النظام السوري يفتح النوافذ مع تركيا هرباً من التغول الإيراني

2024.08.03 | 05:40 دمشق

دخل نظام بشار الأسد منعطفًا صعبًا بظل التغييرات الجيوسياسية التي تعصف بالعالم لجهة إعادة رسم الحدود الجيوسياسية في المنطقة العربية والشرق الأوسط وفي القلب منها سوريا. بات هذا النظام يستشعر الخوف، ويحاول اللعب على الهامش بين الأطراف والاستفادة قدر الإمكان من الفراغ الحاصل في المنطقة عامة وسوريا خاصة، وتقديم نفسه من جديد للغرب والعرب فيما التحالف مع النظام الإيراني لا يزال مستمرًا.
+A
حجم الخط
-A

دخل نظام بشار الأسد منعطفًا صعبًا بظل التغييرات الجيوسياسية التي تعصف بالعالم لجهة إعادة رسم الحدود الجيوسياسية في المنطقة العربية والشرق الأوسط وفي القلب منها سوريا. بات هذا النظام يستشعر الخوف، ويحاول اللعب على الهامش بين الأطراف والاستفادة قدر الإمكان من الفراغ الحاصل في المنطقة عامة وسوريا خاصة، وتقديم نفسه من جديد للغرب والعرب في حين التحالف مع النظام الإيراني ما يزال مستمرًا.

يدرك النظام السوري أن التموضع الجديد بات ضروريًا للحفاظ على رأس السلطة وعلى الحكم، وبأن الخطر يتهدده من خلال التسوية القادمة التي لم تكتب كلماتها الأخيرة بعد، والتي ستكون على حسابه، إذا استمر تحالفه مع "محور الممانعة" الذي لا زال مصيره غير محسوم. ربما بات الأسد يلعب بالأوراق التي يعرفها خوفًا على مصيره، كيلا تتكرر معه تجربة الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح حين أنهته الميليشيات الإيرانية.

لقد تقرب الأسد من العرب لأنه فهم أنّ إيران ستلتهمه وتلتهم نظامه حيث بات أسيرًا للميليشيات الإيرانية المنتشرة على كافة الأراضي السورية، والكلمة لم تعد له، بل باتت للنظام الإيراني في تحديد الدور القادم لسوريا بظل انتشار ميليشيات طائفية متنوعة الجنسيات من أفغانية وباكستانية وعراقية ولبنانية وبالطبع إيرانية تابعة للحشد الولائي في طهران. التقرب من العرب ربما يؤمّن للأسد توازنًا للبقاء في السلطة والمحافظة على بعض مصالحه ومصالح المقربين منه وأيضا الطائفة التي ربط مصيرها واستمرارها ببقائه:

  • أولاً: فالانفتاح على العرب والتلاعب على الاصطفافات قد يحميه من التغول الإيراني.
  • ثانيًا: العرب ربما يقومون بمساعدته في إعادة الإعمار والانفتاح على الخارج، أي على الغرب مما يساعد في تخفيف وطأة العقوبات الغربية والأميركية.

ومن هنا يظهر التوجه الذي يسعى الأسد لتحقيقه من خلال فتح النوافذ مع تركيا من خلال لقاء الرئيس التركي أردوغان واستخدام المناورة من أجل تأمين الحماية الروسية في محاولة لإظهار التوازن في زيارته، وخاصة أن الذهاب نحو تركيا يعطيه ورقة دعم تركي، والانفتاح عليها يجعله صانع سلام، ويمكن معها إيجاد الحلول للمساعدة في تبييض نظامه أميركياً وغربياً.

الروس يحاولون تأمين مظلة عربية للدفع به نحو تركيا، مما يرفع منسوب التوازن الروسي الإيراني في الصراع الجيوسياسي الحالي حيث يستعجل الروسي والإيراني للاستحواذ على سوريا من خلال السيطرة المالية والعسكرية والسياسية على مفاصلها.

الروس يحاولون تأمين مظلة عربية للدفع به نحو تركيا، مما يرفع منسوب التوازن الروسي الإيراني في الصراع الجيوسياسي الحالي حيث يستعجل الروسي والإيراني للاستحواذ على سوريا من خلال السيطرة المالية والعسكرية والسياسية على مفاصلها

من هنا بتنا نرى بأن هناك صراعًا روسيًا إيرانيًا للسيطرة على سوريا يتبلور بتوجهات الرؤية الخاصة لكل دولة على انفراد، بالنسبة لمستقبل سوريا، الروسي ينظر إلى سوريا بكونها موحدة ضمن تحالفاتها الحالية وموقعها العربي نتيجة الامتداد والمحافظة على النظام السوري الحالي مع إجراء إصلاحات تجميلية ترفع موقع النظام وتؤمّن له حاضنة عربية تساعد على استنهاض سوريا بواسطة الإعمار الذي لا يمكن لروسيا تقديمه للنظام بسبب انغماسها في الحرب الأوكرانية ونتيجة العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، لذلك اكتفت بأن يكون نفوذها قويًا في سوريا من خلال المحافظة على النظام، لكنها تغض النظر عن تصرفات إيران لكون روسيا باتت مجبرة على تقبل ذلك نتيجة المساعدات الإيرانية التي تقدمها طهران للحرب في أوكرانيا.

أما الموقف الإيراني فهو يرغب ولا يريد رؤية دولة سورية أو إعادة توحيدها، وإنما يريد سوريا دولة ذات نفوذ لميليشياته وتأمين حماية لميليشيا "حزب الله" كونه رأس الحربة لإيران في المنطقة، وفي الضغط الإيراني على إسرائيل من أجل الحصول على حوافز أميركية. سوريا بنظر إيران ليست دولة، بل هي ساحة تدار بواسطة الحرس الثوري والميليشيات المنتشرة على أرضها تحت إمرة قادة الحرس الثوري و"حزب الله". فالاستراتيجية الإيرانية تقوم عقيدتها على بسط النفوذ في مناطق تمددها حيث فرضت إيران حضورها على النظام السوري منذ بدايات الحرب عبر الدعم المالي والعسكري واللوجيستي.

فإيران لا تجد حرجًا في سياسة "تصدير الثورة" التي تعتمدها، وهي استراتيجية متبعة في السياسة الخارجية الإيرانية عبر تصدير تعاليم "الثورة" الإيرانية عام 1979، ومنها نشر التشيع ودعم الجماعات المسلحة الشيعية المدعومة من قبلها - كحزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن وكتائب حزب الله والحشد الشعبي في العراق. ومن ضمن تلك الاستراتيجية تعمد إيران إلى تجنيد الأطفال في سوريا إضافة إلى استغلال اللاجئين الذين قصدوا الأراضي الإيرانية من الدول المجاورة لا سيما أفغانستان.

إيران طوال الحرب السورية انطلقت من مبدأ أن أمن سوريا هو أمنها الخاص، من أجل ترسيخ المصالح الاستراتيجية بين البلدين، ووجب عليها لاحقاً إيجاد السبل والوسائل لاستمرار نفوذها وبقائها بعد أن هدأت وتيرة الحرب داخل سوريا. فوجدت في النشء الجديد مجالاً واسعاً يعتمد لزرع الأفكار والأيديولوجيات عبر عملية مكتملة لـ"غسل العقول" كي تضمن تجذرها ونفوذها في المجتمع السوري، ضمن ما يعرف بـ"غزوها الثقافي".

من هنا يمكن الوقوف أمام حدث مهم جدًا وهو مقتل لونا الشبل كتقاطع بين الأجهزة الأمنية السورية! وما مدى انعكاسه الفعلي على سياسة النظام السوري في الاستمرارية القادمة بالوقت الذي بات واضحًا أن النظام الحاكم في سوريا يعاني من أزمة واضحة بينه وبين نظام الملالي في إيران تجسدت في عملية عدم ذهاب الأسد إلى طهران للتعزية برئيسها في محاولة للاعتراض على الساسة الإيرانيين الذين باتوا يواجهون إخفاقاتهم الأخيرة في حرب طوفان غزة بتحميلها إلى الأجهزة الأمنية السورية التي باتت تتعرض للتهديدات والمضايقات في محاولة إيرانية واضحة للضغط على نظام الأسد واعتبار عدم مشاركته في الحرب ضد الكيان الصهيوني انفصالاً عن "محور الممانعة".

إيران باتت تحس أن الأسد يبتعد عن طاعتها، لذلك حاولت الضغط عليه من خلال المطالبة بالأموال التي دفعتها طهران في الحرب السورية والأسد مجبر على إعادتها كليًا ومن دون الامتنان له بأنه أدخلها إلى الداخل السوري. لذلك تحاول طهران توجيه اتهامات نحو أجهزة الأمن السوري للضغط على النظام بأن الأسرار الحربية والعسكرية يتم إفشاؤها من قبل القادة والضباط السوريين في محاولة إلصاق التهم الجاهزة والمعلبة بالأجهزة الأمنية لسد الإخفاق الأمني واختراقات مجموعاتها أمنيًا التي تتبلور بعمليات ضرب لمواقع إيرانية واغتيال قادة من الحرس الثوري الإيراني.

هذا الصراع بات مفتوحًا على مصراعيه بين "إيران ونظام الأسد"، بمعنى أن الصراع بين أجهزة أمنية لأجل السيطرة الإيرانية على الأجهزة الأمنية السورية، والتي باتت تتململ من أوامر قادة الميليشيات والحرس الثوري وتصرفاتهم. لكن تطور الصراع يتم دفع ثمنه هذه المرة في السويداء "الحلقة الأضعف في الصراع"، حيث باتت عملية اغتيال أو قتل مستشارة بشار الأسد "لونا الشبل" حلقة مفصلية بين الطرفين في ظل الصراع القائم على البقاء أو الاندثار وتم تغليفه بصراع بين الأجهزة على السلطة بين الفريق الموالي للأسد وتوجهاته الروسية والفريق الموالي لأخيه ماهر الموالي لإيران.

لونا الشبل كانت كاتمة لأسرار الأسد وعلى علاقة جيدة بالروس من خلال التواصل معهم في مكتب الرئيس، وكانت على علاقات واسعة مع موسكو من خلال المعارضة السورية الموجودة في موسكو التي تضم جماعة "قدري جميل وأصحابه". كما أن لونا كانت تلتف على العقوبات الغربية في تهريب أموال للأسد لشراء ممتلكات في روسيا له ولأولاده وحاشيته الموجودين في روسيا عن طريق معارفها في الأردن وبيروت. وهذا الإطار وسّع عمل لونا الشبل في التجارة حيث باتت ثروتها تكبر واشترت منتجعًا في "سوتشي" على البحر الأسود وفتحت مطعمًا سوريًا في المدينة. وكانت الحادثة التي أودت بحياتها  دون تعليق القصر الجمهوري وهناك بعض السياسين قد وصفوها بالجاسوسة الراحلة .

لونا التي أسقطت من القيادة القطرية في مؤتمرها الأخير في نيسان الماضي إلى جانب زوجها كان مخططًا لذلك سابقا، ويهدف للانتهاء من خدمات لونا في القصر الجمهوري . لونا الشبل، اوقفت في 21 أيار/مايو  للتحقيق وحقق معها  وزير الاستخبارات حسام لوقا المقرب من النظام الايراني، ومن أمين عام حزب الله حسن نصرالله. موت الشبل يريح النظام والذي سينشر عنها مئات القصص وسوف تتهم بالعمالة للروس أو لإسرائيل، وسيستخدمها في شيطنة انتفاضة السويداء وربطها بإسرائيل..