icon
التغطية الحية

تحديات متزايدة وفرص مفقودة.. البطالة تبتلع أحلام الشباب في شمال غربي سوريا

2024.08.27 | 06:31 دمشق

آخر تحديث: 27.08.2024 | 06:31 دمشق

55
البطالة تبتلع أحلام الشباب في شمال غربي سوريا - AFP
تلفزيون سوريا - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

تتزايد معاناة السكان والشباب على وجه الخصوص في شمال غربي سوريا مع الارتفاع المقلق في معدلات البطالة، مما يفاقم من وطأة الأوضاع المعيشية، ومن بين جملة من الأزمات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، باتت البطالة كابوساً يطارد آلاف الشباب والعائلات الباحثة عن بصيص أمل.

تسهم عوامل عديدة في ارتفاع نسبة البطالة مثل ضعف الواقع الاقتصادي، وغياب المبادرات التنموية، ومن المهم التذكير بأن البطالة ليست مجرد إحصائية عابرة، بل هي حكايات معاناة تعكس الأثر العميق لهذا التراجع في فرص العمل على المجتمع، وما يرافقه من تضخم وارتفاع معدلات الفقر وتزايد الهجرة بحثاً عن فرص مختلفة.

البطالة في شمال غربي سوريا

سبق أن قال فريق "منسقو استجابة سوريا" إنّ فئة الشباب في المجتمع السوري تواجه العديد من القضايا، أبرزها قضية البطالة، والتي تُعدّ من أبرز القضايا الملحة ضمن المجتمع المحلي في شمال غربي سوريا، خاصة مع الآثار السلبية لها من عدة جوانب، أبرزها هجرة الشباب وارتفاع معدلات الجريمة وزيادة مستويات الفقر بين المدنيين في المنطقة.

ووصلت معدلات البطالة بين السكان المدنيين في شمال غربي سوريا إلى 88.82 في المئة بشكل وسطي (مع اعتبار أن عمال المياومة ضمن الفئات المذكورة)، كما فصّل الفريق في بيانه النسب بين الذكور والإناث والنازحين والمهجرين والسكان المحليين.

66

ومن الأسباب التي سردها الفريق لزيادة نسبة البطالة: "عدم توفر فرص العمل - عدم وجود الخبرة الكافية وضعف التدريب والكفاءات الوطنية، وعدم توافر الخبرات العملية لمعظم الخريجين، وعدم وجود متابعة ودعم من مكان تخرجهم - توظيف وعمل بعض الشباب في أعمال وأشغال مؤقتة لا تحتاج لخبرات، بأجور متدنية جداً لا تكفي لتحقيق أي هدف من أهدافهم ولا تزيد من خبراتهم، فتظل مشكلة البطالة قائمة - استغلال أزمة الشباب وتشغيلهم كعمالة مؤقتة من دون عقود ولمدة قصيرة ومتقطعة، مما لا يسمح للشباب بتحقيق أي تقدم في حياتهم المادية والعملية".

واقترح الفريق "ربط التعليم والتدريب باحتياجات السوق - توفير البدائل والعمل على إقامة المشروعات التي تتسع لأكبر قدر من الأيدي العاملة - توفير فرص عمل جديدة للشباب والدعم المادي للمشروعات الصغيرة - ضرورة الاهتمام بالصناعات الصغيرة والحرف اليدوية التي من شأنها استقطاب عدد كبير من اليد العاملة إذا ما توفر الدعم اللازم لها".

وقال الباحث الاقتصادي حيان حبابة إنّ أبرز أسباب ارتفاع معدلات البطالة يتمثل في الاكتظاظ السكاني، مقارنة بالمساحة الجغرافية الصغيرة في المنطقة وقلة المشاريع الاستثمارية فيها، فضلاً عن أسباب أخرى منها عزوف كثير من رؤوس الأموال عن الاستثمار في شمال غربي سوريا، كما أن تدني مستوى التعليم يلعب دوراً في ذلك.

ومن الحلول التي طرحها حبابة في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، تشجيع المستثمرين على إنشاء مشاريع في المنطقة، وتأمين بيئة مستقرة لجذبهم، وتحسين مستوى التعليم والتدريب وتطوير المهارات، والتشجيع على الصناعات المبتكرة من خلال إزالة الضرائب الجمركية على المواد الأولية المستوردة، وإلغاء ضريبة الإنتاج المفروضة على المعامل والمصانع، مع العمل على تنظيم سوق العمل، كتشكيل نقابة توجه وتنظّم العمال.

أسباب متراكمة

تعد مشكلة البطالة في شمال غربي سوريا من أبرز القضايا التي تؤثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للسكان، وتعود هذه الظاهرة إلى مجموعة متراكمة من الأسباب، منها:

1- حرب النظام السوري وحلفائه على المنطقة، حيث كان لذلك تأثير مدمر على البنية التحتية، الاقتصاد، والنسيج الاجتماعي، فضلاً عن الدمار الواسع في المدن والقرى، والعديد من المنشآت الاقتصادية.


2- النزوح والتهجير، إذ أجبرت هجمات النظام ملايين السوريين على النزوح من منازلهم إلى مناطق أكثر أماناً نسبياً في شمال غربي سوريا، مما خلق ضغطاً كبيراً على سوق العمل المحلي، حيث تزايد عدد الباحثين عن العمل في ظل تناقص فرص التوظيف، مع تضاعف المنافسة على الوظائف المتاحة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير بين السكان النازحين والمقيمين على حد سواء.

3- ضعف الاستثمارات، مما أسهم في تقلص فرص العمل المتاحة، وحال دون خلق وظائف جديدة يمكن أن تستوعب أعداد العاطلين عن العمل.

4- غياب المشاريع التنموية والمساعدات الفعالة: رغم وجود بعض المنظمات الإنسانية التي تعمل في مناطق شمال غربي سوريا، إلا أن معظم المساعدات تتركز على الجانب الإغاثي الطارئ كالغذاء والدواء، دون توفير مشاريع تنموية أو برامج تدريبية تمكن السكان من اكتساب المهارات والبدء في مشاريع صغيرة.

5- التضخم وغلاء المعيشة: الواقع الاقتصادي في المنطقة يعاني من ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير، مما جعل تكلفة المعيشة أعلى من قدرة العديد من الأسر على تحملها، مع ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة المحلية، لم تعد الرواتب القليلة المتاحة تكفي لتغطية احتياجات الحياة اليومية، مما دفع كثيرين للبحث عن عمل إضافي دون جدوى، وزاد من تعقيد مشكلة البطالة.

6- تراجع القطاع الزراعي والصناعي: في شمال غربي سوريا، كانت الزراعة والصناعة من القطاعات الأساسية التي تعتمد عليها المنطقة في توفير فرص العمل، ولكن نتيجة قصف النظام، شهد هذان القطاعان تراجعاً كبيراً.

الآثار المستقبلية لزيادة البطالة

يشكّل ارتفاع معدلات البطالة في شمال غربي سوريا تحدياً على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، وقد يترتب عليه آثار بعيدة المدى تمتد لعقود قادمة، هذه الآثار لا تتوقف عند الفرد فقط، بل تنعكس بشكل واسع على المجتمع بشكل عام.

ومن الآثار المترتبة على زيادة معدلات البطالة، تفاقم الفقر وزيادة معدلات الجريمة، حيث يجد الأفراد والعائلات أنفسهم غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية من غذاء، وسكن، وتعليم.

ومع استمرار البطالة، من المتوقع أن يتزايد عدد الأسر التي تعيش تحت خط الفقر، بالتالي سيدفع هذا الوضع بعض الأفراد إلى اللجوء إلى وسائل غير قانونية لتأمين معيشتهم، مثل السرقة أو التهريب أو الانخراط في "أنشطة إجرامية" أخرى.

كذلك، فإنه ومع استمرار البطالة وتدهور الأوضاع المعيشية، من المرجح أن يزداد عدد الأشخاص الذين يقررون الهجرة بحثاً عن فرص عمل أفضل أو حياة أكثر استقراراً.
 

من ضمن الآثار أيضاً، تدهور الصحة النفسية وزيادة الأزمات الاجتماعية، حيث يشعر العاطلون عن العمل بالإحباط والعجز واليأس، كذلك زيادة مستويات التوتر والاكتئاب، مما قد يدفع البعض إلى تعاطي المخدرات أو الانخراط في سلوكيات خطيرة أخرى.

وعلى مستوى المجتمع، يمكن أن يؤدي تدهور الصحة النفسية إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية مثل العنف الأسري، وانهيار العلاقات الأسرية، وارتفاع معدلات الطلاق.

وقد تؤدي زيادة البطالة إلى تراجع مستوى التعليم في المنطقة، حيث تضطر العديد من الأسر إلى سحب أطفالها من المدارس بسبب عدم القدرة على تحمل تكاليف التعليم أو بسبب الحاجة إلى مشاركة الأطفال في الأعمال المعيشية لتأمين دخل إضافي، ومع مرور الوقت، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات الأمية وتراجع الكفاءات التعليمية لدى الجيل القادم.

وسيزداد مع ارتفاع معدلات البطالة الاعتماد على المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية والمحلية، ورغم أن المساعدات قد توفر الحلول المؤقتة، إلا أنها ليست بديلاً عن الحلول المستدامة التي يمكن أن تخلق فرص عمل وتدفع عجلة التنمية نحو الأمام.

كما أن استمرار الاعتماد على المساعدات قد يؤدي إلى خلق حالة من الاعتماد المفرط، حيث يصبح الأفراد أقل قدرة على الاعتماد على أنفسهم في تأمين مصادر دخل دائمة ومستقرة.

ما الحلول للحد من البطالة؟

فيما يلي مجموعة من الحلول المقترحة للحد من البطالة:

  • دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة: المشاريع الصغيرة والمتوسطة تشكل أحد أهم محركات النمو الاقتصادي، ويمكن لتقديم الدعم المالي والفني لهذه المشاريع أن يسهم في خلق فرص عمل محلية، هذا الدعم يشمل تقديم قروض صغيرة من دون فوائد للمشاريع الجديدة، وتوفير التدريب لرواد الأعمال.
  • تعزيز القطاع الزراعي: القطاع الزراعي يعتبر مصدراً رئيسياً للعمالة في شمال غربي سوريا، يمكن لتحسين الإنتاجية الزراعية أن يسهم في خلق فرص عمل جديدة.
  • الاستثمار في التعليم والتدريب المهني: إصلاح النظام التعليمي في شمال غربي سوريا يعد خطوة أساسية للحد من البطالة على المدى الطويل.
  • تعزيز التعاون الدولي وجذب الاستثمارات: استقطاب الاستثمارات الأجنبية والمحلية يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في خلق فرص عمل جديدة، لذلك يجب توفير بيئة قانونية وأمنية مشجعة على الاستثمار، بما في ذلك تسهيل القوانين التنظيمية وتقديم حوافز ضريبية للشركات التي تستثمر في المنطقة.
  • تقديم برامج دعم للأسر المتضررة: العديد من الأسر في شمال غربي سوريا تعاني من تداعيات النزوح والبطالة، ومن المهم توفير برامج دعم تستهدف هذه الأسر بشكل مباشر.

ورغم ارتفاع معدلات البطالة، هناك خطوات يمكن للشباب اتباعها لتحسين فرصهم في الحصول على عمل، والاستعداد بشكل أفضل لأي فرصة، ومنها:

1- التعلم المستمر وتطوير المهارات: من المهم أن يدرك الشباب أن سوق العمل اليوم يتطلب مهارات متعددة ومتنوعة، لذلك يجب أن يسعى الشباب لتطوير أنفسهم بشكل دائم من خلال اكتساب مهارات جديدة، سواء كانت تقنية أو حرفية، إذ يمكن الانخراط في دورات تدريبية عبر الإنترنت في مجالات مثل البرمجة، التسويق الرقمي، التصميم الغرافيكي، أو حتى الأعمال اليدوية، فتعلم المهارات التي تلبي احتياجات السوق المحلي والإقليمي هو مفتاح لفتح أبواب فرص عمل جديدة.


2- المرونة في اختيار العمل: في الظروف الحالية، قد يكون من الصعب العثور على وظيفة تناسب التخصص أو الشغف الشخصي، لذلك من المهم أن يتحلى الشباب بالمرونة في قبول فرص العمل المتاحة، يمكن أن تكون الوظائف المؤقتة أو الأعمال اليدوية وسيلة جيدة لتأمين دخل، إلى جانب اكتساب الخبرة والمهارات العملية التي يمكن أن تفتح فرصاً أكبر في المستقبل.

3- التركيز على ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة: نظراً لانخفاض فرص التوظيف التقليدي، يمكن للشباب التفكير في إطلاق مشاريعهم الخاصة حتى وإن كانت الإمكانيات المالية محدودة، هناك العديد من المشاريع الصغيرة التي يمكن أن تنمو بمرور الوقت، سواء كان ذلك مشروعاً تجارياً صغيراً، أو ورشة حرفية، أو حتى عملاً حراً عبر الإنترنت.

4- البحث عن برامج تدريب مهني وفرص تطوعية: العديد من المنظمات الدولية والمحلية تقدم برامج تدريب مهني في مجالات مثل الكهرباء، النجارة، الحدادة، أو الزراعة، هذه الدورات تساعد في اكتساب مهارات عملية مباشرة تؤهل الشباب للاندماج سريعاً في سوق العمل، كما أن الانخراط في الأعمال التطوعية يمكن أن يكون فرصة لبناء شبكة علاقات قوية، واكتساب مهارات جديدة، وأحياناً فتح باب لوظائف دائمة مع تلك المنظمات.

5- التواصل وبناء شبكة علاقات قوية: العمل على بناء شبكة علاقات مهنية يمكن أن يكون مفتاحاً للحصول على فرص عمل، يجب على الشباب محاولة التواصل مع أصحاب الأعمال، والانضمام إلى الفعاليات المهنية والمحلية التي تنظمها المنظمات غير الحكومية أو المجتمعية، فالعلاقات الشخصية والمهنية يمكن أن تكون وسيلة فعالة لتبادل الفرص والمعلومات حول الوظائف المتاحة.