في خضم النزاعات الإقليمية والصراعات الدولية في الشرق الأوسط، نجحت روسيا في تنظيم قمة بريكس، التي يُراد لها أن تكون بديلًا عن مجموعة السبع الاقتصادية وأن تؤسس لمرحلة التعددية القطبية التي تطمح لها روسيا والصين بشكل كبير، بهدف إنهاء الهيمنة الأميركية، سواء من الناحية الاقتصادية أو المجالات الأخرى في الصراع الاستراتيجي والجيوسياسي الذي لا يزال يميل حتى الآن لصالح الغرب.
كان عدد المشاركين في هذه القمة أكبر من القمم السابقة، وهذا بحد ذاته يدل على تقدم بريكس بخطوات نحو الأمام بعد زيادة عدد أعضائها وزيادة عدد الدول الراغبة في الانضمام إليها، رغم تناقض مصالح بعض الدول التي تقدمت بطلبات العضوية.
تركيا من بين هذه الدول، وقد أعربت على لسان رئيسها، رجب طيب أردوغان، عن أن المشاركة في هذه الهياكل (بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون) تمثل فرصة اقتصادية واستراتيجية لبلاده، مؤكدًا أن هذه المشاركة لا تعني التخلي عن الناتو. كما أوضح أن ما يميز تركيا عن الدول الأخرى الساعية للانضمام إلى مجموعة بريكس هو عضويتها في حلف شمال الأطلسي واتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي. لكن هناك تحديات كبيرة ومتناقضة أمام تركيا إذا أرادت المضي قدمًا في طريق الانضمام إلى بريكس، وأبرز هذه الملفات:
الملف السوري وتناقض المصالح مع بعض الدول الأعضاء في بريكس
تركيا تواجه تحديات كبيرة مع بعض الدول الأعضاء في بريكس، وتحديدًا روسيا وإيران، حيث يصر كلا البلدين على ضرورة انسحاب القوات التركية من سوريا، ويرفضان دعم أنقرة للمعارضة السورية. ورغم الدعم الروسي المبدئي لتقارب تركي-سوري، فقد توقف هذا الدعم مؤخرًا، كما صرح بشار الجعفري من موسكو بأن التقارب مع تركيا يجب أن يبدأ بقبولها شرط الانسحاب وفق آلية متفق عليها بين الطرفين. إضافة إلى ذلك، أعلن النظام السوري عن نيته تقديم طلب للانضمام إلى مجموعة بريكس، وهي خطوة تعكس سعيه لفرض الاعتراف بشرعيته والسعي نحو التعامل معه اقتصاديًا وسياسيًا على المستوى الدولي. في حال نجاحه، قد يصبح موقف النظام السوري أقوى في التفاوض مع تركيا التي تطمح هي الأخرى للانضمام إلى المجموعة.
بريكس والتحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة يمثلان معسكرين متضادين في النزاعات الجيوسياسية والاقتصادية الكبرى.
الاتحاد الأوروبي والعلاقات مع الغرب
تتركز العلاقات التجارية لتركيا بشكل كبير مع الغرب، حيث تتشابك التجارة والاقتصاد والسياسة وحتى التعاون العسكري مع الاتحاد الأوروبي. تدرك تركيا أهمية الحفاظ على هذه العلاقات، حيث يمثل الاتحاد الأوروبي حوالي 60% من إجمالي تجارتها. في الوقت ذاته، بريكس والتحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة يمثلان معسكرين متضادين في النزاعات الجيوسياسية والاقتصادية الكبرى، وتركيا، المحسوبة منذ عقود على التحالف الغربي، ليس من السهولة، أو حتى من الممكن، التخلي عنه.
ربما تعتقد أنقرة أنها لن تواجه عقوبات غربية على المدى القصير إذا أصبحت عضوًا في مجموعة بريكس، لكن إذا تطورت بريكس لتصبح تكتلًا مؤسسيًا مع معاملات جمركية موحدة، سيصبح من الصعب على تركيا التعامل مع اتحادين جمركيين في معسكرين متناقضين. بالتأكيد، لن تقبل بريكس تركيا دون تقديمها بعض التنازلات، فالمقايضة جزء لا يتجزأ من عالم السياسة.
يجب أن تقدم تركيا تنازلات تتوافق مع أهداف بريكس، خاصة في علاقاتها مع الغرب ووجودها في سوريا.
الاقتصاد والسياسة: لا انفصال بينهما
في العالم الحديث، لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة، فكلاهما متلازمان، بل إن عجلة الاقتصاد هي من تحرك العجلة السياسية اليوم. وهنا يمكن طرح هذا السؤال: ماذا ستقدم تركيا مقابل الانضمام إلى مجموعة بريكس؟
أعلن أردوغان أن تركيا عضو في الناتو ولن تتخلى عنه، وأنها شريك مهم للغرب، مما يشير إلى عدم نية أنقرة التخلي عن الغرب في الوقت المنظور، مع إبقاء الباب مواربًا في ملفات أخرى. لا يمكن إنكار أهمية تركيا وثقلها السياسي والجغرافي والعسكري في أي تجمع أو تكتل سياسي أو اقتصادي، سواء في الشرق أو الغرب.
لكن هذا لا يعني أن تركيا لا تمتلك نقاط ضعف يمكن الضغط عليها. قد يكون الملف السوري هو الأقرب في مسألة التنازلات، فروسيا وإيران معروفتان بمواقفهما الرافضة للوجود التركي في سوريا، وحتى الدول العربية الأعضاء في بريكس (مثل مصر والإمارات) تدعمان التقارب التركي-السوري.
هل بريكس بحاجة إلى تركيا؟
تركيا بلا شك لاعب إقليمي قوي، ولها تأثير سياسي واقتصادي كبير في المنطقة. لكن، هل بريكس بحاجة فعلية إليها؟
انضمام تركيا سيعزز مكانة بريكس الدولية ويزيد من تنوعها الجغرافي والاستراتيجي، خاصة بالنظر إلى موقع تركيا الاستراتيجي كجسر بين أوروبا وآسيا. ومع ذلك، يجب أن تقدم تركيا تنازلات تتوافق مع أهداف بريكس، خاصة في علاقاتها مع الغرب ووجودها في سوريا.
في النهاية، قد يكون انضمام تركيا إلى بريكس مفيدًا للطرفين، لكنه يتطلب حلولًا وسطى وتنازلات من جانب أنقرة، خاصة في ظل الضغوط الدولية وتضارب المصالح مع بعض أعضاء بريكس الحاليين.