icon
التغطية الحية

اليمين المتطرف.. ما السيناريوهات المتوقعة للمظاهرات في بريطانيا؟

2024.08.10 | 16:49 دمشق

مظاهرات ضد العنصرية في بريطانيا ـ الأناضول
مظاهرات ضد العنصرية في بريطانيا عقب أعمال الشغب ـ الأناضول
The Economist- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

اقتحموا أبواب الفندق في وضح النهار يوم الرابع من آب، وعند الساعة السابعة تجمع ناشطون من اليمين المتطرف خارج مبنى هوليداي إن إكسبريس في مانفرز وهي ضاحية تتبع لمدينة روثيرهام الفقيرة التي تقع شمالي البلاد، ثم أخذ الحشد يهتف: "أخرجوهم" و"أحرقوا المبنى" فوق رؤوس طالبي اللجوء المقيمين داخله، وصاروا يقذفون مقاعد وألواحاً خشبية وحجارة على رجال الشرطة. ولهذا نصب موظفو الفندق حواجز أمام مبناه، في الوقت الذي أضرم فيه أحد مثيري الشغب النار عند مدخله، والعجيب في الأمر عدم تعرض أي أحد لإصابة خطيرة.

كان العنف الذي اجتاح بريطانيا طوال الأسبوعين الماضيين مرعباً، فقد كان سببه الأولي مقتل ثلاثة أطفال في 29 تموز، عندئذ اتخذت الاضطرابات شكلاً خاصاً بها، حيث شارك الآلاف بأعمال الشغب، وتفشى العنف ليصل إلى 22 مدينة وقرية، إذ أخذ القوميون البيض يهاجمون المساجد والفنادق التي تؤوي طالبي لجوء، إلى جانب تهجمهم على الأحياء التي يقطنها مسلمون وعلى المشاريع التجارية التي تعود ملكيتها وإدارتها لمسلمين.

ولهذا من الصعب تحديد موعد انتهاء تلك الأعمال وهل ستنتهي خلال فترة قريبة أم لا. بيد أن الخوف من وقوع مزيد من الاضطرابات في السابع من آب لم تتحقق إثر نزول حشود مناهضة للعنف في مظاهرات جابت شوارع البلاد، ولكن يحتمل وقوع مزيد من الصدامات والاشتباكات خلال هذه الفترة.

يذكرنا هذا العنف ورد الفعل الغامض تجاهه والذي أبداه بعض السياسيين بنوبات سابقة لوحشية اليمين المتطرف، إلا أن حجم العنف وتنظيمه يدل على شيء جديد كل الجدة.

تاريخ بريطانيا مع العنصرية

ظهرت أول أعمال شغب عنصرية في بريطانيا عام 1919، وحتى سبعينيات القرن الماضي بقيت تلك الأعمال تندلع بشكل دوري في مراكز المدن والأحياء الفقيرة المختلطة عادة، ومنذ ذلك الحين، كانت معظم أعمال الشغب، باستثناء قلة قليلة منها، تحدث بين شباب سود ورجال الشرطة، وكانت آخر كبرى أعمال الشغب قد وقعت في عام 2011، وذلك عندما أطلقت الشرطة النار على رجل أسود في لندن فأردته قتيلاً، وقتل في تلك الأحداث خمسة أشخاص آخرين، لكن الأسبوع الماضي شهد أوسع عنف يميني متطرف في تاريخ بريطانيا بعد الحرب كما قال جو مولهول من منظمة "أمل لا كراهية".

كان وقْع ذلك صادماً، إذ حتى فترة قريبة بقي اليمين المتطرف البريطاني يمثل قوة ضئيلة عالقة ما بين تراجع المواقف العنصرية، والنظام الانتخابي الذي يفوز فيه الرابح بكل شيء، وهذا النظام يفضل كبرى الأحزاب السياسية ويحابيها. وطوال القرن العشرين، حاول اليمين المتطرف وفشل فشلاً ذريعاً في حشد النشاط الشعبي لينعكس ذلك بشكل إيجابي من خلال صناديق الاقتراع، إذ إن الاتحاد البريطاني للفاشيين الذي أسسه أوزوالد موزلي، وهو شخص أرستقراطي معاد للسامية، استقطب نحو 50 ألف مؤيد خلال ثلاثينيات القرن الماضي، من دون أن يحقق أي تقدم في مجال الانتخابات. وبعد الحرب العالمية الثانية، اتجه موزلي إلى إطلاق حملات عدوانية في الشوارع ضمن تجمعات المهاجرين.

واستمر هذا الأسلوب خلال سبعينيات القرن الماضي من خلال الجبهة الوطنية، وهي عبارة عن تنظيم قومي أبيض يطلق حملات ضد المهاجرين الآسيويين الأوغنديين، وفي حالة صدام مشينة وقعت في عام 1977، خرج 500 عضو من الجبهة الوطنية في مسيرة جابت شوارع لويسهام وهي بلدة متعددة الثقافات تقع بالقرب من لندن، وقد حمل هؤلاء لافتة كتب عليها: "طهروا الشوارع من اللصوص"، وذلك قبل أن يتشاجروا مع الشرطة. بيد أن عمليات البلطجة والسطو التي عمت الشوارع قضت على جاذبية الجبهة الوطنية، فأصبحت أعمال الشغب التي وقعت في لويسهام ينظر إليها على أنها بداية لتراجع تلك الأمور. وفي مطلع الألفية الثالثة، ظهرت جهة تعتبر خليفة للجبهة الوطنية، وهي الحزب الوطني البريطاني والذي فاز بحفنة من المقاعد في المجالس وبمقعدين في البرلمان الأوروبي.

اليمين المتطرف واليمين الراديكالي

وهكذا وبشكل مطرد، تقلصت أصوات الناخبين المؤمنين بهذه الأفكار المتطرفة، لكن هذا التقلص لم يكن كبيراً، إذ أصبح 17% فقط من الشعب البريطاني يعتقد بأنه حتى تكون بريطانياً بحق فمن الضروري جداً أن تكون مولوداً في بريطانيا، مقارنة بنسبة 48% الذين أيدوا تلك الفكرة في عام 1995. ونتيجة لذلك، ظهر الفرق بين ما سماه الأكاديميون باليمين المتطرف، والمتمثل بشكل صريح بجهات عنصرية مثل الجبهة الوطنية والحزب الوطني البريطاني، و"اليمين الراديكالي" الذي تمثله حركات انتخابية تضم بين صفوفها شعبويين من أمثال نايجيل فاراج زعيم حزب إصلاح المملكة المتحدة.

إلا أن هذين النوعين من اليمين حققا تقدماً على اختلاف أساليبهما، وبذلك أصبح اليمين الراديكالي أكثر بروزاً وظهوراً من أي وقت مضى. إذ أصبح فاراج الذي يقاسم اليمين المتطرف همومه وتخوفه تجاه الهجرة والجريمة وضبط البلد، أحد خمسة أعضاء من حزب إصلاح المملكة المتحدة يصلون إلى البرلمان عقب الانتخابات التي جرت في الرابع من تموز، وكغيره من نجوم اليمين الشعبوي، يتصدر هذا الرجل أخبار قناة GB News التلفزيونية، وفي الوقت نفسه، اكتشفت الشخصيات الفاعلة في اليمين المتطرف طرقاً جديداً لاستغلال المظالم القديمة.

التنظيم اليميني بين الماضي والحاضر

في الماضي كان اليمين المتطرف ينظم نفسه من خلال مؤسسات يتزعمها قادة، فضلاً عن الهياكل التنظيمية وقوائم العضوية التي كانت تنظم أموره، أما اليوم فقد أصبح اليمين أكثر مرونة من خلال مجموعة الشخصيات المؤثرة والشبكات التي تتبع له، كما أصبحت أهم شخصية بارزة فيه هي شخصية ستيفن ياكسلي-لينون، وهو مشجع لكرة القدم صعب المراس عمره 41 عاماً تعود أصوله للوتون، أما اسمه الحركي فهو تومي روبنسون، وقد حشد هذا الرجل 30 ألف إنسان في السابع والعشرين من تموز فخرجوا في مسيرة بلندن تحدث خلالها الخطباء عن مخاوف محلية حقيقية، تتعلق مثلاً بمواقع الفنادق التي تؤوي طالبي لجوء، كما أسهبوا في الحديث عن نظريات جامحة حول بريطانيا التي تحولت إلى بلد تحت الاحتلال على حد توصيفهم، وعلى الرغم من عدم مشاركة هذا الرجل في الاضطرابات، فإنه استعان بمتابعيه الكثر على وسائل التواصل الاجتماعي ليحرض على أعمال الشغب.

يفترض بأن رابطة الدفاع الإنكليزية، وهي منظمة معادية للمسلمين أسسها ياكسلي-لينون، لم تعد موجودة، غير أن الأعضاء السابقين فيها مستمرون بنشر رسالتها، وهنالك شبكة مهمة أخرى تعرف باسم البديل الوطني، إذ في الوقت الذي استقطبت فيه رابطة الدفاع الإنكليزية شعبويين ومثيري شغب أكبر سناً، استهدف البديل الوطني جمهوراً أصغر عمراً وذلك عبر تنظيم مناسبات لألعاب الفيديو ونواد للقتال، بيد أن كلا الجهتين ليس لديهما كثير من الأعضاء الرسميين، ولكنّ كلتيهما تتمتعان بقدرة كبيرة على الوصول للناس من خلال التطبيقات وذلك بحسب ما ذكرته جوليا إيبنر وهي خبيرة بالتطرف من جامعة أوكسفورد.

لا تبدو الاضطرابات التي وقعت مؤخراً بأنها منظمة بشكل مركزي، بل إن الناشطين المحليين اختاروا موقعاً معيناً، وأعلنوا عن رغبتهم بحشد الناس فيه، وانتظروا حتى تتوسع خططهم من خلال التطبيقات. وهذا النهج اللامركزي يفسر الفرق الوحيد الذي يميز هذه الأعمال عما سبقها من أعمال شغب كانت تحدث في المدن. ولكن من نواح أخرى، شجعت الشبكة العنكبوتية على ظهور سلوك موحد منظم، بما أن مثيري الشغب ظلوا يرددون شعارات وينشرونها عبر الإنترنت. إذ في إشارة لطريقة تعامل الشرطة مع الاحتجاجات في مانشستر، أخذ أحد الشبان يكرر مقولة: "إنهم يقمعون الأشخاص الخطأ" من دون أدنى تفكير.

ما السيناريوهات المتوقعة للمظاهرات في بريطانيا؟

ولكن كيف تطورت الأمور عند هذه المرحلة؟ يرى أحد السيناريوهات بأن الاستجابة القضائية المشددة حققت الأثر المطلوب في تهدئة الاضطرابات بمساعدة كمية قليلة من الأمطار. إذ من خلال عمله السابق كمدير للنيابة العامة، أسهم السير كير ستارمر الذي أصبح رئيس وزراء بريطانيا اليوم، في إيداع نحو 1300 متورط في أحداث الشغب التي قامت عام 2011 في السجن. وقد رفعت القضايا أمام المحاكم بالفعل، ثم إن ظهور أوائل من وقفوا أمام العدالة وبكوا في قفص الاتهام لا تشير إلى اشتداد عود تلك الحركة وصلابتها في النزال، بل إن تفكك الشبكات التنظيمية ومرونتها قد يشير إلى أن نشاط اليمين المتطرف سيتبدد بالسرعة نفسها التي اندلع فيها.

أما السيناريو الثاني فيرجح استمرار هذه الاضطرابات أو تحول شكلها إلى شيء آخر، أي أن التركيز سينتقل إلى المسيرات الحاشدة، أو إلى الاحتجاج على من جرت محاكمتهم، ويخبرنا مولهول بأنه بعد أعمال الشغب التي اندلعت بالقرب من فندق يؤوي طالبي لجوء في نوزلي عام 2023، بقيت أعمال مماثلة تحدث طوال ستة أسابيع، كما أن من شاركوا في الاحتجاجات العنيفة قد يشكلون هويات جماعية أقوى بحسب رأي إيبنر.

قد تستغرق الأمور وقتاً أطول قبل أن نعرف كيف سترسم أعمال الشغب مستقبل اليمين، إلا أن أولى استطلاعات الرأي كشفت بأن الغالبية الساحقة من الناخبين يمقتون العنف، على الرغم من وجود بعض منهم لا يعبرون عن وجهة النظر نفسها. وفي بداية الأمر لم يستنكر فاراج المشهد، بل وصفه بأنه رد فعل على الخوف والانزعاج وعدم الإحساس بالارتياح الذي ينتاب الملايين من الناس، بيد أن قيادات حزب المحافظين كانوا أكثر وضوحاً، على الرغم من تأخر بعضهم في التعليق على ما يجري. غير أن التاريخ السياسي لبريطانيا يشير إلى أن المشاركة في العنف الذي يجتاح الشوارع يؤدي إلى فشل في الانتخابات، أي أن السؤال المطروح اليوم هو: هل سيؤدي العثور على تبريرات لذلك العنف إلى حدوث النتيجة نفسها؟

 

المصدر: The Economist