نعت حسابات على تلغرام القيادي السابق في هيئة تحرير الشام "أبا ماريا القحطاني" تحت التعذيب في سجون الهيئة، على خلفية تزعمه واحدة من أكبر خلايا العملاء في تاريخ الجماعات الجهادية، في حين ما زالت الاعتقالات في صفوف الهيئة مستمرة بتهمة العمالة لتطول قياديين من الصف الأول والثاني.
وعادت قضية "عملاء الهيئة" إلى الواجهة مجدداً، رغم أنها لم تخمد منذ أن كشفها موقع تلفزيون سوريا للعلن قبل خمسة أشهر، حيث كان الحدث الجديد البارز هروب القيادي في الصف الأول في الهيئة جهاد عيسى الشيخ المعروف باسم "أبي أحمد زكور" إلى ريف حلب الشمالي، عقب تصاعد الخلاف بينه وبين الجولاني بسبب وقوف زكور إلى جانب القحطاني، ومن ثم مداهمة تحرير الشام لمزرعته، ومقارّ مجموعات تابعة له في عدة مناطق في ريف إدلب الشمالي أول أمس.
أنباء مقتل القحطاني إعداماً على يد الهيئة أو تحت التعذيب تكررت عدة مرات خلال الشهر الأخير، ولم يتم تأكيد أي منها، في ظل تكتم الهيئة الشديد على مصير المعتقلين في قضية العمالة، وتنفيذها عشرات الإعدامات السرية، لمن ثبتت عمالتهم، دون تسليم جثامينهم لذويهم.
شكك بعض المتابعين في رواية مقتل القحطاني واعتبروا أنها جزء من الحرب الإعلامية التي يقودها القيادي "زكور" ضد الهيئة، وذلك رغبة في إثارة كتلة الشرقية داخل الهيئة ضد الجولاني، لكون القحطاني كان يعتبر متزعم كتلة الشرقية التي تضم مقاتلي الهيئة المنحدرين من محافظات دير الزور والحسكة والرقة، خاصة مع وجود مطالب متكررة من قبل عدد من قادة الشرقية للجولاني بوجوب محاكمة القحطاني علانية، وعرض التهم الموجهة إليه مع الأدلة أمام أفراد وقادة الهيئة، وإفساح المجال له للدفاع عن نفسه.
وكشفت مصادر أمنية خاصة لموقع تلفزيون سوريا أن مسؤول الجناح العسكري في هيئة تحرير الشام "مرهف أبو قصرة" المعروف بـ"أبي الحسن الحموي" ولقب "أبي حسن 600" قد استدعي للتحقيق بعد ورود اسمه في أحد محاضر التحقيق في قضية العملاء، وبحسب المصادر فقد جرى اعتقال مسؤول الجناح العسكري مطلع الشهر الحالي.
من جانبه رصد موقع تلفزيون سوريا غياب القيادي المذكور عن فعالية تكريم إحدى سرايا كتيبة الهاون ضمن فوج المدفعية والصواريخ في السادس من الشهر الحالي، واقتصار الحضور الرسمي على قيادة فوج المدفعية والصواريخ، وذلك بخلاف فعاليات التكريم السابقة، التي كان يحضر فيها مسؤول الجناح العسكري، والتي كان آخرها في أواخر الشهر الماضي وكانت لتكريم مجموعة من مقاتلي لواء عمرو بن العاص في الهيئة.
وجاء اعتقال مسؤول الجناح العسكري بعد شهر على اعتقال مرافقه الشخصي في القضية ذاتها، واعتُقِل إلى جانب مسؤول الجناح العسكري قياديان مقربان منه لم تسمهم المصادر.
في العموم تُظهِر الأخبار الواردة بِشُح من داخل هيئة تحرير الشام، أن ملفات جديدة تتكشف يوماً بعد يوم في قضية العملاء، وأن خلية الأزمة التي شكلها الجولاني تعمل بشكل جدي على اعتقال كل من يرد اسمه في التحقيقات أيا كان منصبه، لكن لخصوم الهيئة رأي آخر، حيث شكك بعضهم في حملة الاعتقالات الأخيرة، واعتبر المشككون أن قضية العمالة باتت شماعة يقضي بها الجولاني إلى جانب تيار "بنش وأبي أحمد حدود" على جميع منافسيهم داخل الهيئة، خاصة في ظل غياب أي معلومات عن آلية التحقيق والمحاكمات وطرق تنفيذ الإعدامات.
قضية القحطاني.. بين تهمتي الإنقلاب والعمالة
كشف موقع تلفزيون سوريا بناء على تقاطع مصادر أمنية منتصف شهر آب الفائت، أنّ الجهاز الأمني في هيئة تحرير الشام أوقف "القحطاني" بتهمة التنسيق مع التحالف الدولي، وذلك عقب إلقاء القبض على خليةٍ اعترفت بتورّطه، إلا أن المصادر أوضحت أن التهمة المعلنة ليست هي السبب الحقيقي الذي دفع هيئة تحرير الشام لاعتقال "القحطاني"، إنما المخاوف من تحركاته من دون تنسيق مع قيادة الهيئة، والتي سبّبت قلقلاً لقيادات متنفذة مثل الرجل الثاني في الهيئة "أبو أحمد حدود"، وقيادي آخر متنفذ يدعى "المغيرة البدوي أو المغيرة بنش" وهو ابن حماه لأبي محمد الجولاني.
وفي اليوم التالي من تحقيق موقع تلفزيون سوريا قالت "تحرير الشام"، في بيان رسمي إن القيادة العامة شكلت لجنة تحقيق خاصة بشأن "أبو ماريا القحطاني"، والتي استدعت الأخير على الفور "لمساءلته بكل شفافية ووضوح تقديرا منا لدرء الشبهات وإزالة اللبس".
وتوصلت لجنة التحقيق إلى أن القحطاني "أخطأ في إدارة تواصلاته دون اعتبار لحساسية موقعه أو ضرورة الاستئذان وإيضاح المقصود من هذا التواصل"، وفقاً للبيان.
وأوصت اللجنة، بتجميد مهام القيادي العراقي وصلاحياته، من دون ذكر مزيد من التفاصيل.
عمل "القحطاني" طوال الأشهر الماضية على تكثيف التواصل مع قيادات ضمن الجيش الوطني السوري، وقادة سابقين في "حركة أحرار الشام"، وجميع الأطراف الناقمة على الهيئة، وحاول إقناعهم في فتح صفحة جديدة والتنسيق المشترك.
وبدأ "القحطاني" بالاتصال مع ناشطين سياسيين مناهضين للهيئة، واعداً إيّاهم بعملية إصلاحية، لكن القيادات المتنفذة الرافضة لهذه الخطوات حرّضت "الجولاني" وأقنعته بأنّ ما يفعله "القحطاني" من أجل مصالحه الخاصة، وبهدف زيادة نفوذه في الشمال السوري، موضحين له أنّ لديهم معلومات أمنيّة تفيد بنيته التحضير لـ"انقلاب".
وبعد عملية الاعتقال دخلت بعض القيادات وعلى رأسهم القاضي في الهيئة مظهر الويس، من أجل إقناع القيادة العامة بإطلاق سراح "القحطاني" واستجابت بشكل جزئي، حيث وافقت على إحالته إلى الإقامة الجبرية والحد من تنقلاته وحركته، لكنها مصرة على محاكمته بتهمة التنسيق مع التحالف الدولي والتخطيط لاستهداف قيادة الهيئة، بالإضافة إلى قضايا إدارية ومالية أخرى.
أفادت مصادر متقاطعة لـ موقع تلفزيون سوريا، بأنّ مسألة تواصل "القحطاني" مع التحالف الدولي أمر مؤكّد، حيث حصلت على مدار السنوات الماضية اتصالات بين الجانبين، لكنها ازدادت كثافة، منذ مطلع العام الحالي، بعد مخاوف هيئة تحرير الشام من اتجاه تركيا للعمل على تفكيكها بموجب تفاهمات أستانا.
وأكّد مصدر مطلع أن التواصل جرى بعلم قيادة الهيئة، وليس صحيحاً أن "القحطاني" أقدم عليه بشكل منفرد ومن دون تنسيق، كما أنّه عرض على التحالف الدولي وبموافقة "الجولاني" فكرة المشاركة في أي عملية محتملة قد تنطلق من قاعدة التنف ضد الميليشيات الإيرانية، كما عرض الزج بما يُعرف بـ"القطاع الشرقي" من الهيئة في العملية المحتملة.
وبذلك يرى مطلعون على مجريات قضية القحطاني أن الجولاني يستغل الفرصة المناسبة لإلصاق تهمة العمالة بالقحطاني والتخلص منه، في حين أن السبب الحقيقي هو مخاوف الجولاني من تخطيط القحطاني ورفيقه أبي أحمد زكور لإنقلاب داخل الهيئة.