هامش المناورة يضيق أمام النظام والأسد يحاول القفز من السفينة الإيرانية

2024.07.21 | 07:28 دمشق

آخر تحديث: 21.07.2024 | 07:28 دمشق

بشار
+A
حجم الخط
-A

عند بداية اندلاع المواجهات في غزة إثر عملية "طوفان الأقصى"، قامت إسرائيل بسرعة بتهديد الدول المجاورة للحدود معها، بما في ذلك لبنان وسوريا. لم تقتصر التهديدات على تدمير لبنان وإعادته إلى العصر الحجري كما يتفاخر به قادة العدو المتطرفون، بل تعدى الأمر إلى تهديد سوريا، وقصف العاصمة دمشق، واقتلاع بشار الأسد من قصر قاسيون.

تلقى النظام السوري التهديدات بهدوء وسرعة، وبدأ يعطي إشارات للابتعاد عما يحدث في الجوار، حيث فرض سياسة واضحة بعدم إزعاج أميركا وإسرائيل، محاولًا الابتعاد الفعلي عن إيران، وفتح باب الحوار المباشر مع واشنطن. فهم النظام السوري مضمون الرسالة التي أرسلتها إسرائيل للأسد بأن المنطقة ذاهبة نحو تسوية يُفترض أن تبدأ بعد انتهاء حرب غزة. وبالتالي، التسوية التي تحاول الولايات المتحدة إظهارها ستحقق لإيران حوافز وإطلاق اليد الطولى في المنطقة كونها حاجة أميركية، وبالتالي فإن أي تسوية ستكون على حساب نظام الأسد الذي يقر بشرعية التواجد الإيراني في سوريا وإدارتها سياسيًا واقتصاديًا.

لكن بظل عدم نضوج تسوية سياسية، وإعطاء الأطراف المتحاربة حوافز وامتيازات توزعها الإدارة الأميركية، يزداد التصعيد بين إسرائيل وأذرع إيران بشكل مرتفع بالحوار تارة وطورًا بواسطة النيران والمدافع. يطلق قادة العدو تصريحات خطيرة بشأن فتح الجبهة الشمالية مع لبنان، وإحداث مواجهة بين الجيش الإسرائيلي وميليشيا "حزب الله" والميليشيات الأخرى الموالية لإيران القادمة من دول محور الممانعة.

الهجوم لن يكون ضد لبنان فقط، بل ستكون سوريا في الواجهة، وخاصة بأن قادة الدولة العبرية يجاهرون بأن الضربة ستبدأ من الحدود الجنوبية لسوريا مرورًا بالخط الفاصل مع لبنان. هذا الخط هو ممر إجباري للميليشيات الإيرانية والمتطوعين وممر إمداد السلاح القادم من طهران، فستكون سوريا في عين العاصفة.

بالرغم من تحذيرات ألمانيا، التي نشرتها صحيفة "بيلد" الألمانية بأن إسرائيل سوف تبدأ بالهجوم في تموز الجاري، بحال فشلت الوساطة الدبلوماسية، وإيقاف الهجمات على الشمال الإسرائيلي، تشير الصحيفة إلى أن "حزب الله" لن يوقف شن الهجمات حتى انتهاء حرب غزة مما يرجح تغليب خيار الهجوم ضد لبنان. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو مصير النظام السوري بحال اندلاع المواجهات الجديدة على الحدود مع لبنان؟

هامش المناورة أمام النظام يضيق تدريجيًا عليه وعلى بيئته، لذلك يعمل على فك الارتباط التدريجي بإيران من خلال عزل نفسه عما يحدث في المنطقة، وفتح أبواب التسوية مع الدول التي تعتبر حاضنة للمعارضة ولا تتواصل معه

في ظل الدعوات المفتوحة "لحزب الله" بأن أي خطأ ترتكبه إسرائيل سيغير واجهة المنطقة وستتدفق آلاف المؤلفة من المقاتلين للانخراط في القتال ضد إسرائيل من محور الحشد الولائي، هل يستطيع الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية لبيروت استيعابها؟ بالطبع لا. فالمنطقة الممتدة من الجولان السوري حتى القصير ستكون مراكز لتعبئة هؤلاء المتطوعين في الحرب. فهل سيكون ذلك بغطاء النظام السوري؟ بالطبع لا. فالنظام السوري بدأ يفتح الآفاق الدبلوماسية مع المحيط العربي ومع تركيا للخروج من القبضة الإيرانية، والابتعاد عن الحرب القادمة، وبالتالي فإن هذه النوافذ باعتقاده ستبعده عن الحرب والتدمير وتفتح الآفاق للتموضع الجديد خارج محور الممانعة. لكن الممانعة وقياداتها في طهران تحاول الضغط على النظام لإبقاء سوريا منطقة صراع جغرافية.

تقع منطقة الشرق الأوسط على فوهة بركان، وتزداد المخاوف بظل التوتر المتصاعد يوميًا، لأن الخوف من اندلاع حرب واسعة قد تأخذ بعدًا عالميًا، وقد تخوض فيها الأطراف مجتمعة صراعًا قد تعرف كيف يبدأ ولكن لا أحد يعلم متى ينتهي. وفي إطار الحرب الإعلامية والنفسية التي يتبعها فريق الممانعة في الحرب ضد الكيان الصهيوني، تشير المعلومات إلى أن إيران وميليشيات مدعومة منها جهزت آلاف المقاتلين من الجماعات المدعومة إيرانياً في الشرق الأوسط، الذين هم على استعداد للقدوم إلى لبنان للانضمام إلى "حزب الله" في معركته ضد إسرائيل، إذا تصاعد الصراع وتطور إلى حرب شاملة، لكن هذه الخطابات غير مؤكدة.

وكان الأمين العام لـ"حزب الله" نصر الله قال في خطاب له بتاريخ 19 يونيو/حزيران الماضي إن جماعته تمتلك قدرات بشرية كبيرة، جاهزة ومستعدة ومتحفزة للتوجه إلى الجبهة. ولكن حتى الآن تحتاج الجبهة إلى عدد معين لتنفيذ المهام، وأضاف "خلال هذه الفترة كثير من الأصدقاء والإخوة في سوريا والعراق واليمن حتى في إيران وفي أماكن أخرى تواصلوا مع "حزب الله" وأعربوا عن استعدادهم لإرسال عشرات الآلاف من المقاتلين إلى لبنان".

من ضمن التصريحات أيضاً، حذر زعيم "عصائب أهل الحق" العراقية قيس الخزعلي الولايات المتحدة من أن مصالحها ستكون في خطر حال شنت إسرائيل هجوما على "حزب الله"، وأيضًا مسؤولون في جماعات مدعومة من إيران بالعراق ولبنان قالوا إنه "يمكن لمقاتلين من "قوات الحشد الشعبي" العراقية و"فاطميون" الأفغانية و"زينبيون" الباكستانية وجماعة الحوثيين في اليمن، أن يأتوا إلى لبنان للمشاركة في الحرب".

لذلك فإن جبهة الجنوب تكتسب أهمية خاصة لجميع الأطراف، نظرًا لأن كل الأطراف في المنطقة تحاول أن تضبط هامش تحالفاتها الدولية وتعلن استراتيجيتها من خلال التشكيلات الجديدة التي باتت تفرض على المنطقة كأمر واقع، وبنفس الوقت في كيفية التعامل معها في إطار إيجاد الحلول السريعة لنزع الفتائل المشتعلة في المنطقة، وخاصة لما تحاول إسرائيل فرضه سريعًا على الجبهة الجنوبية للبنان والجبهة الجنوبية لسوريا لتداخلهما الجغرافي والحربي.

إسرائيل على الجهة الشمالية العسكرية تراقب الحدود مع سوريا، والممر القادم إلى الجولان والممرات الأخرى التي تربط سوريا بالعراق وسوريا بلبنان، فهي تستعد لمواجهة قادمة، وستكون هذه الخطوط تحت السيطرة النارية التي تعيق فتح ممرات آمنة لتقديم المساعدات البشرية أو اللوجستية والعسكرية المتجهة نحو لبنان. وخاصة في حال تدخلت فصائل من الحشود الموالية لإيران على خط الجبهة في حال وقوع حرب شاملة.

ذريعة الحرب باتت متوفرة لدى العدو والمتطرفين الذين يحاولون استخدامها لشن الحرب على لبنان، حيث باتت ضرورة حتمية لمشروعهم القائم على توريط إيران في الحرب وإدخالها في المواجهة، وبالتالي إجبار الولايات المتحدة على الوقوف إلى جانب أميركا الصغيرة أي "إسرائيل". وبالتالي ستكون الحرب المفتوحة ضد "الحزب" وضرب العاصمة دمشق لإبعاد إيران عن سوريا. وخاصة أن هذه الحرب تسبق الحراك الدبلوماسي الأميركي، لفتح فتيل الحرب من جهة، ومن جهة أخرى إعادة بلورة استراتيجيتها القادمة مع النظام السوري، وخاصة أن الولايات المتحدة كانت قبل انتفاضة الأقصى قد بلورت نوعًا من مشروع كبير يمتد من الجنوب السوري وصولًا إلى دير الزور مرورًا بصحراء التنف وضمت إليه محافظة السويداء التي أظهرت الأسد فاقدًا قدرته وكشفت زعمه حماية الأقليات، وبالتالي الولايات المتحدة الأميركية جمدت هذا المشروع.

أمام هذه التطورات وتسارع الأحداث بات الأسد يعلم جيدًا أن التصعيد من جانبه سيكون كارثة كبيرة على نظامه ومناصريه، وبالرغم من استخدام سوريا من قبل الميليشيات في القصف على الكيان الإسرائيلي والرد الإسرائيلي على الميليشيات، لكنه يحاول أن يفرض هامشًا واضحًا بينه وبين الميليشيات. لقد تسلم الأسد رسائل عديدة من الدول العربية وتركيا وفرنسا وحتى بوتين قدّم له نصيحة مهمة بالذهاب لتسوية الخلافات مع تركيا وفتح الحوار الدبلوماسي دون الانصياع لمطالب الإيرانيين، والذهاب بعيدًا في هذه الحرب التي بات هدفها الدفاع عن طهران وتأمين سلامتها، ورفع من شروطها، لا تحرير فلسطين أو الدفاع عن غزة.

قرار المحكمة العليا الفرنسية ليس قرارًا عاديًا حول وضع بشار الأسد على لوائح المطلوبين للمحكمة الجنائية بتهمة استخدام المواد الكيميائية في قتل الشعب السوري، وقبله حكم القضاء الفرنسي على كل من "علي مملوك وجميل حسن"، وهما من أبرز قادة النظام العسكريين، بالسجن لارتكابهما جرائم ضد الإنسانية. بالطبع هذه القرارات ستتفاعل لاحقًا من الدول الأوروبية وخاصة أن الكونغرس الأميركي يسعى لوضع سوريا على لوائح الدول الداعمة للإرهاب.

هامش المناورة أمام النظام يضيق تدريجيًا عليه وعلى بيئته، لذلك يعمل على فك الارتباط التدريجي بإيران من خلال عزل نفسه عما يحدث في المنطقة، وفتح أبواب التسوية مع الدول التي تعتبر حاضنة للمعارضة ولا تتواصل معه، بسبب ممارسته القمعية في قتل شعبه وضرب الثورة والحراك الشعبي والانصياع للأوامر الإيرانية وفتح سوريا على مصراعيها أمام الحشود "الولائية" التابعة لنظام ولاية الفقيه في طهران.

الأسد ونظامه في حيرة وبحاجة بسرعة لإيجاد مخارج مناسبة تحمي النظام من أي اهتزاز أو مواجهة قادمة في المنطقة قد تكون ساحتها سوريا، وبالتالي سيتكبد النظام والشعب خسائر كبيرة لن تكون في حساب أحد. وفي حال حدوث أي تسوية ستكون سوريا خارجها، وعلى حسابها! لذلك باتت تسوية أوراق النظام ضرورية جدًا لمنع أي ضربة عسكرية ضده أو السقوط في القبضة الإيرانية التي قد تنهي وجود النظام الحالي نهائيًا. لذلك يمد الأسد شباكه محاولًا النجاة من الحروب القادمة ومن السطوة الإيرانية، هو يركض من مرسى إلى مرسى من أجل النجاة والهروب وتجنب العاصفة القادمة التي قد تزعزع كيانه. لذلك باتت الشباك تمتد في المراسي من دون شروط مسبقة، وشعارها "الحوار أهم شيء". فالنظام يحاول القفز من السفينة قبل غرقها.