icon
التغطية الحية

المدارس المتهالكة في اللاذقية تفتح أبوابها وسط اكتظاظ الطلاب ودمار الزلزال

2024.09.23 | 10:12 دمشق

آخر تحديث: 23.09.2024 | 11:02 دمشق

من إحدى مدارس اللاذقية - فيس بوك
"بعلمي يكبر حلمي": مدارس منهارة وأحلام معلّقة بين الزلزال والإهمال - فيس بوك
 تلفزيون سوريا ـ إسطنبول
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  • 259 ألف طالب في اللاذقية يبدؤون العام الدراسي وسط بنية تحتية متضررة بفعل زلزال 2023.
  • اكتظاظ الفصول يصل إلى 60 طالباً في بعض المدارس، مما يعيق التعليم الفعّال ويزيد الفوضى.
  • نظام الدوامين يربك حياة الأطفال والأهالي ويزيد معاناتهم، خاصة في غياب وسائل التدفئة في الشتاء.
  • تأخر مشاريع الترميم بسبب التمويل والتعاقدات الدولية، رغم مرور أكثر من سنة ونصف على الزلزال.
  • نقص المستلزمات وارتفاع الأسعار والدروس الخصوصية يزيد الأعباء على الأسر، في ظل تدني رواتب المعلمين.

تحت شعار "بعلمي يكبر حلمي"، أعلن مدير تربية محافظة اللاذقية، أكثم غانم، عن بدء احتفالات العام الدراسي الجديد 2024-2025 بالتنسيق مع منظمة "طلائع البعث" و"اتحاد شبيبة الثورة" ونقابة المعلمين في مدرسة "يونس رضوان" للتعليم الأساسي.

وفيما ألقى غانم كلمته الترحيبية، مؤكداً على أهمية تعزيز "الانتماء للمدرسة والقيم الوطنية"، تأتي التساؤلات حول واقع التعليم في المحافظة. فبينما تتحدث المديرية عن دور الكوادر التربوية في تربية الطلاب، يعاني الأهالي والطلاب من مشاكل ملموسة على الأرض، تبدأ بعدم انتظام الدوام المدرسي، وتستمر في مشاكل البنية التحتية المتدهورة.

الإحصاءات الصادرة عن "وزارة التربية" في حكومة النظام تُظهر أن الزلزال الذي ضرب المنطقة في 2023 أضر بـ 5500 مدرسة، بينها 300 مدرسة في اللاذقية وحدها، في حين لم تُرمم سوى نسبة محدودة منها، مع تسجيل ترميم 100 مدرسة وتدعيم 65 أخرى فقط. هذا التأخير في الترميم يعكس تراجعاً في الجهود المبذولة لتأمين بيئة تعليمية سليمة للطلاب، مما يدعو إلى مراجعة جادة لأداء المديرية وتحديد الأولويات لمعالجة المشاكل المتراكمة في قطاع التعليم.

بنية تحتية منهارة

تقول أم عمرو، وهي والدة لطفلين في مدرسة ابتدائية، في تصريح لموقع تلفزيون سوريا: "لقد رأيت التشققات في جدران المدرسة، ولم تجرِ أي أعمال صيانة منذ سنوات. كيف يمكنني أن أرسل أطفالي إلى مكان غير آمن؟"

واشتكى أحد الأهالي من أن المقاعد المدرسية المتوفرة قديمة ومهترئة، وتؤثر على راحة الطلاب، مضيفاً: "يُجبر أطفالنا على الجلوس على مقاعد مكسورة، وبدلاً من استبدالها بمقاعد جديدة، يستخدم المعلمون المسامير والباغي لإصلاحها بشكل مؤقت".

وفي حديث لموقع تلفزيون سوريا، قالت معلمة اللغة الإنجليزية سهى إن الغرف الصفية في مدرستها مكتظة بـ63 طالباً، وإن النوافذ مشرعة على مصراعيها، حيث بقيت أغلبها هياكل حديدية بدون زجاج يحمي الطلاب من حر الصيف أو برد الشتاء القارس.

وتخاف سهى من التفكير في أيام الشتاء، إذ أن العتمة الكئيبة في الدوام المسائي تجعل الطلاب والمعلمين في حالة اكتئاب، فلا إضاءة في الصف ولا كهرباء.

من جهتها، تضيف إحدى العاملات في مدرسة، مفضلة عدم الإفصاح عن اسمها: "انقطاع الماء يجعل من تنظيف دورات المياه مهمة شبه مستحيلة، الأمر الذي يؤدي إلى تراكم القاذورات، مما يشكل خطراً صحياً على الأطفال".

ويؤكد "أبو تالا" لموقع تلفزيون سوريا أن: "القضية هي إهمال متعمد وصريح؛ أبنية متهالكة قضى عليها الزمن والزلزال. منذ لحظة إيصالي لبناتي الثلاث إلى المدرسة وحتى موعد أخذهن، أدعو الله ألا يصيبهن مكروه إذا ما انهار المبنى فجأة".

أزمة اكتظاظ ونظام الدوامين

يشهد الواقع التعليمي في اللاذقية اكتظاظاً غير مسبوق داخل الصفوف الدراسية، إذ يصل عدد الطلاب في بعض الفصول إلى 60 طالباً. وأشارت إحدى المعلمات إلى أن هذا الوضع يزيد من صعوبة توفير بيئة تعليمية مناسبة، قائلة: "الازدحام الكبير داخل الصفوف يجعل من المستحيل متابعة الطلاب بشكل فردي، الأمر يتحول إلى فوضى ولا يمكن التحكم فيه".

أما أم سعد، فتعبّر عن استيائها من نظام الدوامين الذي يُجبر الأطفال على الحضور إما في الصباح الباكر أو في المساء، مما يربك جدول حياتهم ويؤثر على نشاطهم. تقول: "نضطر إلى إعداد أطفالنا في ساعات الفجر، وهذا يؤثر على راحتهم وتركيزهم خلال اليوم الدراسي. كما أن غياب وسائل التدفئة في الدوام المسائي سيزيد من معاناتهم في فصل الشتاء".

تم اعتماد نظام الدوامين في معظم مدارس اللاذقية بعد الزلزال، إذ بينت الإحصائيات تضرر 1200 مدرسة في اللاذقية وريفها، منها 250 مدرسة ذات أضرار قابلة للترميم والإصلاح، وخرجت 100 مدرسة عن نطاق الخدمة، مما زاد من أعباء الاكتظاظ والتنقل بين القرى والمدينة يومياً لأجل الدوام المدرسي.

تأخر مشروع تأهيل المدارس

بعد مرور سنة وسبعة أشهر على الزلزال، باشرت مديرية التربية مؤخراً في عمليات تأهيل عدد من المدارس. وأجاب مدير تربية اللاذقية على سؤال من قبل إحدى الصحف المحلية عن سبب تأخير مشروع "التعليم الشامل في حالات الطوارئ"، الذي كان من المفترض تنفيذه خلال العطلة الصيفية، بأن معظم أعمال التأهيل الحالية تتم بواسطة المنظمات الدولية، إذ تستغرق عقودها حوالي أربعة أشهر.

وأوضح غانم أن العقود بدأت بعد انتهاء امتحانات الشهادة الثانوية في مراكز المدن، في حين تأخر العمل في المدارس الأخرى بسبب إجراءات التمويل والتعاقد، إذ تتلقى معظم المنظمات الموافقات في أواخر العام.

وأضاف غانم أن مشروع تأهيل مدرسة "فارس معروف" صبيح في الرمل الشمالي سيتم من قبل المنظمة الفنلندية، وسيشمل تقييم وضع المدرسة من قبل نقابة المهندسين، في حين ستتم المباشرة بتأهيل عدد من المدارس الأخرى مثل مدرسة شادي حبيب، جهاد نصور، مرج معيربان، ومدرسة الزوبة عند استكمال الإجراءات لدى المنظمات.

على النقيض من ذلك، اشتكى سكان من مناطق مختلفة في المدينة لتلفزيون سوريا من أن الترميم لا يزال "جزئياً وبسيطاً" لبعض المدارس المدرجة على قائمة الترميم، مثل مدرسة 6 تشرين، صلاح الدين، والعفاف فقط.

وأكد بعضهم أن "المساعدات الأممية التي قُدمت كانت تكفي لإصلاح يلبي نوعاً ما الغرض، لكنها ذهبت إلى جيوب مجهولة".

نقص المستلزمات التعليمية وتردي الواقع الاقتصادي

"بكت ابنتي كثيراً عندما استلمت كتباً مهترئة في أول يوم دراسي لها في الصف الثالث الابتدائي"، يقول أبو تالا: "قلبي لم يحتمل فاشتريت لها نسخة جديدة كلفتني ثلاثة أيام من العمل". وحول أسعار القرطاسية، أضاف: "تبلغ تكلفة كل ابنة حوالي مليون ليرة، ما بين زي المدرسة ونسخة الكتب والقرطاسية اللازمة بجودة متوسطة إذا لم نحتسب المواصلات. وتلك حكاية أخرى".

وتعقيباً على اختتام وفد وزاري لجولاته الإشرافية الميدانية التي نفذها على مدى أربعة أيام في عدد من مدارس الريف والمدينة بمحافظة اللاذقية الأسبوع الجاري، علقت أم غدير: "وما شافو أن الكتاب قديم جداً جداً ومستحيل طفل في الصفوف الأولى يحقق هدف التعلم بهيك كتب وخاصة العربي والرياضيات وهي مشكلة عند الجميع".

جولة وزارية استطلاعية في مدارس اللاذقية - فيس بوك

من جهتها تشكو أم سعد من الاضطرار إلى دفع مبالغ كبيرة لتوفير الدروس الخصوصية لأطفالها. تقول: "المعلمون يتغيبون عن حصصهم في المدرسة بسبب تدني رواتبهم، مما يضطرنا للجوء إلى دروس خصوصية لضمان استمرار تعليم أطفالنا. هذا يزيد من الضغوط المالية على عائلاتنا".

ولا تقتصر المعاناة على الطلاب وأولياء الأمور فحسب، بل تمتد أيضاً لتشمل المعلمين. تقول معلمة مادة الرياضيات في مرحلة التعليم الإعدادي لتلفزيون سوريا: "راتبي لا يكفي لأجور المواصلات، ونضطر للعمل في ظروف صعبة جداً، بينما لا يقدم لنا التعليم الحكومي أي حوافز مادية". وأضافت: "تزداد رغبة العاملين في القطاع التعليمي باللجوء إلى أعمال أخرى مثل الدروس الخصوصية أو أي عمل آخر، فالتعليم في سوريا أصبح من أرذل المهن".