بعد السيسي.. هل يلتقي أردوغان مع بشار الأسد؟

2024.09.12 | 06:26 دمشق

6565
+A
حجم الخط
-A

أثبتت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لنظيره التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة أن عالم السياسة لا تحكمه سوى نظرية واحدة وهي نظرية المصالح ولا شيء آخر، وأن المنافع المتبادلة بين أي كيانين سياسيين هي التي تحكم مقدار تلك العلاقة ومدتها الزمنية.

الرئيس أردوغان قال قبل سنوات عدة إنه لا يمكن أن يلتقي أو يقابل الرئيس السيسي، وبعد هذه المقولة وبعدة سنوات أجرى زيارة إلى القاهرة والتقى الرئيس المصري، ليفتح بذلك باب التساؤلات عن اللقاء القادم: هل يكون مع رئيس النظام السوري بشار الأسد؟ خاصة أن تصريحات المسؤولين الأتراك كانت توجه البوصلة نحو هذا الأمر بشكل متعمد ومنظم، حتى روسيا، راعية هذه المفاوضات، كانت تقوم بنفس الدور تقريبًا مع الاحتفاظ ببعض المسافات بينها وبين كل من تركيا وإيران بما يناسب مصالحها في سوريا وأوكرانيا.

بالنسبة للرئيس أردوغان، يمكن اعتبار لقائه مع نظيره السيسي لقاء يرفع الحرج السياسي والاجتماعي عنه. فكما حصل تصالح مع الرئيس المصري، يمكن فعل الشيء نفسه مع رئيس النظام السوري لاستكمال استراتيجيته المعلنة وهي "صفر مشكلات" وإعادة تموضع تركيا في منطقة الشرق الأوسط بعد المتغيرات الميدانية والسياسية الحاصلة، وخاصة الحرب الإسرائيلية في غزة وتبعاتها الاقتصادية على تركيا والمنطقة بشكل عام.

حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، هذا ما يبدو عليه الأمر بين دمشق وأنقرة حتى الآن رغم الوساطة الروسية التي يمكن وصفها بالوساطة الناعمة.

ولا يخفى على أحد أن تركيا تريد إعادة العلاقات مع النظام السوري وفق رؤيتها الخاصة ومصالحها الأمنية والاقتصادية، وطبعًا إعادة العدد الأكبر من اللاجئين السوريين إلى بلدهم وجعل سوريا سوقًا اقتصادية وتجارية لتركيا وممرًا للبضائع التركية نحو دول الخليج العربي، ليكون بذلك مكملاً لطريق التنمية الذي تعمل على إنشائه مع العراق. ولا بد لهذا الطريق أن يكون خاليًا من حزب العمال الكردستاني، وعليه لا بد من الاتفاق مع دمشق كما حصل مع بغداد بتصنيف هذا الحزب كمنظمة إرهابية هو وذراعه في سوريا، قوات قسد، ومنع مشروعها السياسي، وجعل هذا الأمر من أولويات النظام في دمشق.

لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، هذا ما يبدو عليه الأمر بين دمشق وأنقرة حتى الآن رغم الوساطة الروسية التي يمكن وصفها بالوساطة الناعمة، فالنظام في دمشق غير مستعد لإعطاء تركيا أي ورقة بشكل مجاني، بل لا بد من الاستفادة منها على الصعيد الإقليمي والدولي. ولعل العنوان الأبرز للقاء الطرفين هو تضارب المصالح بينهما. فكيف لنظام يعاني من اختناق اقتصادي أن يوافق على إعادة مئات الآلاف من اللاجئين ويُريح الحكومة التركية من هذا الملف الذي يعد ورقة ضغط عليها؟ إضافة إلى ملف قسد الذي يقلق أنقرة من الناحية الأمنية. ولكن ورغم كل هذا، لم يعد أحد يستبعد لقاء الأسد بأردوغان رغم الفجوات الكبيرة بينهما. ولعل انسحاب وفد النظام السوري من قاعة الاجتماعات في جامعة الدول العربية أثناء كلمة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، رغم موافقة النظام السوري على حضور ومشاركة وزير الخارجية التركي للاجتماع (وفق بعض المصادر الإعلامية)، هو دليل على سياسة الشد والجذب بين الطرفين، وأن النظام ما زال يترك بعض القنوات للتفاوض ليكسب بذلك عدة نقاط، منها تخفيف الضغط عليه من قبل بعض الدول العربية التي تسعى لهذا التطبيع.

الملف السوري كان يمثل تهديدًا للحدود البرية التركية، بينما الملف المصري كان فيه تهديد للحدود البحرية المتوسطية التركية، وكان لا بد من إيجاد طريقة للتفاهم معها.

ثانيًا، يسجل موقفًا سياسيًا أمام الجامعة العربية ضد تركيا التي ما تزال تدعم المعارضة السورية.

ثالثًا، باب التفاوض مع تركيا غير مغلق، خاصة في الأمور الاستراتيجية التي تهم دول المنطقة، وأن على هذه الدول وتركيا إيجاد صفقة رابحة لصالح النظام في دمشق الذي يعد نفسه رقماً صعباً في المنطقة.

وكما سعت هذه الدول للمصالحة بين القاهرة وأنقرة، والتي نجحت في إقناع الأخيرة بالتخلي عن المعارضة بكل تفاصيلها، فإن النظام السوري يطمح إلى الشيء نفسه.

رغم أنه من الإجحاف المقارنة بين الملفين السوري والمصري، فمصر دولة كبيرة ذات نفوذ سياسي قوي في المنطقة ولديها موارد الطاقة التي تحتاجها تركيا، وعليه لا يوجد مقارنة مع سوريا رغم تشابه ظروف الخلاف مع تركيا. فالملف السوري كان يمثل تهديدًا للحدود البرية التركية، بينما الملف المصري كان فيه تهديد للحدود البحرية المتوسطية التركية، وكان لا بد من إيجاد طريقة للتفاهم معها، خاصة أن دولًا مثل فرنسا واليونان قد استثمرت هذا الخلاف ليصبح ورقة ضغط ليست بالقليلة على تركيا، والشيء نفسه حصل على الأراضي السورية، الأمر الذي جعل أنقرة تسعى جاهدة لتقليل ملفاتها الخلافية مع دول المنطقة بحثًا عن منافع اقتصادية.