عاد قطاع الأدوية ليعاني مؤخراً متأثراً بعدة عوامل أبرزها ارتفاع سعر الدولار أمام الليرة السورية متجاوزاً الـ4200 ليرة لكل دولار، ما دفع مستودعات الأدوية إلى تقليص توزيع الصادات الحيوية (أدوية الالتهاب) والديكلوفيناك (نوع من المسكنات) وأدوية أخرى، نتيجة ضعف إنتاجها من المعامل بحسب بعض الموزعين.
وعلى الرغم من رفع أسعار الصادرات الحيوية بنسب تراوحت بين 30 إلى 40 في المئة في شباط الماضي بحجة توفيرها بعد انقطاع، إلا أن المشكلة عادت من جديد، حيث اعتاد السوريون على انقطاع أصناف مهمة من الأدوية كلما ارتفع سعر الصرف. وقد يكون حديث رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية رشيد الفيصل في تموز الماضي لصحيفة تشرين الرسمية، ما هو إلا إنذار لمشكلة قد تتفاقم قريباً، حيث قال "هذه الصناعة بحاجة للاهتمام والرعاية وإعادة النظر بالأسعار وأسس التسعير"، محذراً من أن تراجع الصناعات الدوائية وعزوف الكثير من الصناعيين عن الإنتاج سيؤدي إلى الوقوع في أزمة دوائية كبيرة.
ضغط جديد
أعلن الفيصل عن "شح متعلق بمستلزمات الإنتاج من كرتون وعبوات زجاجية وغيرها من أمور". اليوم بدأت المعامل والمستودعات بالفعل بخلق أزمة تمهيداً للضغط على الحكومة لرفع الأسعار كما جرت العادة، وفي كل مرة تضغط فيها المعامل والمستودعات تستمر الأزمة لأشهر حتى ترضخ الحكومة وترفع الأسعار.
المدير التنفيذي لشركة "أوبري" للصناعات الدوائية، زياد أوبري، قال في تصريحات سابقة، إن مبيعات الأدوية محلياً تكون بالليرة السورية، بينما تُشترى المواد الأولية بالقطع الأجنبي، نافياً تمويل مصرف سوريا المركزي مشتريات معامل الأدوية من المواد الأولية رغم تأكيده مراراً على هذا.
منع الأطباء السوريين من وصف الدواء الأجنبي
يقول صاحب أحد المستودعات للموقع إن "أي أزمة قادمة ستكون كارثية لعدة أسباب، أهمها عدم توفر الأدوية الأجنبية المهربة البديلة إلا بشكل شحيح وبأسعار مرتفعة جداً، حيث يمنع على الأطباء كتابة وصفات بأدوية أجنبية، ودوريات الجمارك تؤرق المستودعات بالبحث عن أي أدوية مهربة، في حين تخشى الصيدليات اقتناء هذه الأصناف نتيجة التدقيق الشديد من قبل دوريات النقابة".
نقيب صيادلة سوريا وفاء كيشي قالت مؤخراً، إنه "يجب توجيه الأطباء بعدم وصف الدواء المهرّب، علماً أن نقابة الصيادلة طالبت بمؤتمراتها بضرورة توجيه الأطباء لعدم وصف الدواء المهرّب للمرضى مادام يتوفر له بديل وطني، باستثناء الأدوية السرطانية التي يضطر لوصفها ".
بالمقابل، أكد أطباء للموقع، أن توجيهاً من نقابة الأطباء صدر بالتشديد على تفعيل قرار سابق صادر في 2019، يمنع بشكل نهائي وصف الطبيب لأي أدوية أجنبية وضرورة وصفه للأدوية الوطنية فقط، مؤكدةً أن مخالفة ذلك قد تعرض الطبيب لسحب الشهادة.
الأطباء أشاروا إلى أن ذلك دفعهم لوصف الأدوية الأجنبية على قصاصات ورقية ليس عليها اسم أو ختم الطبيب، أو بتوجيه المريض لصيدلية معينة والاتصال بها، إضافة إلى وسائل مثل الواتساب وغيرها، مؤكدين أن انقطاع الأدوية المحلية يدفع الأطباء لوصف الأدوية الأجنبية إضافة إلى أنها أكثر جودة من المحلية.
هذا يؤدي إلى أن انقطاع الأدوية الذي بدأت ملامحه تظهر، ستضع المستودعات والصيادلة والأطباء تحت الضغط والتهديد المستمر، وقد لا يستطيعون وصف وتأمين البدائل المهربة ولو كانت بسعر مرتفع.
عوامل أخرى لانقطاع الأدوية في سوريا
هناك مشكلة أخرى تسهم أيضاً بانقطاع أصناف الأدوية، ويراها أحد العاملين في مستودع كبير بدمشق، بأنها أهم العوامل، وهي فرض الربط المالي بالفواتير مع وزارة المالية على المستودعات، مشيراً إلى أن هذا الربط يعني البيع بالسعر الرسمي الذي لا يلتزم به أحد ويسبب لنا خسارة لأننا نشتري الأدوية بسعر أغلى من المعامل أو عبر تحميلنا أصنافاً غير مطلوبة مع الصنف المطلوب ما يدفعنا لرفع سعر الأخير.
وأشار إلى أن الربط المالي سيدفع الكثير من المستودعات للإغلاق، أو التوقف عن بيع الأصناف الأكثر طلباً كالصادرات الحيوية والمهدئات القوية، إضافة إلى شبه انتهاء المتاجرة بالأدوية المهربة التي تعيش عليها المستودعات.
وأصدرت وزارة المالية بداية الشهر الجاري، قراراً يلزم مستودعات الأدوية باستخدام تطبيق رمز التحقق الإلكتروني للفواتير الصادرة عنها، والربط مع الإدارة الضريبية في الوزارة، وأعطتهم مهلة نحو 20 يوماً من تاريخ صدور القرار، وباتوا ملزمين بمسك السجلات وإصدار الفواتير بشكل إلكتروني.
يقول القرار "يجب أن يكون الربط مع المعامل وليس المستودعات، فهم يبيعوننا الأدوية بأسعار مخالفة، وأيضاً في حال بقيت أسعار الأدوية الرسمية على هذا الحال دون رفعها لصالح المعامل لحل مشكلة التسعير الأسود، سنجد بالتأكيد طريقة للالتفاف لكن غيرنا قد يغلق".
وهناك عدة عوامل أخرى تدفع باتجاه ضغط المعامل والمستودعات لرفع أسعار الأدوية، كارتفاع سعر البنزين الذي يؤثر على نقل البضائع بين المحافظات بحسب ذات المصدر، الذي أكد أن مستودعه رفع الأسعار نتيجة رفع أسعار البنزين الأخيرة التي تجاوزت نسبته ـ127% للمدعوم. بينما بات سعر أي لتر بنزين حر يتراوح بين 4000 و4500 ليرة من الكازيات بارتفاع 500 ليرة عن السعر السابق، وبين 6 – 7 آلاف بالسوق السوداء.