ملخص:
- تشهد أسعار العقارات في سوريا، وخاصة في اللاذقية، ارتفاعاً غير مسبوق رغم قلة الطلب والركود في السوق.
- المغتربون وأشخاص مجهولون يشترون العقارات بمبالغ ضخمة، مما يسهم في رفع الأسعار بشكل كبير.
- فصل الصيف يعتبر موسماً لزيادة الإيجارات، حيث يستغل أصحاب العقارات زيارة المغتربين لرفع الأسعار بشكل غير منطقي.
- بعد زلزال شباط، تضاعفت أسعار الشقق في اللاذقية بشكل ملحوظ، خاصة في المناطق التي شهدت تطويراً أو استثمارات جديدة.
- ارتفاع تكاليف البناء وأجور العمال والنقل، إضافة إلى التضخم، يؤدي إلى زيادة أسعار العقارات رغم استقرار سعر الصرف مؤخراً.
يتغير سوق العقارات بشكل عام بحسب حركتي العرض والطلب، وبحسب هاتين الحركتين يتغير وضع السوق بين ارتفاع أو انخفاض غير متعلق بسعر صرف الدولار أو غيره. لكن في سوريا ترتفع أسعار العقارات بشكل غير مسبوق رغم قلة الطلب ورغم أزمة إعادة الإعمار.
رغم عدم تغير سعر صرف الدولار في سوريا بشكل كبير كالمعتاد، فإن ارتفاعاً بالأسعار لمسه السوريون وبالأخص في مجال العقارات. ورغم الركود الكبير في حركة الشراء والبيع، فإن الأسعار ارتفعت أضعافاً ورافقها ارتفاع في أسعار الإيجارات في اللاذقية بشكل خاص، رغم ركود سوق العمل أيضاً.
زيادة مفاجئة في إيجارات اللاذقية
يقول "محمد" لموقع تلفزيون سوريا (طلب عدم ذكر اسمه)، وهو شاب من اللاذقية يسكن مع والدته وشقيقته في منزل بأحد الأحياء الشعبية ضمن مدينة اللاذقية، إنهم يدفعون لصاحب المنزل مبلغاً شهرياً ثابتاً كل سنتين تقريباً، وعندما يرفع المؤجر السعر يرفعه بشكل معقول، إلا أنه هذا العام رفع أجرة المنزل إلى الضعف تماماً، من 500 ألف ليرة سورية إلى مليون ليرة سورية شهرياً دفعة واحدة.
"اعتدت قيام صاحب المنزل برفع الأجرة كل عام أو عامين بشكل مقبول بحسب زيادة الأسعار، ولكن الزيادة هذا العام كانت مفاجئة"، يقول محمد.
لا يجد محمد مبرراً لرفع أجرة منزله بهذا الشكل، ولكن تبقى حالته أفضل من حال "ريم" (طلبت عدم ذكر اسمها) التي رفعت صاحبة منزلها الأجرة ثلاثة أضعاف، وطالبتها بالأجرة لمدة سنة مسبقاً وبالدولار وليس بالليرة السورية.
تقول ريم إنهم ومنذ استئجارهم هذا المنزل يدفعون سلفاً لمدة سنة أو سنتين، ويقومون بإصلاح كل أعطال المنزل، ولا تقوم المؤجرة بخصم الإصلاحات من الأجرة بحجة أن الأجرة ثابتة منذ ثلاثة أعوام، ولكنها هذا العام، ومع بداية فصل الصيف، طلبت زيادة الأجرة ثلاثة أضعاف ولن تقبل أخذها بالليرة السورية.
بالنسبة لمازن (طلب عدم ذكر اسمه)، أحد أصحاب المكاتب العقارية، فإن شهر الصيف هو بمثابة موسم له ولغيره، ورفع إيجارات المنازل هذا الصيف مرده إلى أنه فصل السياحة، عدا أن كثيرين يستغلون زيارة المغتربين لأهاليهم لزيادة الأجرة، لكن هذا العام كانت الزيادة غير مقبولة حتى نسبة لأصحاب المكاتب العقارية.
سعر الشقة في اللاذقية بسعر منزل في نيويورك!
تضج صفحات فيس بوك بالإعلانات عن منازل في العاصمة دمشق بأسعار خيالية، ولكننا قلما نشاهد أي شيء عن مدينة اللاذقية. وما لا يعرفه الناس هو أن أسعار الشقق تضاعفت كثيراً بعد زلزال شباط المدمر. فليس من الغريب أن تسمع عن منزل تم شراؤه بمبلغ يصل إلى 500 ألف دولار أميركي، أو منزل في الضواحي بمبلغ يصل إلى 40 ألف دولار.
نشاط إيراني في اللاذقية
يقول "وليد" (طلب عدم ذكر اسمه) أحد سكان اللاذقية لموقع تلفزيون سوريا، إن هذا الصيف شهد تغيراً ملحوظاً في أسعار الشقق السكنية والمحال التجارية، وتغير سقف الأسعار.
وفي الوقت الذي كانت فيه منازل الكورنيش الجنوبي هي الأعلى سعراً، باتت اليوم أقل طلباً ورغبة، ليصبح المنزل في الكورنيش الغربي أعلى سعراً بشكل كبير.
بحسب وليد، فإن افتتاح عدد من أفرع البنوك في شارع الكورنيش الغربي وبناء برجين سكنيين ضاعف من أسعار المنازل، ليصل سعر منزل بمساحة 500 متر إلى ما يقارب 600 ألف دولار أميركي، والبيت ما زال "على العضم"، أي يحتاج للتجهيز ليصبح قابلاً للسكن.
"معظم البيوت تُباع وتُشترى على الورق دون أن يقطنها أحد، فإما يقتنيها مغتربون أو أشخاص مجهولون يشترونها عبر وساطات"، يقول وليد.
بحسب وليد، فإن المغتربين يشترون هذه المنازل بمبالغ خيالية رغم أن سعر المنزل الفخم في سوريا يشتري لهم أفخم منزل في دول الاغتراب، ولكن يبدو أنها سياسة جديدة للتهرب الضريبي في أوروبا وأميركا يتبعها المغتربون لحماية أموالهم، وقد تكون أسلوباً لتبييض الأموال.
يضيف وليد أن قسماً من هذه المنازل الغالية الثمن يشتريها أشخاص غير معروفين، وفعلياً المنازل لن تكون لهم، إذ يشتريها أشخاص كوساطة لمسؤولين في البلد أو لإيرانيين.
ويتابع "منذ فترة زاد النشاط الإيراني في اللاذقية وبدؤوا بتجهيز مقر لهم، وبالطبع يحتاجون لعقارات يتملكونها عندما يسكن قسم منهم في اللاذقية".
ويجد وليد أيضاً أن قسماً من أهالي اللاذقية يرفعون أسعار منازلهم رفضاً منهم لبيعها ورغبة في التمسك بمدينتهم أكثر، كما يفعل كثير من سكان دمشق لعدم دخول غرباء للمدينة.
"الدمار سيتحول لآثار"
حتى يومنا هذا لم يتم ترحيل معظم أنقاض البنايات التي تدمرت عقب زلزال شباط المدمر. وتغاضت حكومة النظام السوري عن كثير من المخالفات والبنايات التي تحتاج لتدعيم وترميم، وقلة هي البنايات التي تم ترحيل أنقاضها.
بالإمكان مشاهدة بنايات في منطقة الرميلة والعسالة في مدينة جبلة آيلة للسقوط دون أي تدخل أو تغيير بوضعها. حتى في المشروع العاشر بمدينة اللاذقية، بقي قسم كبير من البنايات على وضعها دون أي تغيير.
"سمير" (طلب عدم ذكر اسمه)، مهندس مدني ذو خبرة في تدعيم الأبنية وترميمها، يستغرب من التأخر الكبير في تدعيم المنازل ومساعدة السكان على ترميم منازلهم. ويشير إلى أن النظام السوري حصل على مساعدات كبيرة من أجل هذا الموضوع بالتحديد.
ويقترح ضرورة إيقاف كل رخص البناء ريثما تتم دراسة المناطق وقدرتها على تحمل ثقل الأبنية. كما يرى أنه يجب أن تضع الدولة شروطاً وضوابط لعملية البناء وتلزم المتعهدين بالالتزام بها.
وعن ارتفاع أسعار الشقق، يبرر سمير ذلك باستقرار سعر الصرف منذ أربعة أشهر فقط، ويضيف أن أسعار البناء ترتفع باستمرار، إلى جانب تأثير أجور النقل التي تتغير بحسب توفر الوقود، وأجور العمال والكهرباء التي ترتفع شهرياً. يقول سمير: "أستطيع القول إن ارتفاع سعر الشقق السكنية مبرر نوعاً ما، ولكن ارتفاع الأجور غير منطقي أن يتضاعف بهذا الشكل الكبير".
مؤخراً، قام مجلس مدينة اللاذقية ببدء أعمال هدم "كريستال بالاس" وترحيل أنقاضه بعد عامين تقريباً من الزلزال، في وقت يُفترض أن تكون أعمال البناء قد بدأت وبدأ تعويض السكان ببيوت جديدة. ويطلق أهالي اللاذقية وجبلة دعابات عن أن "الدولة" ستترك الأبنية على ما هي عليه كآثار للأجيال القادمة.