بعد مرور شهر على كارثة الزلزال المدمّر في مناطق شمال غربي سوريا، هرعت بعض العائلات إلى ترميم وتدعيم المنازل التي تسكنها، رغم أنّ ضررها مصنّف بين البسيط والضرر المتوسط من جراء الزلزال، وذلك خشية توسّع الضرر وسط استمرار الهزات الارتدادية التي شكّلت هاجساً يؤرق الأهالي في المنطقة.
وخلّف الزلزال أضراراً بالغة في البنية التحتية والأبنية السكنية، ما تسبب في مضاعفة أعداد النازحين والمتضررين مع ارتفاع نسبة الحاجة إلى السكن والمأوى، الأمر الذي أجبر بعض العائلات غير القادرة على تأمين مأوى أو دفع إيجار منزل، إلى تحمّل أعباء ثقيلة في ترميم منازلها المتضرّرة، تزامناً مع ارتفاع أسعار مواد البناء بشكل غير مسبوق.
تكاليف مالية مرهقة
تختلف التكاليف المالية التي تحتاج إليها المنازل المتضرّرة لإعادة الترميم من منزل لآخر، وفق تصنيفات الضرر، كما أنها تختلف من حيث الخدمات وجودة البناء التي كانت متوفرة في المنزل، إلا أنها مرهقة بشكل كبير في ظل واقع معيشي واقتصادية سيئ.
تضرّر جزء من منزل محمد النايف في مدينة صوران شمالي حلب، مع وجود تشققات في بعض الجدران، وبحسب تصنيفات "نقابة المهندسين السوريين الأحرار" يعتبر ضررا متوسطا وقابلا للسكن، لكنه لا يصمد لفترة طويلة ومن الضروري تدعيمه بأقرب فرصة ممكنة.
"النايف" قال لـ موقع تلفزيون سوريا: "منزلي تضرّر بشكل متوسط، لكن يحتاج إلى إصلاح وأنا لا أستطيع تأمين احتياجات أسرتي، فرزقي من العمل محدود ولا يكاد يغطي ثمن خبزنا وطعامنا لذلك سأتركه حتى يمن الله عليّ وأعمل على ترميمه".
وأضاف "النايف" الذي يبيع الخردوات على عربة جوالة في شوارع صوران، "تكاليف البناء مرهقة جداً، وبحسب أحد العاملين في البناء، أحتاج إلى 400 دولار أميركي لتدعيم المنزل"، مشيراً إلى أنّه "بنى منزله الذي تضرر بكد وتعب شديدين، وأفنى سنوات طويلة من عمره حتى استطاع إتمام منزله بشكل تدريجي".
من جهته أحمد الخطيب، رمّم منزله الكائن في مدينة مارع شمالي حلب، بعدما تشقّقت بعض جدرانه من جرّاء الزلزال، حيث بلغت الكلفة المالية نحو 200 دولار أميركي، كون التضرر بحسب وصفه بسيطا ومنزله لا يحتوي على هيكل إسمنتي مدعّم، لكنه في الوقت ذاته يخشى من تكرار حادثة الزلزال.
معظم المنازل السكنية في الشمال السوري بُنيت من قبل أصحابها وبعيداً عن استشارة المهندسين، ما تسبّب في ارتفاع نسبة المنازل المتضررة، أما الأبنية السكنية الطابقية فقد أشرف مهندسون على معظمها، لكن في الوقت ذاته لا تتم مراعاة سبل الأمن والسلامة من قبل بعضهم، بهدف تخفيض التكاليف المالية ورفع نسبة البيع.
وقال رئيس لجنة الهندسة المدنية في "نقابة المهندسين السوريين الأحرار/ حلب" سمير بويضاني، خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا: إنّ "تصنيفات الضرر تحدّد الكلفة المادية للمنزل المتضرّر:
- الضرر البسيط (وجود تشققات في الزريقة أو اللياسة، وجدران البلوك والحجر) تتراوح كلفة الترميم بين 200 و300 دولار.
- الضرر المتوسط (خروج بعض العناصر الإنشائية عن الخدمة، وغالباً ما تكون كسر رؤوس ثلاثة أعمدة وسطياً) تتراوح كلفة التدعيم بين 1000 إلى 5000 دولار أميركي.
- الضرر الشديد (مصيره الهدم، وإعادة بنائه بحسب "الكود السوري" مع إكساء)، تصل الكلفة المالية للمنزل الواحد إلى 18 ألف دولار أميركي.
وأضاف: "الهدم وإزالة الأبنية الطابقية تحتاج إلى مهندسين وخبراء، لأنها تسبّب أخطارا على المنازل والأبنية المجاورة، إضافة إلى أن عمليات الحفر وإزالة الأساسات السابقة بعد ترحيل الأنقاض، ومن ثم إعادة إنشاء هياكل جديدة بالاعتماد على الكود السوري، وتكون مقاومة للزلازل، ما يعني أن كلفة إعادة بناء المبنى الطابقي باهظة جداً".
ارتفاع أسعار مواد البناء
ارتفعت أسعار مواد البناء (الإسمنت، الحديد، الحجر، القرميد، الرمل) عقب كارثة الزلزال في مناطق شمال غربي سوريا، ما شكّل تحدياً كبيراً أمام العائلات التي تصدّعت منازلها وهي غير قادرة على إصلاح الضرر، في ظل ظروف معيشية واقتصادية متردية.
سعر طن الإسمنت ارتفع عقب كارثة الزلزال 35 دولارا أميركيا، ومقبل على ارتفاع آخر في ظل تزايد الطلب عليه، بالإضافة إلى أن الإسمنت المستخدم في المنطقة يتم استيراده من تركيا، التي تعيش أزمة دمار مماثلة من جراء الزلزال، وفق صاحب شركة "العلي" لمواد البناء، محمد العلي.
وقال "العلي" لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ سعر طن الإسمنت التركي من نوع (نارلي)، بلغ 120 دولاراً، وكان سعره قبل كارثة الزلزال بـ85 دولارا أميركيا، وطن الإسمنت الأبيض عيار (52) بلغ سعره 170 دولاراً بعدما كان بـ140 دولاراً.
وأضاف أنّ سعر الطن الواحد من حديد الباطون التركي - المخصّص للأسقف والأعمدة - ارتفع نحو 60 دولاراً، وبلغ سعره 700 دولار، وكان سعر الطن قبل كارثة الزلزال بـ640 دولاراً.
ويستورد التجّار في الشمال السوري الحديد والإسمنت من الشركات التركية، ويدخلان المنطقة من معابر "باب السلامة والراعي والحمام" في ريف حلب و"باب الهوى" في ريف إدلب، إضافة إلى مواد الإكساء كالأبواب وأسلاك الكهرباء المنزلية والتمديدات الصحية.
وقال وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري في حديثه لـ ـموقع تلفزيون سوريا، إنّ "الإسمنت في الشمال السوري يتم استيراده من معامل الإسمنت في ولايات كهرمان مرعش وأديامان وأنطاكيا جنوبي تركيا، لكنّها توقّفت عقب كارثة الزلزال، في ظل الطلب الكبير على الإسمنت بهدف الترميم وإعادة البناء، ما أدى إلى ارتفاع أسعاره في السوق".
أمّا الحجر والرمل والبحص فمصدره الأراضي السورية، من الجبال والمقالع المنتشرة في مناطق ريف حلب الشمالي وريف إدلب، وعلى الرغم من أنه محلي فإن أسعاره مرتفعة، إذ يبلغ سعر الشاحنة التي تحمل 400 كعب من الحجر المخصّص للعمار، 200 دولار، بينما يتراوح سعر المتر المكعب من الرمل الناعم والبحص من 7 إلى 8 دولارات، باختلاف مصدر الرمل والمسافة التي تسيرها الشاحنة، بحسب صاحب ورشة بناء مصطفى الخالد.
يشار إلى أنّ ارتفاع أسعار الإسمنت والرمل الأبيض المخصص للبناء، انعكس على أسعار القرميد (الطوب)،حيث أصبح سعر الواحدة 0.25 سنتاً أميركياً بعدما كان 0.20، كما تسبّب بارتفاع سعر البلاط الذي يُستخدم لأرضيات المنازل، وبلغ سعر المتر المربع منه 3.5 دولارات أميركي بعدما كان بـ3 دولارات.