تكتسب الدراسة الأكاديمية والجامعية أهمية كبرى باعتبارها مفتاحاً للدخول إلى العالم الذي يرغب الشباب بدخوله في حياتهم العملية، بالإضافة إلى الكم الكبير من المعلومات العلمية وخبرات أساتذة الجامعات التي يمكن الاطلاع عليها، عدا عن العلاقات الاجتماعية التي يحصل عليها الطالب وفي كثير من الأحيان كانت سبباً في مستقبل عملي أفضل لهؤلاء الطلاب.
ويعاني الطلبة السوريون من مرحلة الدراسة الجامعية وخاصةً في البلاد المحيطة بسوريا، والتي لا تتوفر فيها سهولة الدراسة الجامعية كما الدول الأوروبية على سبيل المثال، لذا تلجأ شريحة من الطلاب السوريين في تركيا للالتحاق بالجامعات الخاصة برغم الصعوبات المادية التي تواجههم.
وتظهر يومياً مئات الإعلانات للجامعات الخاصة التركية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن طريق مكاتب تسهيل المعاملات.
صعوبة طريق الجامعات الحكومية أحد الأسباب
"بعد ثلاث سنوات من المحاولة والفشل في الحصول على مقعد جامعي في الجامعات الحكومية في إسطنبول، لم يعد لدي خيار سوى الجامعات الخاصة أو الجامعات الحكومية خارج إسطنبول أو إضاعة سنة أخرى في محاولة جديدة أدركت أنها ستفشل" بهذه الجمل وصف مهند (طالب في هندسة البرمجيات) تجربته في الدراسة الجامعية.
وقال مهند (22) عاماً لموقع تلفزيون سوريا إن خيار الجامعة الحكومية خارج إسطنبول كان خياراً مطروحاً ولكنه فضل الجامعة الخاصة لإمكانية العمل مع الدراسة في إسطنبول وتقارب المصروف والتكلفة ما بين الجامعة الخاصة والمعيشة بعيداً عن الأهل و النشاطات الاجتماعية التي يصعب إيجادها خارج إسطنبول بحسب رأيه.
وأضاف مهند أن قسط الجامعة يصل إلى 3 آلاف دولار أميركي سنوياً (أي ما يقارب 26 ألف و500 ليرة تركية تقريباً، ويصل سعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة التركية إلى 8.85 ليرة وفق موقع Doviz المختص بأسعار الصرف) وبالتالي فإن المبلغ الذي يدفعه مهند هو مبلغ كبير بالأساس.
وصدرت توجيهات من "مجلس التعليم العالي" (YÖK) منحَ من خلالها الجامعات الحكومية التركية إمكانية تحصيل الرسوم من الطلبة السوريين، وذلك منذ العام الماضي 2020، رغم أن القرار ومنذ ذلك الحين لم يجبر الجامعات على تحصيل الرسوم بل سمح لها بهذا الأمر تاركاً لها تحديد قيمتها.
ودفعت الظروف الحالية التي يعيشها مهند للعمل إلى جانب دراسته الجامعية، وقال لموقع تلفزيون سوريا إنه يعمل في قطاع السياحة منذ فترة ليست بالقصيرة لتلبية متطلبات دراسته الجامعية وبدوام كامل، ساعده بذلك قرار عدم الحضور للجامعة في السنة الأولى و إلا لما استطاع التوفيق بين الأمرين، مشيراً إلى أثر ذلك على معدله الدراسي بسبب ضيق الوقت للدراسة رغم نجاحه بكل مواد السنة الأولى.
التكاتف الأهلي أحد الحلول
يعد العامل الاقتصادي أحد أهم الصعوبات التي يواجهها الطلاب الجامعيون السوريون في تركيا، إذ إن العشرات من الشباب لم ينجحوا بالدخول إلى الجامعات الخاصة بسبب أقساطها السنوية المرتفعة، وتعثر انتسابهم إلى جامعة حكومية تركية.
وتدعم العديد من المنظمات المدنية التعليم الجامعي للشباب، ما يعرف بـ"المنح الجامعية"، لكن تجربة محمد كانت مختلفة، إذ إن نجاحه بالتسجيل بالجامعة كان نتيجة "تكاتف أهلي" من معارف عدة لأحد أصدقائه.
وقال محمد لموقع تلفزيون سوريا إنه ولدى خروجه من سوريا كان مصاباً، لذا اضطر لتقديم امتحانات الثانوية العامة مباشرةً واستطاع الحصول على علامة النجاح، وبقيت اللغة عائقاً أمامه لذا كان الخيار الوحيد أمامه هو الدخول إلى جامعة خاصة، وحصل على منحة لـ 75%، بينما تكفل بالباقي معارف لأحد الأصدقاء ساعدوه فيما تبقى من المبالغ المطلوبة باستثناء العام الأخير حيث وجد عملاً وتكفل بمبلغ السنة الأخيرة.
ووفق تقرير لصحيفة "Milliyet" التركية، يوجد في تركيا 203 جامعات، وبحسب التقرير المنشور في تشرين الأول من عام 2020، فإن عدد الجامعات الحكومية 170 جامعة، فيما يبلغ عدد الجامعات الخاصة نحو 33 جامعة.
ويصل عدد الطلاب السوريين في الجامعات التركية إلى 27 ألف طالب تقريباً، وفق وزارة التربية والتعليم التركية.
فيما يصف محمد تجربته في الجامعة الخاصة بالجيدة مع الوضع الاجتماعي في الجامعة وعدم وجود عدد كبير في القاعات ما يؤدي لجو دراسي أفضل والتواصل مع أساتذة الجامعة ومناقشتهم على عكس الجامعات الحكومية بحسب رأيه، كما أن الطبقة الاجتماعية لعبت دوراً في الجامعة التي درس فيها إذ كانت طبقة مستقرة مادياً ولا تعاني من ضغوط مادية، ما أدى لغياب النظرة العنصرية وفق محمد.
ومع اختلاف تجربة محمد عن تجربة فوزي (24 عاما)، إلا أن الأخير وصف تجربته لموقع تلفزيون سوريا بالممتازة من ناحية التعليم وتعامل دكاترة الجامعة وبيئة الطلاب، إذ إن هناك تسهيلات فيما يخص الأوراق المطلوبة للتسجيل أو الاقامة، كما يوجد مساعدات وتوجيهات من قسم الطلبة الأجانب، وبيئة الطلاب، في حين لم تواجهه مشكلات كثيرة على الصعيد المادي.
في حين قال مهند لموقع تلفزيون سوريا "حتى الآن أنا سعيدٌ بقراري الذي اتخذته، شخصياً أحب الضغط في الحياة أكثر من الراحة، وما زلت أجد الضغط الحاصل ما بين الدراسة والعمل قابلاً للتحمل، على الصعيد التعليمي أجد بعض الاحترام للطلبة في الجامعة الخاصة أكثر منه في الجامعات الحكومية (حسب ما أسمع من أصدقائي في تلك الجامعات)، أساتذة جامعتنا يقدرون ضغوطات الحياة التي يعيشها الطلبة وخصوصاً الأجانب منهم، ويحاولون مساعدة الطلاب الأجانب قدر الإمكان من ناحية صعوبة اللغة والمفردات الأكاديمية، بالمجمل أرى تجربة الجامعة الخاصة تجربة ناجحة على الصعيد الشخصي".
آثار اقتصادية بسبب الأقساط المرتفعة للجامعات
يرى المستشار الاقتصادي جلال بكار في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن الاقتصاد جزء كبير من استقرار السوريين على الصعيد النفسي في الجوار السوري، بما فيها تركيا التي تعاني بدورها من صعوبات اقتصادية ناتجة عن فيروس كورونا والتغيرات السياسية الدولية والأزمات الناتجة عن هذه التغيرات، وبالتالي يتأثر السوريون بشكل مباشر.
وأضاف بكار "لذا نلاحظ أن قرار رفع الدعم عن الطلبة السوريين في الجامعات الحكومية التركية يأتي كناتج لهذه الأزمة الاقتصادية أيضاً، إذ إن تركيا هي دولة ناشئة اقتصادياً لا يتجاوز عمرها الـ20 عاماً، كما هناك الضغوطات الشعبوية كان لها تأثيرها لرفع الدعم عن الطلبة السوريين".
ووفق بكار فإن الظروف السابقة تدفع الطالب للتفكير بمسألتين، الأولى هي العمل لمساعدة العائلة وكيف سينهض اقتصادياً، بالإضافة إلى الالتزامات المالية تجاه جامعته، ما يعني أن هناك ضغوطات كبيرة على الطلاب السوريين، ما يعني أن هناك ربما موجة هجرة جديدة للشباب إلى بلاد أخرى.
لذا لا بد من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية التحرك لمساعدة الطلاب السوريين في الجامعات الحكومية والخاصة في تركيا وفق بكار.