تواكب آلاف العائلات في شمال غربي سوريا تبعات الزلزال المدمّر الذي ضرب المنطقة، قبل نحو ثلاثة أسابيع، وسط حالة من الرعب والحيرة، بعد أن وجدت هذه العائلات نفسها أمام خيارات صعبة، منها البقاء في الخيام أو مراكز الإيواء المؤقت وتحمّل الطقس البارد وتدني درجات الحرارة، أو العودة إلى المنازل المتصدعة، والتي قد تنهار وتحوّل ساكنيها إلى ضحايا في أي لحظة بفعل الهزّات الارتدادية للزلزال.
وتضاعفت معاناة المدنيين بعد أن ضرب زلزالان جديدان ومتتابعان -الأول بقوة 6.4 والثاني 5.8 درجات - مساء يوم 20 شباط، ولاية هاتاي جنوبي تركيا، وتأثّرت بهما مناطق في شمال غربي سوريا بشكل مباشر.
وخلّف الزلزالان الجديدان إصابة 190 مدنياً بكسور ورضوض وحالات هلع وإغماء، وانهيار أبنية متصدعة في مختلف مدن وبلدات الشمال السوري، ما دفع مئات العائلات إلى حسم أمرها في السكن داخل الخيام خشية تهدم المنازل الهشة بفعل الهزات الارتدادية المستمرة، والقصف السابق الذي تعرضت له من قبل روسيا والنظام السوري.
ومع اقتراب شهر شباط من نهايته، ما زال سكّان الشمال السوري يكافحون للعيش في مأوى آمن يحفظ سلامتهم، فمنهم من اختار الخيام ملاذاً له ولأطفاله، ومنهم من قرّر العودة إلى المنزل رغم خطورة الموقف، وآخرون قرروا اللجوء إلى منازل أقاربهم ذات الطوابق الأرضية الآمنة نسبياً، بالتزامن مع تشكيل لجان هندسية لتقييم المنازل المتصدعة، واتخاذ القرار النهائي بخصوصها، وفيما إذا كان صالحة للسكن وآمنة بالنسبة لقاطنيها، أو العكس.
لجان هندسية لتقييم المنازل
يُحجم مدنيون في ريف حلب عن الدخول إلى منازلهم سوى للحظات قصيرة، خوفاً من أي هزة ارتدادية قد تحوّل المبنى إلى أنقاض، نظراً لصعوبة تقييم السكّان لأضرار المنزل ومدى مقاومته للهزات الارتدادية من دون الاستعانة بمهندسين مختصين.
وتضرّر آلاف المباني في المنطقة، دفع إلى تشكيل لجان هندسية من قبل "نقابة المهندسين السوريين الأحرار"، بالتعاون مع الدفاع المدني السوري والمجالس المحلية، لمعاينة المنازل المتصدعة والبت في إمكانية العيش فيها ومقاومتها لزلازل أو هزات محتملة.
وأعربت نقابة المهندسين بعد ساعات من وقوع الزلزال عن استعدادها الكامل للقيام بواجبها الأخلاقي والمهني في الكشف عن المباني المتضرّرة وتقييم واقعها، داعية مختلف المؤسسات والمنظمات للتعاون في مواجهة هذه المحنة.
وفي بيان رسمي، دعت النقابة، السلطات الرسمية وغير الرسمية من حكومة ومجالس محلية ومنظمات وفرق تطوعية وشركات ومقاولين للتعاون الفوري والمهني مع النقابة، للمساهمة في تطبيق القوانين الهندسية الخاصة بالإنشاءات الهندسية وتطبيق معايير الأمن والسلامة في تشييد المباني شمالي سوريا.
وحذّرت النقابة من خطورة تدعيم الأبنية المتصدعة والمتضررة من الزلزال بشكل فردي من قبل الأهالي، دون دراسة هندسية مدققة ومصدقة من قبلها، وبإشرافها، حيث أكدت النقابة جاهزيتها لتقديم الدعم والخبرات اللازمة في سبيل تحقيق ذلك.
أربعة تصنيفات للمنازل
تتبّع "نقابة المهندسين السوريين الأحرار" عدة معايير خلال معاينة المنازل المتصدّعة، وبناء على ذلك هناك أربعة تصنيفات لهذه المنازل، أشار إليها نقيب المهندسين أحمد باسم نعناع، وهي: منزل سليم - أضرار خفيفة - أضرار متوسطة - أضرار شديدة.
- بناء سليم: يشمل المنازل التي لم تتصدع نتيجة الزلزال.
- أضرار خفيفة: تشمل التشققات في الأماكن غير الإنشائية، مثل الجدران، أو في الجزء الفاصل بين العمود الإسمنتي والجدار، وفي هذه الحالة يعد المنزل صالحاً للسكن.
- أضرار متوسطة: تشمل التشقّقات البسيطة في الجمل الإنشائية، مثل القواعد والأعمدة والجسور والبلاط، إضافة لوجود تشققات كبيرة في الأماكن غير الإنشائية، وفي هذا التصنيف ينصح بإخلاء المنزل حتى الانتهاء من عمليات الترميم.
- أضرار شديدة: تشمل التشققات الكبيرة في الجمل الإنشائية.
بالنسبة لتصنيف الأضرار الشديدة، أوضح "نعناع" لـ موقع تلفزيون سوريا، بأنّه وفق هذا التصنيف يُطلب عدم الجلوس في المنزل حتى الكشف عليه من قبل لجنة أخرى، تكون مهمتها اتخاذ القرار بالإزالة أو الهدم، وإرسال تقرير بهذا الخصوص إلى المجلس المحلي، أو تقييم إمكانية ترميم المبنى.
متى يجب إخلاء المنزل؟
نصح نقيب المهندسين، سكّان شمال غربي سوريا بإخلاء المنازل عند ملاحظة وجود تشققات في الكتل الإنشائية أو غير الإنشائية، خاصة في الأعمدة والجسور والبلاط، والتواصل مع النقابة للكشف على المنزل.
وأما المنازل التي تمت معاينتها وتقييمها على أنها سليمة أو ضررها خفيف، يمكن العودة إليها والعيش فيها بشكل طبيعي، مع التأكيد على عدم القيام بأي عمليات ترميم بشكل فردي دون دراسة من مكتب هندسي مختص بإشراف النقابة.
وأجرت النقابة مسحاً أولياً للأبنية في مناطق اعزاز وصوران ومارع والباب وعفرين وجنديرس، وبلغت نسبة الأبنية المتضررة بشكل كبير، وخاصة في اعزاز وما حولها 5%، وأما الأبنية متوسطة الخطورة بلغت 10%، وتوزّعت الـ85% المتبقية على الأبنية السليمة أو ذات الأضرار الخفيفة.
طرق التعامل مع المنازل شديدة الخطورة
تحذّر "نقابة المهندسين" من إزالة المباني المتضررة كلياً أو جزئياً من دون إشراف لجنة معتمدة تضم أعضاء من المجلس المحلي والنقابة، بالاعتماد على خبراء موثوقين في طريقة وآلية الإزالة.
وبحسب نقيب المهندسين، فإن إزالة المباني المتضررة بشكل كبير بسبب الزلزال تحتاج إلى تقنيات حديثة ومتطورة وهي غير موجودة في المنطقة، مضيفاً أن إزالة هذه المباني بوساطة التقنيات أو الآليات الموجودة يجب أن تستخدم بعناية فائقة ومن قبل لجنة مشتركة من المجلس المحلي ونقابة المهندسين ومختصين في طرق وآليات الإزالة والهدم.
ولم تنصح النقابة باستخدام طريقة التفجير لإزالة المباني المتصدعة بسبب المساوئ الناتجة عنها إلا إذا كان بقاء البناء له أضرار أكبر من ضرر طريقة التفجير، أي يجب أن يكون التفجير آخر الحلول وأن يطبق من قبل متخصصين بهذه العملية بعد الاستشارة الهندسية وبإشراف من قبل المجلس المحلي، خشية الهبوط العشوائي وتعرض الجوار لأذى كبير.
ترميم شكلي وحقوق ضائعة للمستأجرين
نسبة كبيرة من المدنيين الذين خرجوا من المنازل واستقروا في الخيام مبدئياً، هم من فئة المستأجرين، ومعظمهم تعرضوا للظلم من جانب مالك المنزل والمكاتب العقارية، وضاعت حقوقهم بفعل الزلزال.
الشاب مصطفى. ع اضطر لمغادرة المنزل الذي يستأجره في مدينة اعزاز شمالي حلب، بعد أن أصبح غير صالح للسكن، علماً أن موعد انتهاء مدة الإيجار بعد 4 أشهر.
ويقول مصطفى في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا، إنّه تواصل مع مالك المنزل لاسترجاع الأموال التي دفعها مسبقاً، إلا أنه رفض ذلك بحجة أن الزلزال أثّر على الجميع مادياً.
وأضاف أن مالك المنزل اشترط إعادة الأموال في حالة واحدة فقط، وهي تأجير المنزل لعائلة أخرى من دون تحديد مدة زمنية معينة، خاصة أن المنزل متضرر بشكل كبير، وقد لا يصلح للسكن في الوقت الحالي.
وبهذا السياق يؤكد مدنيون لموقع تلفزيون سوريا، أن بعض المقاولين وملاك الأبنية يعملون على إخفاء التصدعات والشقوق بشكل فردي وعشوائي ليتسنى لهم تأجير المنازل مرة أخرى، وسط غياب الرقابة من قبل الجهات المحلية، ما يعرّض حياة المستأجرين المستقبليين للخطر.
أزمة إيواء
تحدث فريق "منسقو استجابة سوريا" عن أزمة إيواء كبيرة تشهدها مناطق شمال غربي سوريا، عقب الزلزال المدمّر، وارتفاع كبير في عدد النازحين في المنطقة والذي تجاوز أكثر من 189,843 بينهم 55,362 نازحاً ضمن مراكز الإيواء المنتشرة في المنطقة.
ومع استمرار النشاط الزلزالي في المنطقة، لوحظ لجوء الآلاف من المدنيين إلى الشوارع والطرقات العامة والبقاء فيها مع أي هزات ارتدادية، في حين تخلت آلاف العائلات عن مساكنها غير المتضررة واختارت البقاء في المناطق الخالية المنخفضة خوفاً من أي حالة انهيار جديدة للمنازل.
ووفقاً للفريق، تقدّر الحاجة الأولية إلى الخيم بأكثر من 20 ألف خيمة كحل مؤقت ريثما تتم عمليات الإصلاح وعودة المدنيين إلى منازلهم، إضافة إلى نصب عدد من الخيام الكبيرة في جميع المدن والبلدات لإيواء الأهالي في حال حدوث هزات ارتدادية كحل مؤقت لساعات، والعودة إلى منازلهم بعد انتهاء الحالات الطارئة.
وطلب الفريق من الجهات المحلية والمنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة العمل على تأمين الخيام بشكل أكبر في المنطقة وذلك كحلول مؤقتة لإيواء المتضررين، إضافة إلى العمل على نشر خيام كبيرة الحجم بالقرب من الأبنية السليمة لإيواء الأهالي عند حدوث الهزات الأرضية.
ومن الضروري منع استغلال المدنيين، حيث لوحظ زيادة كبيرة جداً في أسعار الخيام، إضافة إلى عمليات ضبط الإيجارات التي تشهد زيادة باهظة تفوق قدرة المدنيين المالية في ظل الأوضاع الحالية.
من المؤكد أن السوريين شمالي البلاد سيكافحون لفترة ليست بالقصيرة للتعافي من تبعات الزلزال الذي أدى وفق تقديرات محلية إلى دمار 1314 منزلاً في المنطقة وتصدّع الآلاف، لكن ما يرهقهم أكثر، أنهم ما زالوا شهوداً منذ نحو 12 عاماً على زلزال البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية وحرب الإبادة على يد النظام السوري وروسيا وإيران، والتي كانت سبباً في تدمير المنازل على رؤوس قاطنيها في معظم المحافظات السورية، وجعل المباني هشة متصدعة قابلة للسقوط في أي لحظة.