ما لبثت كثير من العائلات المهجّرة أن استقرّت في مدينة أو منزل، بعد تهجيرها من مواطنها الأصلية، حتى جاء الزلزال المدمّر ليعيدها إلى نقطة البداية من حيث الاستقرار، وباتت تعرّف عن مصيرها ومستقبلها بـ"المجهول".
الخمسيني عمر عبسي العبيدي، يقف وسط حديقة القصور، وهي المكان الذي تحوّل إلى مركز إيواء في مدينة سلقين بريف إدلب، يلتفت ويعاين حجم التغيير الذي لحق بالأبنية السكنية من جرّاء انهيار أو تصدّع، وبعدها يدخل إلى خيمته.
كان "العبيدي" المهجّر من مدينة معرة النعمان جنوبي إدلب، أحد ساكني هذه الأبنية المدمّرة، قبل أن تتحوّل إلى ركام وأنقاض بفعل الزلزال المدمّر الذي ضرب المنطقة، في السادس من شباط الجاري، ولم ينجُ من متاعه وأثاثه شيء، قائلا: "عدت إلى الصفر من جديد".
ويضيف "عبسي": "منذ نحو 3 سنوات ونصف، قطنت في مدينة سلقين، حاولت خلالها الاستقرار والتأقلم من جديد بعد أن خسرت أعز ما أملك، مدينة معرة النعمان، لكن الزلزال كان صدمة كبيرة هزّت كياننا.. تعب كبير ولا يوصف".
"عبسي" وعائلته التي استطاعت مغادرة البناء السكني في سلقين باللحظات الأخيرة، وكُتب لها النجاة، ما تزال تعيش على وقع "الصدمة الكبيرة"، وفق حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، إذ ما يزال مع باقي إخوته النّاجين يتقبّلون التعازي بوفاة أخيه مع كامل عائلته بعد تهدّم منزلهم.
ويردف: "لا نستطيع التفكير، ولا حتى الكلام، خسارتنا كبيرة، ولا نعلم أين وجهتنا الجديدة، هجّرنا النظام سابقاً من المعرة وخسرنا كل شيء، واليوم نجونا فقط، دون أن نستطيع أن نخرج ولو حتى إبرة"، كما يشتكي محدّثنا، من غياب الخدمات على رأسها "دورات المياه والطاقة في مكان التهجير الجديد"، ويقول: "لا يمكن أن يكون هذا المكان مستقرّنا، إذ تغيب عنه كامل الخدمات، وهو مجرد مركز إيواء مؤقت".
وبحسب إحصاءات فريق "منسقو استجابة سوريا"، فإنّ نحو 153 ألفاً نزحوا من المناطق المتضررة بالزلزال، مشيراً الفريق إلى "استمرار أعمال الإحصاء"، وهذا يدل على احتمالية ارتفاع حصيلة المهجّرين.
وكان من اللافت، تركّز التضرر في الأبنية الحديثة، وهي في الغالب يقطنها مهجّرون من مختلف المناطق السوريّة، الأمر الذي جعلهم في صدارة ضحايا الزلزال، سواء من حيث الحصيلة البشرية أو المادية.
"بدون ثياب"
أبو أحمد - مهجّر من ريف حلب الجنوبي - يقول لـ موقع تلفزيون سوريا: "تهجّرت في خمس محطّات، منذ سبع سنوات إلى الآن، في كل مرة كنت أنجح في نقل متاع أو أثاث، لكن هذه المرة، حتى ثياب عائلتي لم أتمكن من نقلها".
و"أبو أحمد" أيضاً من نزلاء "حديقة القصر" في مركز الإيواء بمدينة سلقين، بعد نجاته بأعجوبة، على حدّ تعبيره، يقول: "حالنا سيء في المركز، ولا تتوفر أدنى مقومات العيش، والحالة المادية غير قادرة على تحمّل محطة تهجير جديدة بسبب غياب فرص العمل".
ويضيف: "نحتاج إلى نقل لمساكن ثابتة على الأقل تتوافر فيها دورات مياه وخزانات.. اليوم نذهب إلى جيران المخيم لقضاء حاجة"، ويردف: "النعمة أكبر أني نجوت بعائلتي، لكن الحياة أمامنا صارت أصعب".
ولا يختلف الحال لدى عبد الرؤوف السوادي - المهجّر من مدينة خان شيخون جنوبي إدلب - الذي يبيت مع عائلته في سيارة على أطراف مدينة حارم شمال غربي إدلب.
يقول "السوادي" لـ موقع تلفزيون سوريا: "على الرغم من أن منزلي الذي تهدّم مستأجر، لكن مع الأسف خسرت كل أغراضي بداخله، وحتى دكّاني الذي أعيش منه بجميع المعدّات، صارت تحت الأنقاض".
يجول "السوادي" حول منزله ودكّانه المدمّرين، يحاول البحث عما نجا من أغراضه، ويعود إلى سيارته، حيث ترك عائلته المشرّدة، ويقول عن ذلك: "الزلزال أعادني إلى نحو 3 سنوات، حين خرجت من مدينتي خان شيخون مهجراً قسراً، والآن نحو رحلة تهجير جديدة، لكن لا أعلم إلى أين".
"فقدنا نعمة الاستقرار"
نجا مصعب الياسين، وهو صحفي مقيم في مدينة سلقين، بعائلته بعد أن تهدّم جزءاً من بنائه السكني، بينما جزء آخر مهدد بالسقوط بفعل الهزات الارتدادية، لكن يقول: "يبدو أنني لن أنجو من محطة تهجير جديدة وقاسية، بعد أن عايشتها لأكثر من 6 مرّات بدءاً من قريتي الزيارة بريف سهل الغاب في حماة، وصولاً إلى سلقين".
يضيف "الياسين" لـ موقع تلفزيون سوريا: "حين وصلت إلى سلقين قبل نحو 3 سنوات، بعد رحلة تهجيري المتعبة، واشتريت منزلاً، شعرت باستقرار كبير، الأمر الذي طوّر من خبراتي العمليّة وتمكنت من الوصول إلى محطات ووسائل إعلام عالمية وبدأت خوض تجارب عمل جديدة بالصحافة الاستقصائية، لكن اليوم فقدت نعمة الاستقرار من جديد".
ويختم حديثه قائلاً: "في البداية كان من الصعب عليّ الانتقال إلى خيمة بعد رحلتي تهجيري المضنية، بعد أن عشت مرحلة مستقرّة، لكن لا خيارات أمامي... اليوم هناك حديث عن نقلنا لتجمع مخيمات أكبر، لكن لا أعتقد أنّي سأكون قادراً على تأمين الاستقرار السابق".