تداولت وسائل إعلام محلية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، أنباء عن انتشار مرض "الكوليرا" في حلب، وسط تكتم وغموض في سلوك المؤسسات الطبية التابعة للنظام، والتي ادعت في النهاية أن الأمر ليس أكثر من مجرد "إسهال".
تلفزيون "الخبر" المقرب من النظام السوري، كذّب الأخير عبر إشارته اليوم السبت إلى أن نتائج اختبار فحص "الكوليرا" السريع على براز المرضى في بعض مشافي حلب، ونتائج اختبارات الزرع والـ"بي سي آر" (PCR) جاءت إيجابية، ما يؤكد انتشار المرض في حلب.
وتتوافق هذه المعلومات مع إفادة اختصاصي الأمراض الداخلية في حلب مضر نيازي، حول زيادة عدد الحالات التي راجعت عيادته خلال الأسبوعين الماضيين، والتي تتوافق أعراضها مع الإصابة بـ"الكوليرا"، وفق ما نقل عنه موقع "أثر برس" المقرب من النظام، اليوم السبت.
النظام: أقاويل الناس مبالغ فيها
ونفى مدير صحة حلب التابعة للنظام السوري زياد حاج طه، الأنباء المتداولة، وقال إن "إجراءات التقصي والتدقيق في حالات (الإسهالات) الواردة إلى بعض المشافي، تبيّن أن الأقاويل والأرقام المتداولة بين الناس وعبر مواقع التواصل الاجتماعي مبالغ بها".
وزعم طه، أن مشافي النظام استقبلت بعض الحالات فقط، ضمن الحد الطبيعي والمقبول، من المصابين بـ"إسهالات صيفية"، التي عادة ما تحدث في هذا الوقت من السنة بسبب موجات الحر الشديد وغيرها، وأن العلاج والأدوية اللازمة متوفرة بشكل كامل.
وادعى طه أيضاً، أن "الأعراض تتراوح ما بين الخفيفة والمتوسطة، وأغلب الحالات تتعافى سريعاً ويتم تخريجها في اليوم التالي".
جناحان في مشافي النظام لاستقبال حالات "الإسهال"؟
ورغم أن طه ادعى أن عدد الإصابات "طبيعي" و"مقبول"، زعم مصدر طبّي مطلع، أن جناحين جرى تخصيصهما لاستقبال تلك الحالات في مشافي النظام، تتألف من قرابة 60 سريرا، كانت جميعها ممتلئة يوم الأحد الماضي، وفق ما نقل تلفزيون "الخبر".
وأكد المصدر، وجود تعميم يلزم المشافي باستقبال أي حالة تعاني من إسهالات مائية، وتقديم كل العلاجات اللازمة.
وأشارت مصادر طبية أخرى، إلى استقبال بعض مشافي حلب لحالات تعاني من إسهالات يرافقها هبوط في الضغط، وأخرى يرافقها تجفاف قد يؤدي إلى إصابة كلوية، وهو ما يعتبر من أعراض الإصابة بـ"الكوليرا".
مديرية صحة حلب.. الغموض سيد الموقف
وساهم الإنكار المتواصل، وعدم الشفافية، والتلميحات الغامضة في منشورات "مديرية صحة حلب" عبر صفحتها على "فيس بوك"، بزيادة القلق وانتشار الشائعات، عوض تأدية مهمتها المنوطة بها وهي توعية الأهالي في مناطق سيطرة النظام لإجراءات الوقاية من المرض، وإرشادات فترة العلاج.
ورصد موقع تلفزيون سوريا، منشورين لمديرية صحة حلب، "تهيب" من خلال أحدهما بالمواطنين اتباع سلسلة من الإجراءات لتجنب ما سمته بـ"الاضطرابات الهضمية"، وفي منشور آخر أعلنت عن دورة للكوادر الطبية لـ" تعزيز نظام الترصد المرضي" و"تدبير الإسهال الحاد".
الرازي.. مشفى عزل لمرضى "الكوليرا"
وأكد اختصاصي أمراض الداخلية الدكتور مضر نيازي، أن نحو 10 بالمئة من المصابين بـ"النزلات المعوية" في حلب، لديهم أعراض الإصابة بمرض "الكوليرا"، ويجري تحويلهم إلى مشفى الجامعة ومشفى الحميات الموجود ضمن مشفى الرازي بحلب، لإجراء التحليل وتلقي العلاج، وفق ما نقلت عنه "أثر برس".
وتتوافق تصريحات نيازي، مع منشورات مجهولة المصدر على "فيس بوك"، تدعي أن مشفى الرازي تحول تماماً إلى مشفى عزل لمرضى "الكوليرا".
كذلك رصد موقع تلفزيون سوريا، تداولاً كبيراً لمنشور يؤكد تفشي مرض "الكوليرا" في حلب وجوارها، وبتتبع المصدر ظهر أن الناشر الأول هو الدكتور السوري مهند ملك المختص بعلم الخلايا السرطانية، ونقل التأكيد عن مصادر محلية وطبية من داخل مدينة حلب.
النظام يواصل النفي: لا يوجد حتى حالات مشتبه بها
ونفى النظام وجود إصابات في دمشق أيضاً، وادعى مدير مشفى "المواساة" عصام زكريا الأمين، أنه ما من حالات مصابة بـ"الكوليرا" راجعت المستشفى.
وزعم مدير مشفى "المجتهد" أحمد عباس، "أن الحالات التي تراجع العيادات والإسعاف هي حالات إصابة بالإسهال ضمن الحدود الطبيعية في فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة، إذ وصل وسطي عدد المرضى يومياً من 6 إلى 10 حالات"، وفق ما نقل موقع "أثر برس"، اليوم السبت.
كذلك نفى مدير صحة دير الزور بشار شعيبي، وجود أي إصابة بـ"الكوليرا" في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في دير الزور، بل ولا توجد أي حالة مشتبه بها، وادعى هو أيضاً أن الحالات التي تراجع المشفى هي حالات إسهال موسمي، ضمن معدلها الطبيعي.
أسباب تفشي المرض.. مياه مجهولة المصدر!
وتعتبر المياه الملوثة أبرز أسباب انتشار مرض "الكوليرا" وتفشي العدوى بين الناس، كذلك ينتقل المرض عن طريق الخضار والفواكه التي جرت سقايتها بمياه ملوثة بـ"الكوليرا"، فضلاً عن دور قلة النظافة الشخصية في تفشي العدوى.
وعلى الرغم من ادعائه عدم وجود إصابات بـ"الكوليرا"، كشف مدير صحة حلب زياد حاج طه، إغلاق عدد من معامل الثلج التي تستخدم مياه من مصادر مائية غير مضبوطة، على حد تعبيره.
وأضاف طه، أنه يجري كذلك "إتلاف جميع الحشائش والخضراوات التي تمت سقايتها بمياه الصرف الصحي".
وأكد تلفزيون "الخبر" المقرب من النظام، أن 2 من أصل 10 معامل للثلج في حلب وحدها، ضبطا باستخدام مياه ملوثة بـ"الكوليرا"، في حين ادعى أحد أصحاب المطاعم في حلب، وجود تعميم يمنع تقديم الحشائش مع وجبات الطعام، بهدف الوقاية من الجراثيم المنقولة عبر الغذاء.
وتتفق هذه المعلومات، مع تلك التي قدمها الطبيب مضر نيازي، الذي أشار إلى احتمال تفشي المرض في حلب بسبب شرب مياه مجهولة المصدر، أو ملوثة بمياه الصرف الصحي، أو عن طريق تناول خضار مسقية بمياه الصرف الصحي، فضلاً عن تناول أطعمة جاهزة ملوثة، وبشكل خاص المثلجات.
كما تتفق هذه الادعاءات، مع تعليقات رصدها موقع تلفزيون سوريا عبر "فيس بوك"، تتحدث عمّا يعتقد الأهالي أنه سبب لانتشار "الكوليرا" بينهم في حلب.
وقبل أيام من انتشار هذه الأنباء، كان رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق عبد العزيز المعقالي، قد كشف أن 50 بالمئة من الفلاحين في غوطة دمشق يستخدمون مياه الصرف الصحي، لري مزروعاتهم الورقية كالبقدونس والنعنع والخس والسلق والملوخية وغيره.
وعزا ذلك إلى انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، وعدم قدرة المواطنين على شراء المازوت لتشغيل المولدات، لاستجرار المياه النظيفة من الآبار الارتوازية، بحسب "أثر برس".
وبحسب الأطباء الذين نقلنا تصريحاتهم في هذا التقرير، فإن "الكوليرا" مرض بكتيري، يتسبب بإسهال شديد "إسهال مائي"، إقياء، ارتفاع درجات الحراراة، العطش، التجفاف، والقصور الكلوي الذي يتسبب بالوفاة خاصة لدى كبار السن ومرضى السكري.
لكن الأطباء أشاروا أيضاً إلى أن معظم الحالات قابلة للشفاء، وأن نسبة الوفاة لا تتجاوز 5 بالمئة من المصابين، وغالباً ما تكون الأعراض خفيفة ومتوسطة، أما الحالات الشديد فلا تشكل سوى 10 بالمئة من الإصابات عالمياً.