icon
التغطية الحية

إيكونوميست: اليمين المتطرف يدفع بألمانيا نحو منطقة الخطر والهجرة في قلب النقاش

2024.09.05 | 18:29 دمشق

ألماني يرفع راية حزب البديل من أجل ألمانيا - المصدر: الإنترنت
ألماني يرفع راية حزب البديل من أجل ألمانيا - المصدر: الإنترنت
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بعد أن حسمت نتيجة الانتخابات في ولايتي ساكسونيا وتورينغن الواقعتين شرقي ألمانيا، اتضح أمر وحيد، ألا وهو أن اليمين المتشدد حقق هدفه المنشود بالوصول إلى الصدارة، إذ في تورينغن تصدر انتخابات الولاية حزب البديل من أجل ألمانيا الذي صنفت فروعه في كلتا الولايتين رسمياً على أنها متطرفة، وذلك لأول مرة منذ تأسيسه قبل أكثر من عقد من الزمان. وفي ساكسونيا احتل هذا الحزب المرتبة الثانية بعد حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي من يمين الوسط، وذلك لأن أغلب الناخبين أعطوا أصواتهم للمحافظين بهدف إبعاد حزب البديل من أجل ألمانيا عن الصدارة. وأتى الإقبال على التصويت عالياً في كلتا الولايتين، ولهذا وصف المستشار الألماني أولاف شولتس نتيجة الانتخابات بأنها كانت "مريرة" وحث بقية الأحزاب على منع حزب البديل من أجل ألمانيا من الوصول إلى السلطة.

أما المرشح الرئيسي لدى حزب البديل من أجل ألمانيا في تورينغن، واسمه بيورن هوكه، الذي تسبب تودده بشكل استفزازي للخطاب النازي بإدانته جنائياً، فلا يبدو أنه سيتولى شؤون الولاية، كما لن يتعاون أي حزب آخر مع حزب البديل من أجل ألمانيا سواء في الولايات الشرقية أو غيرها (على الرغم من أنه يمكن أن يحصد ما يكفي من المقاعد في كلتا الولايتين بما يؤهله لقطع الطريق على أي أقلية، ويساعده في الوقوف ضد تعيين القضاة وغير ذلك من الأمور)، بيد أن قسماً كبيراً من المقاعد التي يشغلها اليوم حزب البديل من أجل ألمانيا سيجبر بقية الأحزاب على الدخول معه في تحالفات ذات أيديولوجيات شوهاء.

تشابه لدرجة التطابق

وهنا يأتي الدور الحاسم لثاني حزب شعبوي، إذ تأسس تحالف سارة فاجنكنشت وهو حزب محافظ يساري في شهر كانون الثاني على يد السيدة فاجنكنشت وهي شيوعية سابقة من شرقي ألمانيا انشقت عن حزب اليسار المتشدد، وحصدت المركز الثالث في الانتخابات بكلتا الولايتين. هذا وقد يصعب تمييز مواقف هذا الحزب المشككة في قضية الهجرة وفي الدعم الألماني لأوكرانيا عن مواقف حزب البديل من أجل ألمانيا في بعض الأحيان، ولكن هذا الحزب جديد لدرجة تمنعه من الوقوف ضمن الجانب الخطأ من الحاجز الصحي الفاصل بينه وبين غيره، كما أنه يتمتع بموقف قوي يخوله الانضمام إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في الحكومة بولايتي ساكسونيا وتورينغن.

نظام حزبي مفكك

إلا أن هذه التوقعات تثير قرف قادة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في برلين وفي عموم غربي ألمانيا، والأسوأ من ذلك هو أننا عندما ندرس الأرقام يتبين لنا بأن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وتحالف سارة فاجنكنشت قد يصبحا بحاجة لمساعدة حزب آخر، ألا وهو حزب الديمقراطيين الاجتماعيين الذي يترأس الحكومة الوطنية بألمانيا، وهذا الحزب يعارضه حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي. بيد أن نتائج حزب الديمقراطيين الاجتماعيين كانت مريعة في كلتا الولايتين، وكذلك الأمر بالنسبة لشركائه في الائتلاف الوطني، اي حزب الخضر وحزب الديمقراطيين الأحرار الليبرالي، مع أنها أتت أفضل مما هو متوقع بقليل. ثم إن شولتس الذي يترأس حزب الديمقراطيين الاجتماعيين بات مكروهاً في كل الولايات التي أدلت بأصواتها، إذ لم يذكر سوى 17% من الناخبين في كل من ساكسونيا وتورينغن بأنه يبلي بلاء حسناً في مهامه، ولكن ذلك أضحى من شروط النظام الحزبي المتشرذم في ألمانيا، وهذا ما جعل حزب الديمقراطيين الاجتماعيين حزباً لا يمكن الاستغناء عنه عند تشكيل الحكومات المستقرة.

"انتخابات مصيرية"

بيد أن الطبيعة الرمزية للنتائج ستخلف وقعاً أكبر من جوهرها، صحيح أن أكثر من 40% من الناخبين في كلتا الولايتين اختاروا الأحزاب الشعبوية التي تبدو في بعض الأحيان وكأنها أبواق للكرملين، فإن الولايات الألمانية لا تتمتع بما يكفي من السلطة لرسم السياسة الخارجية للبلد، كما لا يمكن النظر إلى نتائج الانتخابات في ولايتين صغيرتين لا يزيد عدد سكانهما عن 6.2 مليون نسمة ولا تمثلان أكثر من 7% من مساحة ألمانيا على أنها مؤشر يعبر عن ألمانيا ككل.

بيد أن مايكل كرتشمر رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ولاية ساكسونيا لم يجافي الصواب عندما قال قبل الانتخابات بإن ولايته تشهد انتخابات مصيرية، فقد تحول حزب البديل من أجل ألمانيا من جماعة تضم متذمرين مشككين في أوروبا، إلى حزب يعمل أشد أعضائه تطرفاً، مثل السيد هوكه، على هوامش الديمقراطية، ولهذا يعتقد بعض الناس في ألمانيا بأنه لا مناص من حظر هذا الحزب، فقد استغل المظالم المتعلقة بالتضخم والهجرة وأوكرانيا وحولها إلى منصة للدعم الكبير الذي حظي به ليس فقط في شرقي ألمانيا، بل في عموم البلد، لأن حزب البديل من أجل ألمانيا صار يحتل منذ فترة طويلة المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي التي ترصد آراء الناخبين في البلد، إذ كان يأتي بعد حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الشقيق له في بافاريا، لكنه صار يتقدم كل الأحزاب الثلاثة التي تمثل الائتلاف الوطني في ألمانيا.

لابد أن تتسبب النتائج السيئة التي حققتها تلك الأحزاب في زيادة التوتر داخل الائتلاف الوطني، إذ قد يأمل الحزب الديمقراطي الاجتماعي بتحسن في الأداء بولاية براندنبورغ، وهي ولاية أخرى تقع في الشرق، والتي ستجرى فيها انتخابات في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، ولكن في الوقت الذي تفكر فيه البلد بعواقب الانتخابات في الولايات، سيبدأ السياسيون في ساكسونيا وتورينغن اليوم بعملهم المضني المتمثل بالتفاوض على تشكيل التحالفات، بما أن هذه العملية تستغرق أسابيع طويلة في أفضل الأحوال.

لم يعد الائتلاف الذي شكله كرتشمر مع حزب الديمقراطيين الاجتماعيين وحزب الخضر يتمتع بالشعبية أو يستقطب الأغلبية، ولهذا لابد أن يتعاون مع تحالف سارة فاجنكنشت وحزب الديمقراطيين الاجتماعيين. وفي هذه الأثناء، بدت النتيجة في تورينغن وكأنها قد صممت بكل دقة لنشر الفوضى، ولذلك سيبدأ ماريو فويجت وهو أهم مرشح لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بالتفاوض مع حزب الديمقراطيين الاجتماعيين وقد يفتح قناة للتفاوض مع تحالف سارة فاجنكنشت. بيد أن هذه الأحزاب الثلاثة ستحتاج لمقعد واحد حتى تحقق الأغلبية، وقد يسعى فويجت أيضاً للحصول على دعم بودو راميلو الذي يشغل منصب رئيس الوزراء الذي شارفت ولايته في منصبه على نهايتها. وفي عموم البلد يحظر على حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي التعاون مع حزب اليسار الذي ينتمي إليه راميلو، ولكن وكما قال هذا الرجل الذي يتمتع بمواقف وسطية، فإنه من الصعب فهم السبب الذي يجعله خارجاً عن المألوف في الوقت الذي لا تعتبر فيه السيدة فاجنكنشت كذلك.

بيد أن فاجنكنشت أوضحت بأنها لن تكون خصماً سهلاً في المفاوضات من أجل إقامة التحالفات، إذ قبل الانتخابات ذكرت بأن حزبها لن ينضم لأحزاب الحكومة التي تعهدت برفض الخطة التي تم إقرارها مؤخراً والتي تقدم بها شولتس لنشر صواريخ أميركية بعيدة المدى في ألمانيا ابتداء من عام 2026. وقد يبدو ذلك مطلباً متعجرفاً من حكومة يفترض أنها مشغولة بقضية الإسكان والتعليم وضبط الأمن، لكن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على أن السياسة الألمانية باتت تتوجه نحو أرض مجهولة المعالم والتضاريس.

 

المصدر: The Economist