ملخص:
- هجوم واسع لقوات العشائر ضد قسد بدعم إيراني قرب القواعد الأميركية.
- قوات العشائر تلقت تدريبات في معسكرات يديرها الحرس الثوري الإيراني.
- الهجوم يأتي في سياق التوتر المتزايد بين إيران والولايات المتحدة في المنطقة.
- إيران تسعى للضغط على الولايات المتحدة لإعادة تقييم وجودها العسكري في سوريا.
- الهجمات قد تؤثر على العلاقات بين النظام السوري وتركيا ومسار التطبيع بينهما.
يعتبر الهجوم الذي نفذته قوات عشائرية في 7 من آب/ أغسطس الجاري ضد مواقع تنظيم قسد في محافظة دير الزور، هو الأوسع والأكبر منذ أن بدأت المواجهات المسلحة بين مقاتلي العشائر وقسد شهر أيلول/ سبتمبر 2023.
وشارك في الهجوم مقاتلون من قبيلة العكيدات موالون لإبراهيم الهفل، وهاشم السطام القيادي في "الدفاع الوطني" الموالي للنظام السوري. اللافت في الهجوم هذه المرة اقترابه أكثر من القواعد الأميركية المهمة في المنطقة مثل القاعدة الموجودة في حقل العمر النفطي، بالإضافة إلى استخدام مقاتلي العشائر لأسلحة متنوعة مثل القذائف الصاروخية، وبنادق القنص الحرارية، بالإضافة إلى وفرة الذخائر المخصصة للرشاشات الخفيفة والمتوسطة.
وفقاً للمعلومات المتقاطعة، فإن قوات العشائر التي نفذت الهجوم تلقت خلال الأشهر السابقة تدريبات في معسكرات يشرف عليها ضباط من الحرس الثوري الإيراني موجودة في دير الزور، وقد استخدمت إيران بعض وجهاء العشائر الموالين لها من أجل ترتيب الأجواء لهذا الهجوم مثل فرحان المرسومي، بالتنسيق مع شعبة المخابرات العسكرية في دير الزور.
ارتباط الهجوم بالتوتر الإيراني الأميركي في المنطقة
يرتبط الهجوم الذي دعمته إيران في مناطق النفوذ الأميركي شمال شرقي سوريا بسياق أوسع يشمل الخلافات الإيرانية الأميركية حول النفوذ في المنطقة سواء في العراق أو شرقي سوريا. تعتني إيران بصورة بالغة بنفوذها في العراق، وتتعاطى معه كحديقة خلفية وامتداداً حيوياً لها، أما شرق سوريا المتاخم للحدود العراقية فهو الممر الذي تستخدمه إيران لتأمين الوصول البري إلى البحر المتوسط.
منذ أواخر تموز/ يوليو الماضي، ارتفع منسوب التوتر بين الأذرع الإيرانية والقوات الأميركية في العراق، حيث استهدفت الفصائل العراقية المدعومة من إيران قاعدة عين الأسد الأميركية الموجودة في الأنبار على الحدود السورية العراقية مرات متعددة وأصيب جنود أميركيون في آخر هجوم حصل مطلع آب/ أغسطس الجاري. تخلل الهجمات على القاعدة الأميركية توجيه سلاح الجو الأميركي ضربة قوية للفصائل المدعومة إيرانياً، تمثلت باستهداف قاعدة جرف الصخر في 31 من تموز/ يوليو الفائت، حيث تعتبر هذه القاعدة أكبر تجمع عسكري للتنظيمات الموالية لإيران، وتضم إلى جانب الفصائل العراقية مجموعات من حزب الله اللبناني، وجماعة الحوثي.
وقد نتج عن الاستهداف مقتل خبراء طائرات مسيرة، مسؤولين عن تنفيذ الهجمات ضد القوات الأميركية. التوتر اندلع بسبب الغضب الإيراني من نتائج المفاوضات العراقية الأميركية، التي تسعى إيران من خلالها إلى التوصل إلى اتفاق عراقي أميركي على انسحاب القوات الأميركية من العراق وفق جدول زمني يتم تحديده، وهذا لم يحصل حيث تجنب الجانب الأميركي إعطاء أي وعود بهذا الخصوص في آخر جولة مفاوضات انعقدت في تموز/ يوليو الماضي.
ويبدو أن إيران تريد إظهار قدرتها على الضغط على الجانب الأميركي من خلال أوراق متعددة، لا تقتصر على الفصائل العراقية الموالية لها، بل أيضاً العشائر العربية شرقي سوريا، التي سعت طهران خلال السنوات الماضية لتوطيد العلاقات معها، مستغلة غضب هذه العشائر من ممارسات "قسد" المتمثلة بالسيطرة على موارد محافظة دير الزور، ومنع أبنائها من الاستفادة منها، بالإضافة إلى التشديد الأمني والقيام بالاعتقالات ضد أبناء العشائر بحجة الانتماء لتنظيم "داعش".
ومن غير المستبعد أن إيران أرادت إرسال رسالة تحذيرية للجانب الأميركي، تظهر من خلالها القدرة على الوصول إلى القواعد الأميركية في دير الزور، بهدف التأثير على رد الفعل الأميركي في حال نفذت إيران ردها المرتقب على إسرائيل، الذي تتوعد به منذ اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية.
رسائل من النظام السوري وحلفائه إلى تركيا
تشدد تركيا في تصريحات مسؤوليها المتكررة والتي كان آخرها على لسان وزير الخارجية حقان فيدان مطلع آب/ أغسطس الجاري، على ضرورة انخراط النظام السوري في مكافحة الإرهاب وتفكيك التنظيمات الإرهابية على الحدود المشتركة بين البلدين، قبل الحديث عن انسحاب القوات التركية من سوريا، ويمكن القول إن عدم توصل أنقرة لتفاهم مع واشنطن من أجل حل معضلة دعم الأخيرة لقسد، من أهم الأسباب التي دفعت أنقرة لمساعي التقارب مع دمشق برعاية روسية أملاً في إيجاد حلول للتهديدات الأمنية على الحدود التركية.
إن الهجوم الحالي لقوات العشائر الذي انطلق من مناطق سيطرة النظام السوري في دير الزور، وبدعم إيراني ورضا روسي، هو بمثابة رسالة إلى الجانب التركي، تشير إلى امتلاك النظام وداعميه لخيارات متنوعة لمواجهة تنظيم قسد المدعوم أميركياً، مما قد يدفع مسار التقارب بين أنقرة ودمشق إلى الأمام بشكل أكبر، خاصة أن دفع النظام للمواجهة مع قسد سيجنب تركيا التوتر والصدام المباشر مع الجانب الأميركي.
ومما يعزز هذا الاعتقاد، أن الهجمات أتت بعد أيام فقط من إعلان روسيا رسمياً إقامة قاعدة عسكرية جديدة في منطقة عين العرب (كوباني) الخاضعة لسيطرة قسد، والواقعة على الحدود مع تركيا، حيث تحدثت وسائل إعلام النظام السوري الرسمية عن الغاية من إنشاء القاعدة، المتمثلة بإعطاء تطمينات للجانب التركي.
وتأثير هجمات قوات العشائر على مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري مرتبط باستمرار هذه الهجمات، وعدم توظيفها فقط بسياق المصالح الإيرانية، وإنما تطويرها لتصبح نهجاً يهدف إلى إنهاء تنظيم قسد بالفعل، بالإضافة إلى الموقف الأميركي منها وطريقة تعاطي واشنطن معها. على أية حال، من الصعب أن نتوقع تطور الهجمات لدرجة الصدام المباشر مع القوات الأميركية في المنطقة لأن هذا قد يتسبب برد فعل أميركي عنيف ضد إيران والنظام السوري، والهدف الرئيسي منها هو الضغط ورفع التهديدات الأمنية في محيط القواعد الأميركية، على أمل أن تجري واشنطن إعادة تقييم لوجودها في المنطقة.