"في كل جلسة كان عدد من الشباب يشتكون البطالة وقلة فرص العمل"، يتحدث أحمد المحمد علي، عن بدايات نشوء فكرة إيجادِ وسيلة لتأمين فرص عمل للشباب، في وقتٍ تتراجع فيه الظروف الاقتصادية والمعيشية في منطقة شمالي غربي سوريا.
تهجّر أحمد قبل حوالي ثماني سنوات من مدينة صوران في ريف حماة، وعايش حالة النزوح التي فرضت تبدلاً قسرياً في الأحوال المعيشية لفئة واسعة من المهجرين ممن خسروا مصادر رزقهم أو أعمالهم، بحسب قوله، مردفاً: "الأمر الذي جعلني دائم التفكير حول إمكانية تشغيل أكبر عدد ممكن من الشباب".
وأطلق قبل عام مبادرة بدأت على غرف تطبيق "واتساب" تعرض فرص العمل على عدد من الشباب والشابات، وتطورت الفكرة اليوم لافتتاح مكتب قرب بلدة كللي شمالي إدلب، تحت اسم "باب رزق"، ليبدأ المشروع بشكل فيزيائي.
"من واتساب إلى المكتب"
يقول أحمد ـ مؤسس مكتب "باب رزق"ـ في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ "أسباب التوجه نحو العمل الفيزيائي، هو تعزيز الثقة بين الشباب المستفيدين والمشروع، إذ كان ينظر للمبادرة على أنها وهمية أو باب من أبواب الاحتيال على اعتبارها عبر الإنترنت".
ويردف: "بالفعل، كثير من الشباب يزورون المكتب بدافع التأكد من مصداقية المبادرة ووجودها على أرض الواقع.. وهو ما جعلها محط إقبال لافت بفترة قياسية بعد افتتاح المكتب".
وبحسب مؤسس المشروع، فإنّ أكثر من خمسين شاباً وشابة سجّلوا في المكتب بحثًا عن فرصة عمل، خلال أقل من شهر، في حين بلغ أعداد المسجلين "أون لاين"، في وقتٍ سابق، أكثر من 450، بينما وصل أعداد الأشخاص الذين استطاع المشروع أن يوصلهم مع ربّ العمل نحو 50 شخصاً، منذ تأسيسه قبل عام.
بطالة مرتفعة
تأتي المبادرة في وقتٍ تعكس الإحصاءات، حالة مدقعة للعمالة في شمالي غربي سوريا، إذ يشير تقرير صادر في آب الفائت لـ"منسقو استجابة سوريا"، إلى أن متوسط نسبة البطالة بين السكان المحليين وصلت إلى 88 في المئة.
ويعزي الفريق أسباب البطالة إلى "عدم توفّر فرص العمل، وعدم وجود الخبرة الكافية، وضعف التدريب والكفاءات الوطنية، وعدم توافر الخبرات العملية لمعظم الخريجين، إلى جانب غياب متابعة ودعم من مكان تخرجهم".
ومن ضمن الأسباب أيضاً: "توظيف وعمل بعض الشباب في أعمال وأشغال مؤقتة ولا تحتاج إلى خبرات، وأجور متدنية جداً لا تكفي لتحقيق أي هدف من أهدافه ولا تزيد من خبراته فتظل مشكلة البطالة قائمة، وكذلك استغلال أزمة الشباب وتشغيلهم عمالة مؤقتة من دون عقود ولمدة قصيرة ومتقطعة، لا يستطيع من خلالها الشباب تحقيق أي تقدم في حياتهم المادية والعملية".
آلية عمل المبادرة
يشير "المحمد علي" إلى أن "التفكير في إنشاء مشروع يوفّر فرص عمل جماعية مثل مشاريع بيت المونة، سبقت فكرتي الحالية، لكن اصطدمت بمسألة المنح المالي والتمويل الذي حال من إطلاق المشروع، فاتّجهت نحو مشروع (باب رزق)".
أراد أحمد الذي عمل لسنوات في العمل التطوعي الخيري بالمنطقة، أن يستفيد من تراكم سنيّ الخبرة في المجال الإنساني لإطلاق مشروع لتشغيل الشباب، إلا أنه يلاحظ التراجع غير المسبوق في المنح الخيرية والمتبرعين، وهو أمر يوازي انخفاض المنح الدولية للمنطقة.
يوضح أنّ "فكرة المشروع تقوم على إنشاء قاعدة بيانات للمتقدمين تضم معلومات عن شهاداتهم وخبراتهم ومعلوماتهم الشخصية مثل الاسم والعمر ورقم الهاتف، والمكتب يجري جولة على المنشآت الخاصة لتسجيل الشواغر وفرص العمل المتوفرة، ومن ثم يقاطع الشواغر المتوفرة مع المتقدمين، وبعدها يربط المستفيدين مع أصحاب المنشآت بحسب الفرصة المتوفرة، وهنا تنتهي المهمة".
ويختص عمل المكتب مع منشآت القطاع الخاص فقط، حيث وصل إلى أكثر من 50 منشأة بين معامل ومصانع ومطاعم ومدارس خاصة، مبيناً أن هناك تعاون ملحوظ من قبل أصحاب المنشآت، إذ يمكن أن يساعدهم المكتب في إيجاد كفاءات مميزة أو نادرة في سوق العمل.
أجور رمزية ونقص في الكادر
يعتبر أحمد أن أجور التسجيل البالغة 100 ليرة تركية، هي أجور رمزية لتغطية مصاريف التنقل بين المنشآت وإيجار المكتب، مشيراً إلى أنّ الإعفاءات من الأجور تشمل "الأرامل والأيتام ما دون الـ15 عاماً، وحالات البتر"، مؤكداً أن للحالات السابقة أولوية أيضاً في الفرص المتوفرة.
يعمل أحمد وحيداً في المشروع، وهو ما يعدّه تحدياً كبيراً أمام نجاحه، مردفاً: "أحتاج لفريق متكامل مثل العلاقات العامة والنشر والتواصل مع المستفيدين ومدخل بيانات.. لكن الأمر مرتبط بانطلاق المشروع بشكل قوي".
وفي ختام حديثه، أشار أحمد إلى أنّه يطمح في إنشاء مشروع توظيف متكامل يبدأ من اختيار الكوادر إلى العمل على تدريبها بشكل احترافي يؤهلهم دخول سوق العمل، وصولاً إلى التوظيف".
"تأكدنا من المصداقية"
كمال ياسين -أحد زوّار مكتب "باب رزق"- قال إنّ "الهدف من زيارتنا الأولى للمكتب هو التأكّد من المصداقية، لأننا اعتبرنا في البداية أن المشروع وهمي ولكسب المتابعات على مواقع التواصل".
وأضاف كمال خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا: "بعد ما تأكدنا من مصداقية عمل المكتب، في المرة المقبلة ستكون الزيارة للتسجيل على فرصة عمل مناسبة"، مشيراً إلى أنّه يعاني من صعوبات تأمين فرصة عمل مناسبة، ويتطلع إلى أن يكون المكتب فعلاً "بوابة لإيجاد الفرصة بعد طول بحث".