تعاني العائلات العائدة من تركيا ولبنان إلى الشمال السوري من تحديات اجتماعية متعددة، يُعدّ تعليم الأبناء أبرزها، إذ يواجه الطلاب العائدون صعوبة في الاندماج ضمن نظام تعليمي مختلف عمّا اعتادوا عليه في بلاد اللجوء، سواء من حيث المناهج الدراسية أو اللغة المستخدمة في التعليم.
ورغم الجهود المبذولة من قبل الجهات التعليمية والمنظمات والمدارس لتخفيف هذه الصعوبات، إلا أنّ ضعف القطاع التعليمي يحدّ من هذه الإجراءات المساعدة، خاصة مع الازدياد المطرد في أعداد الطلاب العائدين، مما يضع على العائلات العبء الأكبر في مساعدة أبنائها على التكيّف مع البيئة التعليمية الجديدة.
كم تبلغ أعداد الطلاب العائدين؟
إنّ غياب جهة إدارية واحدة تشرف على التعليم شمال غربي سوريا يجعل الحصول على معلومات دقيقة أمراً صعباً، إلا أنّ المعلومات المتوفرة تشير إلى وجود أعداد كبيرة نسبياً. فخلال العام الدراسي الحالي، ووفقاً لمدير التربية والتعليم في إدلب أحمد الحسن، فإنّ عدد الطلاب العائدين من تركيا ولبنان والمسجلين في مدارس المديرية بلغ حوالي 1600 طالب.
وفي شمالي حلب، قال معاون مدير التربية والتعليم في المجلس المحلي في مدينة الباب، أكرم حزوري، لموقع تلفزيون سوريا، إنّه تم تسجيل قرابة 600 طالب في مدارس الباب ومحيطها فقط. في حين قال مدير التربية والتعليم التابعة للحكومة المؤقتة، فيصل القاضي، إنّ المديرية صادقت وعدّلت منذ مطلع العام الدراسي الحالي أكثر من 150 شهادة ثانوية تمهيداً لدخول أصحابها إلى الجامعات التابعة للحكومة المؤقتة.
تحديات تواجه الطلاب العائدين
يواجه الطلاب العائدون عدّة تحديات تعيق أو تؤخر اندماجهم في النظام التعليمي الجديد. أحد أبرز هذه التحديات هو اختلاف المناهج الدراسية. وقد أشار منسق البرامج التعليمية في منظمة "تكافل الشام"، عبد الله جمعة، في تصريح لموقع تلفزيون سوريا، إلى أنّ الطلاب العائدين يجدون صعوبة في التكيّف مع المناهج السورية بعد اعتيادهم على المناهج التركية واللبنانية. هذه المناهج تختلف من حيث المحتوى العلمي والطرق والأدوات المستخدمة في تقديم المحتوى للطلاب.
أما اللغة، فتشكّل تحدياً إضافياً للطلاب العائدين. ووفقاً لمدير التربية والتعليم في المجلس المحلي لمدينة الباب، إبراهيم القدور، فإنّ معظم الطلاب العائدين من تركيا يفتقرون إلى مهارات الكتابة والقراءة باللغة العربية، رغم أنّ مستوى مهارات النطق والمحادثة بالعربية جيد لدى معظمهم.
ولا يقتصر هذا التحدي على الطلاب العائدين من تركيا فقط، بل يمتد ليشمل الطلاب العائدين من لبنان أيضاً. وقد أشار الطالب أحمد النجار إلى أنّ المدارس في مدينة بعلبك اللبنانية حيث كان يقيم تدرس المواد العلمية باللغة الإنكليزية، في حين تُدرَّس المواد الأدبية باللغة العربية. وهذا ما سبّب له مشكلة على صعيد التأقلم مع المصطلحات في المواد العلمية.
وأضاف النجار أنّه يعاني من مادة اللغة العربية التي تُعتبر محورية في المنهاج السوري، على عكس المنهاج اللبناني. وهذا سيضطره، بحسب قوله، إلى بذل جهد إضافي لتحسين مستواه بما يتناسب مع متطلبات الشمال السوري.
ويزيد ضعف القطاع التعليمي من هذه التحديات بالنسبة للطلاب العائدين. ووفقاً لمعاون مدير التربية في مدينة الباب، أكرم حزوري، تعاني المدارس من نقص في التجهيزات الأساسية، مثل الكتب المدرسية والمختبرات وغيرها. كما تعاني أيضاً من الازدحام، إذ يتجاوز عدد الطلاب في بعض المدارس 45 طالباً في الشعبة الصفية الواحدة، وهو عدد أعلى من المعايير العالمية التي تحدد العدد بـ30 طالباً كحد أقصى.
كما يفتقر القطاع التعليمي إلى معلمين مؤهلين للاطلاع على المناهج في تركيا ولبنان ومقارنتها مع المناهج السورية، بما يساعدهم في وضع خطط تعليمية تساعد الطلاب على الاندماج بفعالية وسرعة. بالإضافة إلى ذلك، يفتقر القطاع إلى خبراء نفسيين واجتماعيين لدعم الطلاب الجدد، خاصة في المرحلة الابتدائية، ومساعدتهم في تجاوز المشكلات النفسية التي قد تنجم عن التنمر بسبب الاختلافات اللغوية والثقافية.
ويزيد من هذه التحديات غياب استراتيجية واضحة للتعامل معها، بسبب التشتت وعدم المركزية في تخطيط وإدارة العملية التعليمية، التي تتوزع على عدة أطراف في إدلب وشمالي حلب. هذه الأطراف لا تنسّق مع بعضها بما يكفي لوضع خطة شاملة للتعامل مع هذا الملف.
جهود لدعم اندماج الطلاب العائدين تفتقر للتنسيق الشامل
تتوزع محاولات دعم اندماج الطلاب العائدين على عدة جهات فاعلة. فعلى مستوى مديريات التربية، تم اتخاذ إجراءات مرنة لتسهيل تسجيل الطلاب العائدين في المدارس والجامعات، بما فيهم الطلاب العائدون من لبنان من دون أن يستطيعوا استخراج أوراق تثبت مرحلتهم التعليمية. إذ تقوم مديريات التعليم في إدلب وشمالي حلب بحل هذه المشكلة عبر إجراء اختبار معياري لتحديد المستوى الصفي المناسب لهم.
أما بالنسبة لدور المدارس، فيلاحظ وجود تباين بين دور المدارس العامة والخاصة في دعم الاندماج. ويعود هذا التباين إلى العوامل المالية بالدرجة الأولى. فعلى عكس المدارس العامة، تتوفر لدى المدارس الخاصة موارد مالية تمكنها من تقديم بعض البرامج والأنشطة. وفي هذا السياق، تحدّث مدير مدرسة "ألف التعليمية" في مدينة اعزاز، عبد الغفور عبد الرحمن، لموقع تلفزيون سوريا، عن استقبال المدرسة عدداً من الطلاب العائدين من تركيا، وتوفيرها لهم دورة عبر الإنترنت في القراءة العربية السليمة، بالإضافة إلى تخصيص حصص تعليمية تعويضية لمساعدتهم في تعزيز قدراتهم اللغوية والعلمية.
ورغم الجهود المبذولة من المديريات والمدارس، يبقى العبء الأكبر على عائلات الطلاب. وهذا ما أكده زين الدين قاظان، الذي عاد من تركيا مع عائلته بداية العام الدراسي الفائت، وقد روى تجربته في دمج أبنائه عبر وضعهم في مدارس خاصة، والمتابعة والتنسيق المستمر مع معلميهم، بالإضافة إلى توفير دروس منزلية خاصة لهم في اللغة العربية.
ومع ذلك، شدد قاظان على أنّ تجربته لا يمكن تعميمها، إذ إنّ كثيرا من العائلات العائدة غير قادرة على تحمّل التكاليف المالية اللازمة للمدارس والدروس الخاصة. ودعا إلى مساعدة العائلات الفقيرة لتمكينها من دمج أبنائها.
توصيات لدعم اندماج الطلاب العائدين
لتحقيق نتائج أكثر فعالية في دعم اندماج الطلاب العائدين، يمكن اعتماد مجموعة من الإجراءات، أبرزها:
- زيادة مستويات التنسيق بين مختلف الفاعلين من جهات رسمية ومؤسسات خيرية مهتمة بالشأن التعليمي إضافة للمدارس والعائلات، بما يساعد على وضع خطة شاملة تضمن استغلال الجهود والموارد المتاحة بشكل أفضل.
- دعم البنية التحتية للقطاع التعليمي والتركيز على بناء منشآت تعليمية جديدة تعزز من قدرة القطاع التعليمي على استيعاب الزيادة المستمرة في أعداد الطلاب الناتجة عن الزيادة السكانية الطبيعية والزيادة غير الطبيعية الناشئة عن النزوح وعودة اللاجئين.
- افتتاح شُعَب خاصة في المدن ذات التركز السكاني الكبير والتي توجد فيها أعداد جيدة من الطلاب العائدين مثل إدلب والباب واعزاز والدانا، لتقديم تعليم تعويضي في هذه الشُعَب يركّز على تقليص الفروقات في المناهج الدراسية، وفي حال عدم القدرة على افتتاح هكذا شُعَب بسبب الضغط على الأبنية المدرسية يمكن العمل على التعليم التعويضي عبر الإنترنت.
- الاستفادة من خبرات ومقدرات بعض المعاهد والمؤسسات المتخصصة في تحفيظ القرآن الكريم، والتي أظهرت نجاحاً في تطوير مهارات اللغة العربية لدى الأطفال من خلال تدريس كتاب "الجزء الرشيدي" الذي يركّز على تعليم مبادئ القراءة العربية الأساسية لمساعدة الطلاب في تجاوز تحدي اللغة.
- تقديم برامج تدريبية تستهدف المعلمين وأولياء الأمور لتطوير مهارات التواصل والمتابعة الفعالة بين العائلات والمعلمين، بما يضمن مساعدة أفضل للطلاب في تجاوز تحديات الاندماج، وخاصةً التحديات النفسية والاجتماعية.