ناقشت حلقة منتدى دمشق لهذا الأسبوع قضية التحولات في بعض الدول الأوروبية من أزمة اللجوء واللاجئين، انطلاقاً من قرار الحكومة البريطانية بترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى راوندا، وقانونية ذلك القرار أمام الاتفاقيات الأوروبية والدولية المتعلقة بتلك القضية.
تحدثت مُزنة دريد وهي عضو في الشبكة الاستشارية للاجئين في كندا عن القرارات البريطانية الجديدة ورأت أنها ذات أبعاد سياسية وتحمل فكرة الحزب الحاكم في بريطانيا المناهض لوجود اللاجئين، والذي يريد تقديمهم بصورة مختلفة عن واقعهم، فجاء القرار بعد اتفاقية بين بريطانيا وراوندا، وأضافت مزنة أن القرار البريطاني يشمل كل طالبي الحماية في بريطانيا بغض النظر عن طريقة دخولهم للبلاد، لكن الحكومة بداية ركزت على شريحة معينة دخلت البلاد بالزوارق عبر المانش من أجل تمرير القرار من خلال تجريم العملية، لتحمل طابعا يصب في مصلحة الحكومة التي أصدرته.
وحول اختيار راوندا، رأت مزنة أن الاختيار جاء وفق توافقات سياسية ومقابل أجر مادي دفع لبلاد تحتاج إليه، مضيفة أن كلفة إرسال اللاجئين إلى وسط أفريقيا أكبر من كلفة وجودهم في بريطانيا، لكن هذه السياسة أتت بشكل رسالة شبه واضحة بأن بريطانيا لم تعد تريد مزيداً من المهاجرين إليها، وأتت في سياق تخويف اللاجئين من المصير الذي ينتظرهم في حال تفكيرهم بالعبور إليها.
وبالانتقال للحديث عن فكرة البلد الثالث الآمن، قالت مزنة إن هناك أمثلة مهمة في العالم أبرزها قضية عبور اللاجئين من أميركا إلى كندا في ظل حكم ترامب وموقف الحكومة الكندية التي أقرت بعدم إعادتهم إلى أميركا، فقضية إعادة هؤلاء الهاربين من الموت مرتبطة جذريا بالسياسة الحاكمة لكل بلد.
مضيفة أننا نمر بمناسبة يوم اللاجئ العالمي، وقد تعدينا في العالم أكثر من 100 مليون لاجئ، ولكننا أمام أزمة كبرى فلا يتجاوز اليوم من أعيد توطينهم من هذا الرقم أكثر من 0.01 بالمئة.
أما الباحثة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية سيما نصّار فقد تحدثت عن الدفعة الأولى من اللاجئين المراد ترحيلهم وذكرت أن العدد بداية وصل إلى 37 شخصاً، وهم من القادمين عبر الزوارق حصراً إلى بريطانيا، ورأت أن الحكومة البريطانية روجت للقانون بأنها تريد مكافحة الهجرة غير الشرعية، في حين أعلنت راوندا جاهزيتها لاستقبال 1000شخص، لكن نتيجة الطعون في القرار أمام المحاكم البريطانية تناقص العدد حتى وصل إلى 7 أشخاص من أصل 37 ضمن قرار الترحيل، وهنا جاء قرار المحكمة الأوروبية وألغى الرحلة كاملة، لكن تصريحات الحكومة تشير إلى استمرارها في الخطة وأن الإيقاف جاء مؤقتاً.
وحول موقف المحكمة العليا البريطانية وتصديقها على القرار رأت سيما أن هذا القرار نوقش في البرلمان البريطاني وتمّ التصديق عليه، أي أنه حصل على مشروعية كاملة، مشيرة إلى مفارقات مهمة في موقف بريطانيا، إذ إنها تعدّ من الدول المؤسسة للاتفاقية الخاصة باللاجئين، وأحد مؤسسي المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، تلك المحكمة التي تحاول الحكومة البريطانية نقض أحكامها وتجاوزها.
وحول السؤال عن أهمية ما قررته الحكومة وتأثيره في المناخ العام البريطاني، أكدت سيما أن نسبة كبيرة في الشارع البريطاني تتجه نحو رفض وجود اللاجئين، بالرغم من نشاط منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والكنيسة لتحسين الموقف منهم ودعم وجودهم، ورأت أن القانون سيطبّق لأن مشروعه يحمل وعود جونسون لناخبيه خلال الحملة الانتخابية باتخاذ إجراءات صارمة ضد أزمة اللجوء.
وحول العلاقة بين أوروبا وتركيا بشأن اللاجئين قالت سيما إن الاتفاقية بين الجانبين دخلت حيز التنفيذ عام 2016، والاتفاقيات الخاصة باللاجئين في أوروبا تعدّ البلد الأول هو بلد اللجوء، ومعظم اللاجئين المتدفقين إلى القارة العجوز أتوا عبر تركيا، وبالتالي يحق للدول الأوروبية إعادتهم إلى هناك طالما أن تركيا بلد آمن.
وهنا ظهرت المناشدات بعدم الإعادة إلى تركيا نظراً للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها اللاجئ هناك باعتبارها ليست ضمن بلدان اتفاقيات اللجوء الأوروبية.
أما المحامي والناشط الحقوقي معتصم الكيلاني فقد قدم في البداية تعريفه للاجئ من وجهة نظر القانون الدولي، وبأنه الشخص الذي أجبر على الفرار من بلده أو من أي تهديد خطير يمس حياته أو حريته، وهذا الشخص يتمتع بحماية القانون الدولي، ولا يمكن إعادته وفق القواعد الآمرة في ذلك القانون، وبذلك فليس هناك قانونية لقرارات الحكومة البريطانية، فهي تخرق كل المعاهدات الدولية، والميثاق العالمي لحقوق الإنسان حول قضية اللاجئين وحقوقهم، فالإعادة القسرية مرفوضة تماماً ولا يحق لأي دولة انتهاكها.
ورأى معتصم أن القانون البريطاني الجديد قانون شعبوي يهدف للتقرب من شارع اليمين في بريطانيا في الحديث عن محاولة مكافحة الهجرة غير الشرعية ، مع العلم أن بريطانيا أقل دول أوروبا استقبالاً للاجئين، ومن ناحية أخرى هناك نظرة اقتصادية للقانون حيث كانت الحكومة البريطانية تتحدث عن مليار ونصف المليار جنيه كلفة المهاجرين السنوية في بريطانيا، في حين لا تتجاوز الكلفة أكثر من 120 مليون جنيه في مشروع اتفاقيتها مع راوندا، وهو رقم يوفر على حكومة جونسون الكثير.
ورأى معتصم أن الدول التي تتجه للتضييق على اللاجئين تخترع الكثير من المبررات التي تلقى صدى في بعض تلك الدول نتيجة تصاعد المد اليميني فيها، ودور المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يأتي من هنا، فهي تمنع حصول أي انتهاك وقراراتها ملزمة في دول الميثاق الأوروبي الخاص باللاجئين والذي ما تزال بريطانيا من الدول الموقعة عليه، وعملية انسحابها منه تتطلب شروطا وفترة زمنية طويلة.
وحول اللاجئين في تركيا والاتفاقية الأوروبية قال معتصم إن تركيا كانت في أثناء الاتفاق تحتوي على أكثر من 3 ملايين لاجئ، فجاء الاتفاق بالاحتفاظ بهم مقابل دفع أوروبا مبالغ مالية مقابل ذلك، أما موضوع راوندا فهو نقل للاجئين من دولة إلى أخرى قسرياً.
وأضاف أننا الآن في أوروبا لدينا مواثيق مختلفة وأكثر من معاهدة تنظم عملية اللجوء والقوانين الناظمة لها، والنقطة الخلافية اليوم هو وضع اللاجئين في الدول التي تعتبر خارج اتفاقية دبلن وغيرها من الاتفاقيات الأوروبية، وتلك الدول بأي حال من الأحوال لا يحق لها خرق القانون الدولي، فهو أعلى وأقوى من أي قانون محلي، ورأى أن الدنمارك تنتهك الاتفاقيات الأوروبية والدولية والقواعد الآمرة في القانون الدولي، من خلال تهديد مباشر لـ 1200 لاجئ كانوا يتمتعون بالحماية وتم إيقافها.