هل لدى تركيا خطة لتعديل وجودها العسكري في سوريا؟

2024.09.28 | 05:55 دمشق

آخر تحديث: 28.09.2024 | 05:55 دمشق

5288887
+A
حجم الخط
-A

لا يكاد يمر شهر أو حتى أسبوع دون تصريح من أحد المسؤولين الأتراك يعبر فيه عن أهمية اللقاء مع النظام السوري وأهمية التطبيع معه.

ولعل آخرها ما قاله الرئيس رجب طيب أردوغان عن استعداده للقاء الأسد، رامياً الكرة في ملعب الأخير. هذا التكرار في تصريحات السياسيين الأتراك يُفهم على أنه نوع من الضغط السياسي والإعلامي لأهداف داخلية وخارجية. لكن تصريحات المسؤولين العسكريين الأتراك تختلف في الرؤى وحتى في نوعية الاندفاع الذي أظهره المسؤولون الآخرون.

وزير الدفاع التركي يشار غولر، الذي كان قائد أركان الجيش التركي، صرح قبل فترة بأن للبلدين مصلحة في إنهاء بيئة الصراع الحالية، وأنه لا توجد مشاكل بيننا (يقصد سوريا) يصعب حلها.

الوجود العسكري التركي في شمالي سوريا، هو وجود عسكري حقيقي لقطعات عسكرية كبيرة منتشرة على مساحة تقارب 600 كيلومتر.

هذا يدل بوضوح على أن المؤسسة العسكرية ترغب في إنهاء حالة العداء مع النظام السوري، ولكن ضمن استراتيجية أمنية جديدة تضمن أمن الحدود لتركيا. الوزير نفسه كان قد صرح سابقاً بأنه سينشئ ممراً آمناً على الحدود مع العراق وسوريا، وأن الاستراتيجية التي يتبعها مع بغداد يمكن أن يتبعها مع النظام.

هذا يشمل نقاطاً مهمة، أولها التنسيق الأمني بين الطرفين لملاحقة عناصر قسد. وبذلك، فإن أي عملية تقوم بها الاستخبارات العسكرية التركية أو الجيش لتحييد تلك العناصر ستكون بموافقة النظام في كل الأحوال.

ثانياً، على النظام السوري إدراج قسد ضمن قائمة الإرهاب والمنظمات الخارجة عن القانون كما فعلت بغداد، سواء انسحبت الولايات المتحدة الأميركية من سوريا أم لم تنسحب. في هذا الإقرار دعم لسياسة تركيا في المنطقة، وهي وضع حزب العمال الكردستاني وأي فصيل تابع له ضمن خانة الملاحقة الأمنية، كائناً من كان في السلطة في تلك البلاد. هذا يشكل استكمالاً لما فعلته تركيا مع السويد وفنلندا.

إذا قارنّا الوجود العسكري التركي في سوريا مع الوجود التركي في العراق، سنجد اختلافاً كبيراً. الوجود التركي في شمالي العراق يتألف أغلبه من القوات الخاصة والاستخبارات العسكرية التركية بهدف القيام بعمليات تتبع وملاحقة لعناصر حزب العمال الكردستاني (جغرافية المكان صعبة، كلها جبال وعرة)، طبعاً مع الدعم المقدم من قبل أربيل (البيشمركة).

أما الوجود العسكري التركي في شمالي سوريا، فهو وجود عسكري حقيقي لقطعات عسكرية كبيرة منتشرة على مساحة تقارب 600 كيلومتر، ولا يقتصر وجودها على محاربة قسد ومنعها من إنشاء كيان ذي حكم ذاتي، ابتداءً من شرقي سوريا حتى غربيها في عفرين، بل أيضاً لمحاربة داعش، التي كانت الحجة الأولى لتدخل تركيا العسكري في الشمال السوري. داعش هي الحجة التي ما زالت تستخدمها واشنطن لتبرير وجودها في سوريا والعراق ودعمها لقسد، التي تحاول تركيا جعلها كبش فداء للمصالحة العسكرية مع النظام السوري.

السؤال الذي يمكن طرحه هنا: في حال تم التطبيع بين النظام السوري والحكومة التركية، هل سينسحب الجيش التركي من كل مواقعه في سوريا؟ وهل سيثق بالقدرات الأمنية للنظام، خاصة في ظل وجود قسد وحليفها الأمريكي، بالإضافة إلى المليشيات المدعومة من إيران التي لا ترغب تركيا في وجودها على حدودها؟ كل التصريحات التي جاءت من وزير الدفاع الحالي أو السابق كانت تتحدث عن إيجاد حلول للمشاكل بين الطرفين، دون ذكر مسألة الانسحاب العسكري من الأراضي السورية. الباب ترك مفتوحاً لنتائج المفاوضات بين الطرفين.

اتفاقية أضنة التي لوح بها الروس والنظام السوري، والتي يمكن تعديلها بما يناسب المخاوف الأمنية لتركيا، لم يتحدث عنها أي مسؤول تركي حتى الآن.

في الوقت نفسه، كانت الدوريات التركية الروسية المشتركة تجوب مناطق الشمال السوري، وطائرات "بيرقدار" التركية تجوب سماء الشمال لمراقبة تحركات قسد، ما يعطي دلالات على الاستراتيجية العسكرية التي تسعى إليها تركيا لاحقاً. ربما بعد التفاهم مع النظام السوري، يمكن الحديث عن انسحاب القوات العسكرية التركية، ولكن من خلال مصطلح "إعادة انتشار"، فهي بذلك لا تحتاج إلى نشر عدد كبير من الجنود، بل يمكن أن تحل محلهم قوات تتبع المؤسسة العسكرية للنظام السوري أو قوات مشتركة بين النظام والمعارضة (في حال تم ذلك). يكفي تركيا المتابعة الجوية والمعلومات الاستخباراتية التي تأتيها، وبعض النقاط العسكرية التابعة لها المرتبطة بغرفة عمليات في مدينة أورفة، بالإضافة إلى التعاون الاستخباراتي الروسي-التركي.

أما اتفاقية أضنة التي لوح بها الروس والنظام السوري، والتي يمكن تعديلها بما يناسب المخاوف الأمنية لتركيا، لم يتحدث عنها أي مسؤول تركي حتى الآن. يبدو أن هناك تجاهلاً مقصوداً لهذه الاتفاقية، لعدم جعلها منطلقاً للمفاوضات الأمنية، ولإبقاء الهدف الأساسي وهو عدم الانسحاب الكامل من الأراضي السورية، ما دامت المخاطر الإرهابية قائمة. يمكن لهذه الاتفاقية أن تستمر وتعدل أيضاً في حال عادت المنطقة إلى سابق عهدها من الناحية الأمنية. ولكن، هذا الأمر وإن بدا ممكناً، إلا أنه يحتاج إلى وقت طويل، خاصة في ظل التحولات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط والترتيبات الأمنية المختلفة التي جعلت أنقرة تعيد حساباتها العسكرية والأمنية في سوريا.