عبود يبرر رفع أسعار الكتب المدرسية هذا العام بحجة أن "يحافظ الطالب عليها، ولتكون لها قيمة علمية" على حد زعمه، مرجعاً سبب الارتفاع إلى "قلة المحروقات وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة خلال اليوم، ما دفع أصحاب المطابع لشراء المازوت من السوق السوداء، فضلاً عن قلة الورق والكرتون اللازم لإنتاج الكتاب المدرسي، إضافة إلى ارتفاع أجور النقل والطباعة"، وفق ما نقل عنه موقع "أثر برس" المحلي.
وغالباً ما يلجأ الأهالي إلى شراء الكتب المستعملة في ظل هذا الغلاء، على الرغم من الفارق البسيط بين سعر الكتب الجديدة والمستعملة نظراً لزيادة الطلب على الأخيرة من قبل معظم المواطنين.
في العاصمة دمشق، التي باتت اليوم تغصّ بمئات آلاف النازحين من مختلف المدن والبلدات السورية (حتى تلك المناطق التي استعاد النظام سيطرته عليها)، تنتشر بسطات بيع الكتب المستعملة، بما فيها الكتب الجامعية أيضاً، تحت جسر "الرئيس" في منطقة البرامكة. وحتى تلك البسطات سيطر عليها في الآونة الأخيرة عناصر الأمن والمخابرات في نظام الأسد.
رفع أقساط المدارس الخاصة
أقساط المدارس الخاصة، شهدت هي الأخرى ارتفاعات كبيرة تجاوزت التسعيرة التي حددتها "وزارة التربية" في حكومة النظام. حيث ارتفعت الأقساط -وسطياً- من مليونين إلى 5 ملايين ليرة سورية، أما أقساط رياض الأطفال، فتراوحت بين 600 ألف ليرة ومليون ليرة سورية، بحسب جودتها ومناطق وجودها.
وعلّق مدير إحدى المدارس في منطقة المزة بدمشق على قرار التربية بتوزيع الأقساط وفق النقاط للمدارس ورياض الأطفال الخاصة، بالقول إنه "جعل الناس يدخلون في دوامة الأسعار غير المفهومة، واختيار المدرسة وفق السمعة وعلى التجريب، والكثير من الطلاب تحولوا من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية.
وفي منتصف حزيران الماضي، نشرت "التربية" في حكومة النظام تعميماً حددت فيه أقساط المدارس والمعاهد الخاصة، بحسب الصفوف والمراحل الدراسية وبحسب تصنيف تلك المدارس، مثيرة التساؤل والحيرة لدى الأهالي بسبب ورود بنود غير واضحة تتعلق بمدفوعات إضافية.
وحدد التعميم قيمة "بدل الخدمات والمبالغ الإضافية بحسب عدد (النقاط)"، ما أثار تساؤلات عديدة حول معنى "النقطة" الذي لم توضحه الوزارة في تعميمها المنشور. حيث حددت قيمة "النقطة الواحدة لكل من: رياض الأطفال 15 ألف ليرة سورية، و20 ألفاً للتعليم الأساسي1، و25 ألفاً للتعليم الأساسي2، و30 ألفاً للثانوي.
وفي كل عام ترفع معظم المدارس الخاصة أقساطها عشرات الأضعاف من دون وجود حسيب أو رقيب، مقابل تحايلها على دفع الضرائب المترتبة عليها من جراء رفعها لأقساطها، إضافة إلى حرمان طلاب المنتسبين إلى نقابة المعلمين من الاستفادة من حسوماتها.
هل سيُرفع الدعم عن التعليم الحكومي أيضاً؟
أثار القرار الأخير لرفع سعر الكتاب المدرسي، إضافة إلى القرارات الأخرى المتعلقة بالأقساط وبالتكاليف "الباهظة" التي تشتكي منها على الدوام "وزارة التربية" في حكومة النظام، مخاوف المواطنين من أن تلحق مؤسسة التعليم الحكومي ببقية المؤسسات والمواد التي رُفع عنها الدعم، في ظل توارد أنباء تفيد بـ "تمهيد حكومي" لرفع الدعم عن هذا القطاع بآلية ما.
ومن بين التوقعات المطروحة ضمن آلية رفع الدعم، أن ترتفع أسعار الكتب المدرسية والجامعية أضعافاً مضاعفة، أو فرض رسوم دراسية باهظة ضمن قطاع التعليم الحكومي على أبناء العائلات التي رُفع عنها الدعم الحكومي بعد صدور قرار رفع الدعم في شباط الماضي.
وشمل قرار رفع الدعم العديد من المواد الأساسية، على رأسها المحروقات والغاز والخبز ومواد غذائية أخرى أساسية، واستبعاد فئات محددة من الدعم، بحجة "إيصاله إلى مستحقيه من الشرائح الأكثر احتياجاً في المجتمع ومنع استغلاله وإيقاف الهدر"، ليُفاجَأ كثيرون باستبعادهم من الدعم رغم أنهم من الفئات المستحقة له وفق معايير حكومة النظام.
وأدّى قرار رفع الدعم الذي شمل آلاف العائلات الفقيرة في سوريا، إلى حالة من التخبط والتناقض في التصريحات الرسمية لمسؤولي النظام في محاولة لتبرير الأخطاء الحاصلة بتطبيقه وخروج تلك العائلات من الدعم وإجبارها على شراء المواد الأساسية بالسعر الحر الذي يبلغ أضعاف سعر المدعوم.
فهل يمهّد نظام الأسد اليوم لرفع الدعم أيضاً عن قطاع التعليم الحكومي (الإلزامي) أيضاً بالرغم من كل ما يعانيه هذا القطاع من انهيار وتراجع أخرجه من قائمة التصنيفات الدولية الخاصة بالتعليم؟
إذ تشهد العملية التربوية تدهوراً كبيراً في جميع مراحلها، سواء من ناحية المناهج، وتوفير متطلباتها، أو من ناحية ارتفاع معدلات التسرب من المدارس، بسبب انعدام الأمن والفقر، في ظل انهيار الليرة السورية وتدهور الأوضاع المعيشية.