أعلن القيادي البارز في "هيئة تحرير الشام"، جهاد عيسى الشيخ الملقب بـ"أبو أحمد زكور" انشقاقه عن الفصيل، بالتزامن مع خلافات كبيرة مع قائد الهيئة أبو محمد الجولاني، الذي يلاحق كل من يتعاون مع "زكور"، المعروف بقربه من القيادي المحتجز في سجون "تحرير الشام"، أبو ماريا القحطاني.
وقال "زكور" في بيان نشره على حسابه في منصة "إكس"، إنّه خرج من "جبهة فتح الشام" (الاسم السابق للهيئة) عام 2017، بسبب "سياسة التخوين والتغلب على فصائل الثورة السورية"، ثم عاد للهيئة وتسلم ملف العلاقات مع الجيش الوطني السوري.
كان من المقرر والمتفق عليه مع "تحرير الشام" حسب بيان "زكور"، إنهاء الخلافات وبناء علاقات جديدة، والعمل على مساعدة الفصائل في رفع السوية العسكرية ونقل الخبرة إليها، والعمل على بناء مشروع تشاركي يشمل الجميع من دون إقصاء أحد.
عقب ذلك بدأت قيادة هيئة تحرير الشام بتغيير السياسة تدريجياً، ويقول "زكور " إن الهيئة خالفت الاتفاق عبر السيطرة والهيمنة وقضم الفصائل وتفكيكها، والسعي إلى السيطرة العسكرية والأمنية والاقتصادية في مناطق الجيش الوطني، والعمل الأمني من خطف وغيره من دون التنسيق مع أي جهة، وتوجيه التهم المعلبة والجاهزة لكل مخالف لنهج قيادة الهيئة وتشويه صورته سواء كان من داخل الهيئة أو خارجها، حسب البيان.
وعلى إثر ذلك قال "زكور" في بيانه": "أعلن خروجي من هيئة تحرير الشام تنظيمياً وسياسياً وأبرأ إلى الله من جميع أفعالهم".
مفترق طرق
في الخامس من الشهر الجاري، نشر موقع تلفزيون سوريا تقريراً أكد من خلاله مصادر خاصة، أن القيادي "زكور" وصل إلى مفترق طرق بخلافاته مع "الجولاني"، بعد عدة أشهر من الأزمة التي بدأت باعتقال الهيئة للقيادي "أبو ماريا القحطاني" المقرّب من الشيخ بتهم التعاون مع جهات خارجية.
أشارت المصادر حينذاك إلى أن كل محاولات الوساطة الداخلية لم تفلح في رأب الصدع بين "الشيخ" و"الجولاني"، كما فشل الطرفان بالتوصّل إلى نقاط تفاهم بعد اجتماع مطول عقداه نهاية شهر تشرين الثاني الماضي.
وتفجّر الخلاف بعد أن حاول الجهاز الأمني للهيئة اعتقال شخصيات مقربة من "أبو أحمد زكور"، مع تسريب معلومات غير رسمية أن سبب محاولة الاعتقال هي حملة جديدة ضد عملاء للتحالف الدولي، لكن زكور توجه مع المقربين منه إلى منطقة عفرين، لتجنب عمليات الاعتقال.
مصادر على دراية بما يدور ضمن "هيئة تحرير الشام" أكدت لـ موقع تلفزيون سوريا أنّ تدهور العلاقة بين "الشيخ" و"الجولاني" هي امتداد للأزمة التي عصفت بالتنظيم شهر آب من العام الجاري، والتي طفا منها على السطح اعتقال "القحطاني" وتسريب معلومات عن عمالته للتحالف الدولي.
وكان لزعيم الهيئة رغبة باعتقال "الشيخ" أيضاً، لكنه امتنع عن الخطوة بسبب اعتبارات داخلية، وخشيته من الارتدادات التي قد تنتج عن القرار بسبب النفوذ الذي يتمتع به الشيخ.
وقبل يومين، دهمت هيئة تحرير الشام مزرعة ومقر سكن زكور في منطقة رأس الحصن بريف إدلب بالإضافة إلى مقار مجموعات تتبع له في عدة مناطق أبرزها باتبو وعقربات، ولم يكن الهدف إلقاء القبض على زكور، لأن "الهيئة" على علم مسبق بعدم وجوده، بل كانت الحملة بمثابة إعلان إنهاء نفوذه، ولتفرقة أتباعه داخل الهيئة، وذلك تكرار لسيناريوهات عدة شهدتها الهيئة سابقاً بعد التخلص من قادة بارزين، مثل أبو مالك التلي.
من هو أبو أحمد زكور؟
ينحدر "جهاد عيسى الشيخ" من النيرب في حلب، ويعتبر من قادة الظل في هيئة تحرير الشام، وصندوقها الأسود، إذ كان يشغل مناصب عدة داخل الهيئة، منها في العلاقات العامة، وأخرى في الملف الاقتصادي، كما لعب نفوذه العشائري دوراً في تعزيز حضوره واستخدامه من قبل الجولاني لتعبيد الطريق نحو مناطق نفوذ الجيش الوطني السوري بريف حلب.
لم يكن وجه "زكور" مألوفاً لدى السوريين، إذ ظهر للعلن على وسائل التواصل الاجتماعي مع محاولات تحرير الشام التغلغل شمالي حلب، إذ نشر في الثاني من شهر تموز عام 2021، صورة له ضمن تغريدة كتب فيها "أنا باعزاز الآن بجولة على قيادات الجيش الوطني نسأل الله التوفيق"، وأعاد تغريدته القيادي أبو ماريا القحطاني وكتب: زعلان منك تاج راسي تصورت لحالك ما صورتني معك".
ويبدو أن العلاقة بين "زكور" و"الجولاني" أكبر بكثير من أن تُختزل في سوريا، حيث نشر أنصار تنظيم "داعش" في عام 2016 صورة كشفوا فيها عن وجه "الجولاني" (تعمد الجولاني منذ بداية الثورة عدم إظهار وجهه إلى حين إعلان الانفصال عن تنظيم القاعدة)، واللافت أن "زكور" كان بجانب الجولاني في الصورة التي قال ناشروها إنها ملتقطة في العراق.
وبدأ حضور "زكور" يطفو على السطح منذ ثلاثة أعوام، وعمل جاهداً على اختراق فصائل الجيش الوطني، وإغرائها بالمال والنفوذ لقاء التقارب مع الهيئة، وكان من نتاج عمله تشكيل "تجمع الشهباء" شمالي حلب، المُشكّل من فصائل انشقت عن الجيش الوطني، مثل "أحرار الشام - القطاع الشرقي"، والفرقة 50 العاملة سابقاً في الجبهة الشامية.
وقد كان زكور واحداً من أفراد خلية إدارة الأزمة المصغرة التي شكلها الجولاني على خلفية انكشاف خلايا العملاء ضمن الهيئة، لكنه سرعان ما تحول إلى مطلوب للهيئة بعد وقوفه إلى جانب أبو ماريا القحطاني.
"زكور" يعرّف بنفسه
مع ظهوره العلني بشكل مفاجئ في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، نشر "زكور" سلسلة تغريدات على منصة "إكس" في تموز من عام 2021، سرد فيها بعض المعلومات عن نفسه، ومنها:
- جهاد بن عيسى الشيخ من عشيرة البوعاصي إحدى عشائر قبيلة البكارة الهاشمية القرشية.
- والده الشيخ عيسى العاصي أبو علي، وجه من وجوه القبيلة ومن وجوه مدينة حلب.
- درس إلى الصف التاسع، ومع بداية غزو العراق التحق بـ"أنصار السنة" ثم "التوحيد والجهاد" التي بايعت القاعدة.
- في سجن صيدنايا كان مسؤولاً عن "شباب تنظيم القاعدة".
- مع بداية الثورة السورية ألغى نظام الأسد قانون الطوارئ ومحكمة أمن الدولة، بعدها نُقلنا إلى السجن المدني وعوملنا معاملة السجناء المدنيين وخرج من خرج منّا، وفق وصفه.
عقوبات أميركية - تركية
في شهر أيار من العام الجاري، فرضت وزارتا الخزانة الأميركية والتركية، عقوبات مشتركة تتعلق بـ"الإرهاب" ضد شخصين مرتبطين بتمويل "هيئة تحرير الشام" و"كتيبة التوحيد والجهاد" في سوريا، وكان من بينهما "زكور".
وجاء في بيان وزارة الخزانة الأميركية، أن "عمر الشيخ" الملقب باسم "أبو أحمد زكور"، أو كما عرف في الأوساط باسمه الحقيقي "جهاد عيسى الشيخ"، يعد من أبرز القياديين في "هيئة تحرير الشام" وسابقتها "جبهة النصرة"، ولعب أدواراً مختلفة منذ تأسيسها عام 2003 على الأقل.
وأضافت أن الشيخ يشغل منصب قيادي في "هيئة تحرير الشام" بصفته عضواً في مجلس الشورى، وأميراً على قطاع حلب، والمشرف على المحفظة الاقتصادية للهيئة في الخارج وأذرعها المالية، وفقاً للبيان.
وتنوعت أدوار الشيخ بين عدة مناصب، منها منصب الأمير الأمني في "هيئة تحرير الشام" الذي تسلمه في آذار 2022، ومدير العلاقات العامة والتواصل مع القادة العسكريين والذي شغله في تشرين الأول 2022، بالإضافة إلى منصبه كمسؤول مالي للهيئة الذي تسلمه في شباط 2019.
وبعد فرض العقوبات، قال زكور إنّ "ما صدر من عقوبات مالية كما يصفونها، وإن كانت بحد ذاتها لا معنى لها فأنا لا أملك دولاراً واحداً خارج سوريا ولست مسؤولاً مالياً أو أقتصادياً في الجماعة (الهيئة) لهو أمر محزن..".
تصعيد تجاه تركيا
صعّد زكور على تركيا في أكثر من مناسبة، حيث اتهم جهاز الاستخبارات التركي بالوقوف خلف عملية اغتيال القيادي في القطاع الشرقي لـ "أحرار الشام"، صدام الموسى، الذي قتل من جراء استهداف بطائرة مسيرة في 25 كانون الثاني مطلع العام الجاري، قرب منزله في بلدة الحدث بريف الباب شرقي حلب.
وحمّل القيادي المذكور أطرافاً في جهاز الاستخبارات التركي مسؤولية اغتيال الموسى، وذلك في سلسلة تغريدات نشرها في "إكس"، قال في إحداها: "انتهاج منهج الغدر والاغتيال من قبل بعض الجهات في جهاز المخابرات التركي أمر خطير ونذير شؤم على المنطقة كاملة"، وفق وصفه.
وكرر "زكور" انتقاد تركيا مرة أخرى على خلفية تصريحات تخص المصالحة مع النظام السوري، حيث وصف تلك التصريحات بـ"المخزية".
ومن المؤكد أن "جهاد عيسى الشيخ" يتمتع بنفوذ عشائري، ويعدّ رقماً صعباً داخل هيئة تحرير الشام، عكس ما يروّج إعلام الهيئة البديل بأنه "فرد عادي"، وهذا يعني أن انشقاقه لن يكون حدثاً عابراً بعد أن انتقل إلى ريف حلب الشمالي، حيث توجد العديد من المجموعات العسكرية المحسوبة سابقاً على الجيش الوطني، ممن تدين له بالولاء والفضل على اعتبار أنه كان مفتاح التقارب بينها وبين "تحرير الشام"، وهذا ما يجعل الصراع بين "زكور" وقيادة الهيئة مفتوحاً على احتمالات مختلفة، خاصة إذا ما قرر تشكيل جسم عسكري شمالي حلب، ويرتبط ذلك بالضرورة بموقف الجانب التركي مما يجري، وحجم الموارد الاقتصادية التي يحوزها "زكور".